بعد نجاح الثورة تحدث كثيرون عن سيناريو المستقبل السياسي لمصر, هل يكون تكرارا للتجربة التركية الناجحة أم استنساخا للديمقراطية الباكستانية الفاشلة؟! الآن وبعد اكثر من عامين نجد انفسنا أقرب الي الكابوس الباكستاني وليس الحلم التركي. ما جري طيلة الاشهر الماضية يقربنا من هذا المصير البائس الذي كان واضحا تماما منذ البداية وحذر منه العقلاء, ومع ذلك تحركنا صوبه بإصرار وكأنه قدرنا المحتوم. أوجه الشبه تبدو بالفعل كثيرة وواضحة بين التجربتين المصرية والباكستانية. وتفاعلات وملامح وأوضاع المشهد المصري المضطرب مؤشرات جلية ومثيرة للقلق إلي أننا نسير بخطي ثابتة علي الطريق الباكستاني. الأمر ببساطة مقدمات تقود الي نتائج, وبالتالي فلا مجال لتوقع مصير مختلف. في الحالة المصرية كما هو الوضع في باكستان يوجد انسداد حقيقي لقنوات الحوار والمبادرات السياسية. لا توجد رغبة او قدرة علي طرح حلول غير تقليدية للخروج من حالة الجمود السياسي وإنهاء الاحتقان بين كل الاطراف. فجوة الثقة هائلة بين أهل الحكم والمعارضة. استقطاب حاد ونفور كامل بين التيارين المدني والديني. اتجاه متزايد ومثير للقلق نحو العنف. فساد سرطاني يستشري في مفاصل الدولة مع ضعف فاعلية وكفاءة اجهزتها. نخبة منقسمة تفتقد الثقل الشعبي الحقيقي. ولا تملك التأثير الفعال علي الشارع حتي لو ادعت غير ذلك. الاهم والأخطر نجاح كل قوي النظام القديم في التشبث بمواقعها سواء في هيكل الجهاز الإداري للدولة بكل مؤسساتها أو المفاصل المهمة المسيطرة علي الاقتصاد. في القلب من هذه القوي رجال الاعمال احد جناحي الحكم في نظام مبارك الذي اعتمد في استمراره علي تزاوج السلطة مع الثروة. لا يوجد ما يشير الي تراجع نفوذ أو دور هؤلاء بعد الثورة, بل ان العكس هو الصحيح حيث يزداد تأثيرهم تضخما. كما يسعون لامتلاك أدوات تأثير جديدة تناسب مرحلة التحول الديمقراطي, وفي مقدمتها وسائل الإعلام. القراءة في المشهد الباكستاني تفضي الي ملاحظات مشابهة. لديهم ايضا ديمقراطية مخضبة بالدماء بفعل العنف السياسي والطائفي. ولديهم نخبة فاسدة من رجال الاعمال وملاك الاراضي محتكري الثروة المشاركين في اقتراف كل انواع الفساد السياسي والمالي بأنفسهم او عبر وكلائهم من السياسيين. لديهم ايضا دولتهم العميقة المكونة من مسئولين متنفذين في أجهزة الامن والبيروقراطية الحكومية. حتي ثنائية الإنقاذ والإخوان موجودة لديهم في صورة تيار ديني اساسي كبير يمثله حزب الرابطة الاسلامية. وآخر مدني يقوده حزب الشعب. ولا يخرج الحكم عن هذين الفصيلين, وكلاهما أسوأمن الآخر. قد لا يكون آوان الإفلات من هذا المصير الباكستاني المخيف قد ولي تماما. إلا ان الفرصة تتبدد يوما بعد يوم لاسيما مع ارتفاع وتيرة العنف. فعندما تراق الدماء تشتعل نيران الثأر في القلوب الغاضبة ولا تخمد إلا بدماء مماثلة. وهذا هو الحصاد المر الذي سنجنيه في المستقبل. لهذا السبب تحديدا يجب ألا يفرح حتي اعدي أعداء الإخوان بحرق مقار الجماعة لان هذا يعني ان الرغبة في الانتقام ستظل متقدة لسنوات مقبلة. يؤججها ايضا إصرار بعض النشطاء والإعلاميين والسياسيين علي اللجوء الي التجريح الشخصي والإهانة والتحقير للإخوان, وهو توجه كان يجب علي قادة المعارضة من العقلاء التنبه لخطورته في وقت مبكر ليس فقط لدواع أخلاقية لكن ايضا لأسباب برجماتية أو عملية. اذ انهم طالما سمحوا بان تنحدر الممارسة السياسية الي هذا الحضيض فلن يكون مستبعدا ان يتجرعوا من نفس الكأس المريرة اذا قدر لهم الوصول الي الحكم. بكل أسف اصبح هناك دم وثأر بين شركاء الثورة وهذا ما كان ينبغي تجنبه بأي ثمن منذ البداية. وأيا كان المخطئ او البادئ فقد اصبحت التجربة الديمقراطية المصرية علي حافة الهاوية الباكستانية وأمامنا خطوة واحدة: السقوط أو التراجع. والقرار بيد السلطة والمعارضة معا. لمزيد من مقالات عاصم عبد الخالق