خلافات سياسية, انفلات أمني, وتراجع اقتصادي, مشهد سياسي مرتبك, هذه هي مصر التي تحدثنا عنها الأخبار, ولكن ماذا عن مصر الصامتة؟ مصر التي لا تتحدث عن نفسها, مصر غير المرئية في الإعلام ؟ مشهد يجعلنا نرجع لنسأل أنفسنا بهدوء: هل كان أملنا هو انتخابات غير مزورة ؟ رئيس ننتخبه وحرية إنشاء أحزاب وحديث حر في الإعلام إن وجد ؟ هل هذا هو غاية ما تأمله الشعوب ؟ لا أظن, كل السابق مجرد سبل لغاية أعظم, وهي الوصول للأهداف العظمي المنشودة: توفير الخبز, الحرية, الحياة السعيدة والكريمة للناس, وهي بالأساس إرادة الله سبحانه من خلقنا ولقد كرمنا بني آدم وربما يكون التكريم الأكبر هو أن يحصل الإنسان علي الفرصة ليمنح العالم ما يعتمل في قلبه و يؤرق روحه, سواء كان فكرة, حلما أو عملا مجيدا. يقول الزعيم البوسني علي عزت بيجوفيتش البطولة ليست في إنزال طاغية عن عرشه فقط, بل البطولة الأكبر أن تحقق نهضة في البلد بأياد خبيرة مخلصة وتنصر الفقراء السؤال هو: من ينبري علي الساحة السياسية الآن في مصر لهذه البطولة الأكبر؟ ... بعيدا عن هذا, هناك مصر أخري, مصر الصامتة مصر التي لا تتحدث عن نفسها... وهي عشرات المبادرات ودوائر العمل الفعالة والنشطة التي يقودها شباب, يعمل في إخلاص ودأب وعزيمة لا تكل, هل أدلك علي بعضها ؟ في مجال نشر المعرفة هناك مبادرات معرفة يقظة فكر شيخ العمود صالون قرطبة مغامير, في مجال العمل التنموي والخيري رسالة صناع الحياة علشانك يا بلدي نبني مشوار نماء خيرنا مشروع حياة في مجال التعليم البديل أوتار وألوان علمني مبادرة تطوير المدارس الحكومية, الورشة مساحة نهضة المحروسة, مبادرات ليست خيرية لحل مشكلات المجتمع: بيقولك وزارة إسكان الظل محليات, مبادرات حقوقية: هنلاقيهم لا للمحاكمات العسكرية, مبادرات تكنولوجية التقنيون العرب صعيدي جيكس, مبادرات إعلامية وثقافية: بيت الحوار أنا حرة كتابنا أضف مصرين المندرة مباشر سيناء ولاد البلد وعشرات المبادرات الأخري. الأكثر أثارة للدهشة حقا هو المبادرات الفردية التي يقوم بها أفراد كل منهم وكأن كل منهم مؤسسة تسير علي قدمين, وقودها الإخلاص وحب الوطن, أذكر منها مبادرة الزميل محمد الجارحي في الخدمات الصحية في البدرشين تاكسي الخير, عمل الطالب والناشط عبد المنعم عبد الحميد الذي يعمل في المناطق النائية حلايب وشلاتين تحديدا لبناء مساجد وتوصيل مياه صالحة للشرب ويعمل أيضا بدأب علي ملف الأسر السورية, عمل الزميل المصور الصحفي أحمد هايمن في توصيل مياه الشرب للقري الفقيرة عن طريق التصوير الفوتوغرافي, عمل الكاتبة غادة عبد العال التي تقود مبادرة ثقافية في المحلة الكبريTEDx المحلة, عمل سناء يوسف الناشطة المهتمة بملف الحقوق والحريات, وعمل الزميل الإعلامي والمخرج عماد الدين السيد صاحب مبادرة كتابنا التي أعدها البذرة الأولي لثورة فكرية منتظرة, وربما يكون مسك الختام هو الدكتور أحمد عبد الحميد عالم التكنولوجيا والكاتب والمبادر الذي أحب أن أطلق عليه الهمة التي يمكن أن تحيي الأمة كما قال الكواكبي. لكن السؤال الأهم: هل تستطيع هذه المبادرات رعاية مشروع التغيير المأمول في مصر ؟ هل لها التأثير الذي يأمله الشعب ؟ والذي كفت يدها عنه القوي السياسية ؟ وإلي أين تسير هذه المبادرات ؟ العمل المجتمعي بجميع أنماطه ليس جديدا علي مصر, هناك عشرات النماذج الناجحة وربما أبرزها هو عمل المجموعات الإسلامية وأيضا بالطبع العمل الخدمي والمجتمعي المرتبط بالكنسية, لكن ما يحدث في مصر الآن مختلف عن كل ما سبق, يرتبط بصورة واضحة بتحول أساليب التواصل, يقال في إحدي دراسات الاتصال إن أي ثورة في أدوات الاتصال ينتج عنها ثورة في المجتمع وهذه التيارات غير المرئية والمفعمة بالحركة والعمل تصنع الآن في صمت ثورة من نوع آخر, ثورة فكر وثقافة ومجتمع, سواء أبرزها الإعلام أو لم يبرزها. لمزيد من مقالات صباح حمامو