مجددا عاودت فكرة عضوية مصر في مجلس التعاون الخليجي الطرح في أقل من ستة أشهر. ففي يوليو2011 دعا القائد العام لقوة دفاع البحرين, الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة, إلي ضرورة التفكير بجدية في إمكانية انضمام مصر إلي المجلس, ومنذ أيام أكد مدير إدارة مجلس التعاون الخليجي في وزارة الخارجية الكويتية, السفير حمود الروضان, أن مصر علي قائمة الانضمام للمجلس. وقد تبدو دعوة مصر لعضوية المجلس الخليجي في الوقت الراهن أمرا متجاوزا للواقع; فقد تعثرت خطوات المجلس في ضم مملكتي الأردن والمغرب, ويشير آخر التصريحات الرسمية من الإمارات والسعودية إلي ميل خليجي نحو التراجع عن ضم المملكتين, أو علي أحسن تقدير عضوية جزئية مثل اليمن, أو عضوية كاملة لكن ضمن شراكة متدرجة تستغرق سنوات, وكان أقصي ما توصلت إليه قمة المجلس بالرياض في الأسبوع الحالي هو إقرار إنشاء صندوق تنمية بحجم5 مليارات دولار للمملكتين. في ظل ذلك يصبح الحديث عن عضوية مصر في المجلس مسألة محل نظر. إن هذه ليست المرة الأولي لدول المجلس في إطلاق أفكار يجري التراجع عنها لاحقا; فقد اعتاد مسئولو المجلس تصدير أفكار كبري ومفاجئة إلي حد الصدمة أحيانا ربما بهدف التعامل مع أوضاع داخلية, أو لحسابات بينية, أو سعيا لهدم أوهام لدول خارج المجلس عبر مواجهتها بأفكار تتوازي معها وتنافسها حتي تصعقها, وفي الأغلب قد لا يكون الدافع الأساسي جوهر الفكرة المتصدرة للمشهد, وإنما إمرار أمور أخري في الواقع الخليجي. ونشير إلي سابقة إعلان دمشق بين دول المجلس وكل من سورية ومصر الذي انتهي للتجميد في أواسط التسعينيات, وإعلان قبول عضويتي الأردن والمغرب منذ أشهر, والذي لم ينته إلي شيء ملموس حتي الآن. وتمر دول المجلس بمفترق طرق تاريخي مع احتمالات انعكاسات الربيع العربي, ومع إعادة ترتيب علاقاتها مع الولاياتالمتحدة, قد تنتهي بها إلي موجة ثانية من التحالفات مع الدولة العظمي وحلف الناتو, حيث تشير الأفكار الأخيرة في الخليج إلي اتجاه لإعادة التموضع العسكري لبعض القوات الأمريكية المنسحبة من العراق في قواعد جديدة بدول المجلس, ومن ثم ينبغي الانتباه إلي ما وراء الدعوات الصادرة من جانب دول المجلس عبر تقصي حقيقة الترتيبات علي أرض الواقع والتي تطوي الكثير من أسرار المنطقة. فعلي الرغم من الشكوك التي أحاطت بالثقة في التحالف بين دول المجلس والولاياتالمتحدة بسبب موقفها من ثورات الربيع العربي, فإن المخرج العام لتفاعلات الجانبين يشير إلي اتجاه مختلف; ففي الأشهر الأخيرة جري الاتفاق علي أمرين في غاية الدلالة: في الشأن الإيراني بدا التنسيق الأمريكي السعودي كبيرا, وبدا وكأن البلدين تدير سياستهما الخارجية وزارة خارجية واحدة, حين تحركا بشكل متسق وفي وقت متزامن فيما يتعلق برواية محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن, فيما بدا وكأنه ترتيب لمسرح الحرب علي إيران. وفي الشأن اليمني جري الاتفاق بين دول المجلس والولاياتالمتحدة إلي حد أن أخلي فيه اليمن تماما لمبادرة المجلس, وانتهي الأمر إلي إقرار ما أرادت هذه الدول( ثورة معطلة أو نصف ثورة), وهو أمر كان غاية في الأهمية نحو بلد علي تماس مباشر مع السعودية. هكذا بتحليل السوابق ودهاليز العمل الخليجي لا ينبغي التعامل مع أفكار حول دعوة مصر للانضمام لمجلس التعاون الخليجي باعتبارها الكلمة الفصل لدول المجلس, وإنما قد تكون الأبعاد التكتيكية والدوافع المرحلية هي الوازع الرئيسي, إنها محاولات لمحاصرة الانعكاسات المحتملة للربيع العربي. لكنها مع ذلك تؤكد مرور دول المجلس بمرحلة قلق بين توجهها العربي التي أصبحت مركز الثقل فيه, وتوجهها الغربي الذي يبقي محط الأمان الحيوي. وما بين قلق الفكر الاستراتيجي الخليجي بين الاثنين يتوقع أن تتجه دول المجلس إلي تبني مواقف وتوجهات ليست قاطعة علي امتداد سنوات مقبلة. لكن إذا سلمنا بأن دول المجلس قد تفكر في وقت مقبل في دعوة مصر للعضوية, فماذا يمكن أن يكون القرار المصري؟ وما الفرص والمحاذير فيما يتعلق بمصالح مصر في حال وجهت الدعوة رسميا؟ لا يمكن تصور موقف مصري آخر غير قبول الدعوة في حال توجيهها مهما بلغ الاختلاف حولها في حوارات الفيس بوك بين الشباب علي الجانبين, والتي لم تعدم الأفكار المغلوطة التي بلغت حد شتائم عنصرية كررت ما حدث مع الأردن والمغرب, وتشير بالأساس إلي خطايا الواقع العربي الذي لم نعالجه. فبعيدا عن القراءات الجيوسياسية وليس القومية العاطفية فقط التي تنطلق من رؤية مجموعة ضمن الفكر الاستراتيجي المصري وتعتبر مصر دولة خليجية بمنظور الجغرافيا السياسية والمصالح, هناك مبدأ أساسي ينبغي أن يكون حاكما للفكر الاستراتيجي المصري بأن أمن دول مجلس التعاون وجغرافيتها السياسية القائمة هما جزء حيوي من الأمن القومي المصري ومن الرؤية المصرية الأشمل لمصالح الإقليم, وهو أمر يرتبط بالهوية القومية والوطنية لمصر والمنطقة, وللأسف فإن هذه الرؤية لم تكن مؤكدة للخليجيين في العقود الماضية( بسبب تجربة عبد الناصر), فبحسابات الواقع لا يمكن تصور استقرار كيانات سياسية في الخليج في ظل أي موجة ثورية محتملة, وليس هناك ما يضمن أن انهيار الدول القائمة يمكن أن يتبعه مرحلة استقرار أو إعادة لملمة لهذه الكيانات. إن المجتمعات الخليجية مختلفة, والدولة بالخليج حققت التنمية لمساحات كبيرة من أقاليمها, كان يمكن أن تكون مجالا للتقاتل بين المناطق التي تستأثر بموارد النفط, وأرضا خصبة لصراعات قبلية لا تنتهي. بالتأكيد أضافت الدولة الكثير لمعالم التاريخ الحديث في منطقة الخليج والجزيرة, ودعمت استقرار مدن ومناطق تركز جل تاريخها حول عصبية الدم والقبيلة. وعلي الرغم من أن دولة الخليج لم تتمكن من إزاحة القبلية تماما, إلا أنها حجبت تأثيراتها السلبية, وانخرطت في مشروعات تحديثية حولت الخليج إلي دول مشبعة بمعالم التحديث. إنه من قبيل الوهم استمرار النظر للخليج علي أنه مجرد قبائل بأعلام. ومن المهم للفكر الاستراتيجي المصري أن يتأسس علي إدراك أن استقرار الخليج في إطار الإصلاح السياسي لدوله وأنظمته هو أمن قومي مصري, بعيدا عن الرؤي المتشنجة التي تريد سحب ثورات الربيع العربي عليها. وسواء تم توجيه العضوية إلي مصر أم لم توجه, يجب أن تكون هذه الرسالة واضحة لمصر بعد ثورة25 يناير. وسوف يؤيد البعض في مصر قبول دعوة العضوية لو تم توجيهها انطلاقا من دوافع اقتصادية, خصوصا مع بوادر أزمة حادة في الأوضاع المعيشية, لكن يجب ألا يصل ذلك إلي حد إغفال أهمية المشروع الوطني المستقل, الذي يجب أن تنطلق فيه مصر بعد الثورة, وهو ما يجب أن يكون مسارا منفصلا ومستقلا عن موضوع العلاقات العربية والخليجية. إن خبرة تجربة الحكم والسياسة في مصر علي مدي السنوات الستين الماضية تشير إلي أن أهم ما افتقدته مصر في ظل طفرة القومية العربية والصراع العربي الإسرائيلي هو خسارة مشروعها النهضوي الوطني التنويري المستقل, وسوف يكون من قبيل الخطأ لو تم إغراق الهدف المصري في وهم المحيط العربي مرة ثانية. ذلك ما يضمن الريادة لمصر وعدم الخوف علي دورها في ظل أي محيط إقليمي, وذلك أيضا ما لا يجعلها تابعة في مجلس التعاون الخليجي, وهو ما يجب ألا تغفله جهات القرار في مصر بعد الثورة, سواء كانوا من الإسلاميين أو الليبراليين أو الجيش. بذلك يمكن لمصر أن تفرض ذاتها واحترامها في مختلف المجالس الإقليمية والدولية, حتي ولو لم تصبح عضوا رسميا فيها.