رنة خلخال الخيول وترقعات خطواتهم في رقص ايقاعي منظم لعبة التحطيب وقوة تصادم العصي في ايادي الأقوياء, لفة شيخ السجادة ممتطيا جواده دائرا حول المقام وخلفه تسير زفة المولد, حلوي وطواقي للصغار وألعاب تحصد العرائس القطنية.. هذا المشهد التراثي الذي عرف بالموالد الشعبية و الذي طالما تعرض للهجوم في الثلاثينيات والأربعينيات من جهاز الشرطة لم تقو اي قوة علي اعتراضه لأن له جماهيرية ضخمة حتي أن الدولة والحزب الحاكم في العصور الماضية استسلمت له بل أصبحت ترسل ممثلين عنهم لجذب هذا الحشد للتصويت في الانتخابات البرلمانية انتبه لهذا الإرث العظيم الفنان الأسباني خافيير مينندز بونيلا الذي عكف علي توثيق هذه المشاهد الموالدية طوال أربع سنوات في الفترة من2006 إلي2010, و انطلق يجوب القري والمحافظات راصدا مولدا تلو آخر لتصوير فوتوغرافيا, حتي التقط كما ضخما من الصور التوثيقية للموالد في جميع أرجاء مصر الإسلامية منها والقبطية, باعتبارها من أهم مظاهر الاحتفال الشعبي المصري المتوارث ويعرضها له حاليا مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي تحت رعاية رئيسه دكتور ياسر الشايب في معرض يستمر شهرا كاملا حتي أواخر ابريل الحالي ويوثق خافيير رصيدا تراثيا للموالد لعدد لا بأس به من بين ما يقرب من ستة آلاف قرية في مصر لا تخلو من ضريح أو مقام لولي من أولياء الله, وكذلك بعض المدن المصرية وهذه المقامات والأضرحة عادة ما تكون مركزا للاحتفالية الطقسية المولد التي تقام عادة إحياء لذكري الولي المتوفي في الغالب, وبعض منها يقام للاولياء الاحياء شأن مولد الشيخ موسي بالكرنك الذي يقام في بداية شهر رجب, للاحتفال بالأعمال الخارقة والعجائبية, التي تحكيها الروايات و حظي بها الأولياء. وتاتي الموالد أعداد غفيرة من كل فج عميق لذلك قد تستمر لاسبوعين, وتوزع بها الحلوي والألعاب التي صنعت خصيصا لفرض وجود وسيطرة الموروث الشعبي من السير الشعبية كالعروس وراكب الحصان, وتنفرد بأغاني السير الشعبية والزفة والدارة ولكل مولد طريقة يؤديها مواليها, فهناك مثلا الطريقة الرفاعية, والتي تنطلق من مسجد السيدة زينب إلي مسجد الرفاعي ويقودها نائب الطريقة ويستقبله شيخ السجادة علي مدخل مسجد الرفاعي,أما زفة سيدي البيومي الممتلئة بالعمائم والرايات فإنها تنطلق من الحسين مجتازة القاهرة المملوكية عابرة باب الفتوح صاعدة إلي شارع الحسينية الضيق وصولا إلي المسجد الموجود به الضريح, وفي الإسكندرية تنطلق الزفات بعد صلاة العشاء لتبدأ بها الليلة الكبيرة التي وثقها كلمة ومشاهدا الفنان الكبير صلاح جاهين ويتبارك المصريون في الموالد المتعددة كمولد الامام الحسين والسيدة زينب و السيدة سكينة و السيدة نفيسة وغيرهم وهم من آل بيت الرسولصلي الله عليه وسلم وبأولياء الله الصالحين المنتشرين في المحافظات المختلفة مثل السيد البدوي في طنطا وابراهيم الدسوقي بدسوق والمرسي أبوالعباس بالاسكندرية والرفاعي والامام الشافعي والسلطان أبوالعلا بالقاهرة وغيرهم. ويتقن خافيير رصد تفاصيل الفرحة والروحانية بعدسة ثاقبة سواء للقائمين علي المولد أو الشعوب الغفيرة الزائرة التي تسافر مستمتعة خلف المولد لتتبارك به اينما يكن, ورغم ما يوثقه في صوره من صور عامة لكل انشطة المولد إلا انه اهتم أكثر برصد الجانب الروحاني الذي ينطبع علي الوجوه للعجائز التي تبتهج تجاعيد وجوههن فرحة باستقبال احتفالية ولي الله, ولم تقتصر الموالد علي الاسلاميين بل أن هناك موالد قبطية شأن مولد أبوالحجاج في منطقة كنيسة الدهرية, حيث يقام بعد موسم جني القطن كما يبدأ الاحتفال بالمولد الكبير للسلطان فرغل في الصعيد بمدينة أبوتيج بعد آخر يوم في امتحانات الثانوية العامة. أما الموالد التي تقام في الصحراء مثل مولد النبي صالح في سيناء فإن مواعيدها السنوية تختلف وفقا لحركة انتقال القبائل. وقد حاول الفنان بمشاهده العديدة المقسمة علي اسماء الموالد توثيق فترة انعقاد الموالد الرئيسية التي تمتد من ربيع الأول والآخر وجمادي الأولي الآخرة ورجب وشعبان, ففي هذه الفترة تقام علي التوالي موالد فاطمة النبوية والسلطان أبوالعلا ومولد الحسين والسيدة سكينة والسيدة نفيسة والسيدة رقية وعلي زين العابدين وأحمد الرفاعي والسيدة زينب والإمام الشافعي وحسن الأنور والسيدة عائشة.أما في الإسكندرية فتوجد خمسة موالد في خمسة أسابيع متوالية بالترتيب المرسي أبوالعباس ثم سيدي جابر ثم سيدي بشر ثم سيدي كمال ثم سيدي محمد الرحال وقد ثبت إقامة هذه الموالد في شهري يوليو وأغسطس عام7891. يقول د.ياسر الشايب مدير مركز توثيق التراث ان فكرة تبني المركز للمعرض تأتي من منطلق أن الموالد الشعبية تعد بانوراما مصرية خالصة لخصتها المخيلة الشعبية بتراكم الخبرة والسنين, وتجدد لغة الوصل بين البشر وموروثهم الروحي والديني كجزء لا يتجزأ من التاريخ المصري الممتد عبر العصور, إذ يرجع تاريخ المولد إلي العصور القديمة حيث كان الاحتفاء بالملوك كآلهة عادة معروفة لدي قدماء المصريين. يذكر ان الفنان خافيير بونيلا من احد مؤسسي العديد من مسابقات التصوير بما فيها علي سبيل المثال مسابقة التصوير التابعة للاتحاد الأوروبي في مصر, كما شارك في العديد من لجان التحكيم في مسابقات التصوير المختلفة.