تمثل الفتنة الطائفية, جريمة انسانية, لها أبعادها الخطيرة, التي كان وراءها أياد شريرة وبواعث آثمة, وأحداث غاشمة, تورد الوطن موارد الهلاك, وتحرق الأخضر واليايس. ومن أجل هذا فان الواجب علي جميع أبناء الوطن من مسلمين وأقباط, ومن الشعب ومن المسئولين أن يقوم كل انسان برسالته في درء الأخطار عن المجتمع وفي النهوض بالتئام الشمل, وجمع أبناء الوطن علي كلمة سواء. والناظر الي المراحل الزمنية الماضية والحاضرة لهذا الوطن يري أن أحداث الفتنة الطائفية لم تحدث الآن فقط, بل انها حدثت في الماضي وفي الحاضر, وتكررت كثيرا, والخطأ في مواجهتها وفي محاولة علاجها أن مواقف الجميع منها مواقف وردود أفعال, كلما حدث أمر, أنتفض المستنكرون وقام من ينكر ومن يشجب ثم تهدأ الأمور وتعود الحياة الي ماكانت عليه. واننا ندعو الي عدم الاقتصار علي ردود الأفعال بل يجب أن تكون هناك خطة عمل, واستراتيجية حتمية علي أرض الواقع, بحيث تجمع أبناء الوطن وتنقي المجتمع من الفتن والخلافات والأضغان وكل سوء وشر, حتي يكون الوطن آمنا مطمئنا. ولايتأتي هذا الا في ظل منظومة عمل جاد ومخلص تتمثل هذه المنظومة في معرفة كل مسئول وكل مواطن لواجبه الذي يقوم به. ونبدأ بواجب الحكومة والمسئولين لتوفير سبل العيش الكريم, والحياة المستقرة, ومشروعات عمل مشترك بين المسلمين والأقباط, واقامة العدل الاجتماعي, ومعالجة التمييز العنصري والطبقي والديني بين أبناء المجتمع. وعلي وسائل الاعلام المسموع والمرئي والمقروء أن تتسع رقعتها لاستيعاب كل وسائل العلاج الحقيقي للفتنة الطائفية, والعمل علي غرس أصول الوحدة الوطنية بين الجميع. وفي مقدمة القائمين بذلك العلماء والدعاة والكتاب ولننظر الي كتاب الله وهو يقرر الايمان بجميع الرسل دون استثناء حيث قال الله سبحانه وتعالي: آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله) سورة البقرة(285) ويوضح القرآن الكريم أنه لااكراه في الدين حيث قال الله تعالي:( لااكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) سورة البقرة(256). ويرسي القرآن الكريم قاعدة التعامل في الحوار مع اهل الكتاب, قال الله تعالي:( ولاتجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن الا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل الينا وأنزل اليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون) سورة العنكبوت(46). كما وضح القرآن الكريم حقيقة شرعية مهمة حين أحل طعام أهل الكتاب لنا, وأحل طعامنا لهم, قال الله تعالي:(اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) سورة المائدة(5). ووضح رب العزة سبحانه البر بأهل الكتاب فقال الله تعالي( لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين) سورة الممتحنة(8) وقد بين رب العزة سبحانه أن النصاري أقرب الناس مودة للذين آمنوا فقال الله تعالي:(لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لايستكبرون) سورة المائدة(82). بل ان رب العزة سبحانه أمرنا أ ن نبلغه المكان الذي يكون آمنا فيه فقال الله تعالي:(وان أحد من المشركين استجارك فأجره حتي يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) سورة التوبة(6). ولابد أن يعلم الجميع مسلمين وغير مسلمين أن رب العزة سبحانه لو شاء لجعل الناس أمة واحدة ولكن الارادة الالهية قضت بهذا الاختلاف والتنوع قال الله تعالي:( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم) سورة هود(119.118). واذا أخطرنا الي التطبيق العملي للوحدة الوطنية وعلاج الفتنة الطائفية نري أن رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد أن هاجر الي المدينةالمنورة أبرم أول وثيقة عرفتها البشرية لحقوق بين المسلمين وغير المسلمين في صحيفة المدينة التي شرط فيها لهم وشرط عليهم وكون من الجميع مجتمعا واحدا. وفي التطبيق العملي للوحدة الوطنية سنري رسول الله صلي الله عليه وسلم قدرهن درعه عند رجل يهودي, مع انه كان يوجد من الصحابة أغنياء يمكن أن يعاملهم بل يتمني كل واحد منهم أن يعطي الرسول صلي الله عليه وسلم مايريد ولكنه آثر أن يرهن درعه عند اليهودي ليبين للمسلمين جواز معاملة المسلمين لغير المسلمين. وقد طبق رسول الله صلي الله عليهم وسلم سماحة الاسلام مع غير المسلمين وبين حرمة النفس الانسانية, عندما مرت جنازة فقا لها فقالوا: يارسول الله انها جناز ة يهودي فقال عليه الصلاة والسلام:( أو ليست نفسا) رواه البخاري. وحرم الاسلام قتل المعاهد الذي بيننا وبينه عهد أمان فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وان ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما) رواه البخاري ونهي الرسول صلي الله عليه وسلم عن الظلم أو المعاملة السيئة لأحد أهل الكتاب حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:( ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس أو كلفه مالا طاقة له به فأنا جحينه يوم القيامه) رواه البيهقي. بل بلغت سماحة الاسلام وسماحة الرسول صلي الله عليه وسلم أنه لما جاء وفد نصاري نجران وعندما أرادوا اقامة شعائرهم في المسجد هم بعض الصحابة ولكن رسول الله صلي الله عليه وسلم نسمح لهم أن يؤدوا شعائرهم في المسجد. هذه النماذج المشرقة في صقحات الهدي الاسلامي تجلي لنا الحقائق الايمانية التي تحمل السلام الاجتماعي لأبناء الوطن, وتدعوهم الي الألفة والمودة, والي التعاون والمحبة, فلا يعتدي أحد علي أحد, ولايظلم أحدا أحد, فكل أبناء الوطن لهم حقوقهم في حياة آمنة عادلة مستقرة وعليهم واجبات لحماية الوطن واستقراره. ومعني هذا أن نشوب الفتنة الطائفية بين وقت وآخر مخالفة صارخة لتعاليم الاسلام وجميع الأديان. وان واجب المجتمع مسئولين ومواطنين أن يعملوا علي اطفاء نار الفتنة الطائفية, وأن يرسخوا قواعد الوحدة الوطنية حتي يأمن الوطن, ويعيش المواطنون في أمان وفي استقرار واطمئنان. وعلي المسئولين أن يقيمو ا مشروعات تنموية وشركات ومصانع مشتركة بين المسلمين وغيرهم ليكون فيها تجميع الطاقات وتشغيل الكفاءات والبعد عن المهاترات. واننا نوصي جميع أبناء الوطن بكل أطيافه وفئاته, وكل قواه وطاقاته أن يخصلوا لله تعالي وللوطن, وأن يسعوا جاهدين من أجل حياة أفضل ومستقبل آمن وأكمل, وأن يعتصموا بحبل الله جميعا ولايتفرقوا, وأن يبتعدوا عن الفتن الهوجاء التي تهب علي الوطن بين وقت وآخر, اللهم انا نعوذ بك من الفتن ماظهر منها ومابطن.