في الأيام الماضية خرجت نساء فنزويلا وفقراؤها الي الشوارع حزنا علي موت هوجو شافيز , بينما خرجت نساء انجلترا وفقراؤها إلي الشوارع احتفالا بموت مارجريت تاتشر, مما يؤكد أن التكوين البيولوجي أو التشريحي لما نسميه أنثي أو ذكر لا يحدد تفكير الانسان وسلوكه الفردي أو الجماعي, وأن مقولة سيجموند فرويد التشريح هو المصير ليست صحيحة. سمعنا عن نساء أكثر عدوانا وشراسة من الرجال, ريا وسكينة, مارجريت تاتشر, مادلين أولبرايت, كونداليزا رايس, انجيلا ميركل, سارة بالين, وجوليا بيرسون التي عينها أوباما رئيسة وكالة الخدمة السرية المكلفة بحماية رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية, أراد أوباما تطهير هذه الوكالة من الرجال الضعاف أمام شهواتهم, بعد الكشف عن انشغالهم بالبنات بغرفهم بالفندق بمدينة كارتاجينا في أثناء زيارة أوباما لكولومبيا. وخلال الثمانينات من القرن الماضي, شاركت في عدد من المظاهرات النسائية والشعبية, في لندنونيويورك وغيرهما من المدن, ضد سياسة مارجريت تاتشر ورونالد ريجان, القائمة علي التجارة بتعاليم الانجيل والأعضاء البشرية في غابة السوق الحرة, وديمقراطية الصندوق القائمة علي شراء الأصوات بالأموال, والغزو العسكري من أجل النهب الاقتصادي, واضطهاد المهاجرين الأجانب تحت اسم حماية الهوية القومية والدينية. انتقلت عدوي هذه السياسة الي بلادنا, مع استبدال تعاليم المسيح بالآيات القرآنية, واستبدال الهوية الأمريكية والأوروبية بالهوية العربية والاسلامية. وحورب هوجو شافيز بالقوي الاستعمارية العالمية, وتم اتهامه بكل الموبقات, منها الالحاد والشيوعية والتطرف والديكتاتورية, كما حدث لأي مناضل وطني في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية, رغم أن هوجو شافيز نجح في انقاذ عائدات البترول الفنزويلي من أنياب الاستعمار, وحرر شعبه من الفقر والقهر والتفرقة علي أساس الطبقة والجنس والدين والهوية القومية. وقد لعبت مارجريت تاتشر خلال حكمها دورا في ضرب حقوق الأغلبية, زاد ثراء1% من الأثرياء( تاتشر واحدة منهم) وزاد فقر99% من الشعب. شجعت تاتشر الجشع الطبقي والتنافس الفردي تحت اسم حرية الفرد, دعمت القيم الأبوية الذكورية باعتبارها المبادئ العليا للكنيسة والأخلاق واستخدمت السلاح البوليسي وقنابل الغاز لضرب المتظاهرين المعارضين لسياستها. في عام1983 رأيت آلاف النساء والشباب والأطفال والرجال, راقدين فوق الأرض يسدون بأجسادهم الطريق أمام مدرعات القاعدة الأمريكية العسكرية في جرينهام كومان'' القريبة من لندن. وقد استخدمت تاتشر مثل صديقها ريجان سلاح الإعلام الذي يقلب الحقائق ويضع الحجاب علي العقول, ترعرعت امبراطورية ميردوك الاعلامية الفاسدة في عهدها, ثم سقط ميردوك وأعوانه بعد انكشاف فضائحهم المالية والسياسية. شاركت العام قبل الماضي في مظاهرات سان بول أمام البورصة في لندن, وفي المظاهرات ضد تجار وول ستريت في نيويورك, رأيت الحشود من النساء والفقراء والشباب, ينددون بجشع اليمين الأوروبي الامريكي منذ ريجان وتاتشر وكارتر وكلينتون وبوش الأب والابن, حتي باراك أوباما وانجيلا ميركل وساركوزي وبيرلوسكوني ونيتانياهو وغيرهم, كشفت الوثائق البريطانية مؤخرا أن حكومة تاتشر سمحت لاسرائيل باستخدام السلاح النووي إن شعرت بالتهديد, كما جاء في تقرير السفارة البريطانية بتل أبيب قبل اجتماع تاتشر ومناجم بيجن رئيس الوزراء الاسرائيلي خلال مايو1980( جريدة الأهرام13 ابريل2013) لم يغير الاستعمار البريطاني الأوروبي الأمريكي من تدعيمه لدولة اسرائيل بكل الأسلحة الاقتصادية والاعلامية والعسكرية بما فيها القنابل النووية, رغم حربهم الضارية ضد أي دولة تحاول تطوير برنامجها النووي وإن كان سلميا, كما حدث لمصر في الماضي, وما يحدث اليوم لإيران وكوريا الشمالية وغيرهما من البلاد. نشأت حركات تحرير النساء في التاريخ البشري مع حركات تحرير العبيد من القهر الطبقي الأبوي الديني العنصري, وأصبحت قضية تحرير المرأة علما من العلوم, يدرس في الجامعات مثل الطب والهندسة والكيمياء والفيزياء وعلم الكون وغيرها. ولا ينفصل القهر الاقتصادي عن القهر الجنسي للنساء والفقراء تحت حكم الرأسمالية القديمة والحديثة, وتلعب الأديان بطبيعة الحال دورا رئيسيا في تثبيت أركان النظام الرأسمالي الأبوي, خاصة الجماعات السلفية الدينية( يسمونها التيارات الأصولية) التي أصبحت دعامة العصر الرأسمالي ما بعد الحديث, في الغرب والشرق معا. فشلت أغلب الثورات الشعبية في تحرير النساء والفقراء من أنياب الرأسمالية الشرسة, بسبب تطور التكنولوجيا العسكرية البوليسية في قمع المتظاهرين, وتطور التكنولوجيا الدينية السياسة الاعلامية لتضليل العقول, بالاضافة الي التعاون الوثيق بين القوي الرأسمالية الخارجية والداخلية لاجهاض أي حركة شعبية, وشهدنا ذلك في بلادنا خلال العامين الماضيين بعد ثورة يناير2011, فما الحل اذن وكيف يتحرر الفقراء والنساء في العالم بما فيه بلادنا؟ ليس أمام النساء والشباب والعاطلين والفقراء الا مواصلة الثورة معا ضد القهر الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتعليمي والاعلامي, دون الفصل بين أي منها, ربما تحقق ذلك( بدرجات متفاوتة) في بلاد أمريكا اللاتينية مثل فنزويلا والبرازيل وكوبا وغيرها. بالطبع تتربص القوي الرأسمالية الشرسة بهذه البلاد لاغتيال زعمائها الوطنيين, كما حدث مع أليندي في شيلي وغيره من الزعماء الثوريين, أو تنتهز فرصة شيخوخة( كاسترو) أو موت( شافيز) للانقضاض كالصقور علي موارد الشعوب. وربما نجح شافير في التصدي لهذه القوي وتحرير البترول والاقتصاد الفنزويلي من قبضة الطبقة الرأسمالية الداخلية والخارجية, لكن هل استطاع شافيز أن يحقق التحرر الاجتماعي التعليمي الثقافي الاعلامي؟ لمزيد من مقالات د.نوال السعداوى