الأحداث الدامية التي وقعت أمام مقر جماعة الإخوان المسلمين في المقطم بكل ما سبقها وما دار فيها , تعبر تعبيرا بليغا عن تفاقم سياسات اليأس التي بسطت رواقها علي المجتمع المصري علي مستوي النخب السياسية, وعلي مستوي الجماهير علي السواء. وسياسات اليأسPoliticsoFDespair كما يعرفها علم السياسة تظهر وتسمم المناخ الاجتماعي في بلد ما حين يمر بأزمة بالغة الحدة, نتيجة عجز النخبة السياسية الحاكمة عن اتخاذ القرارات الصائبة في الوقت المناسب, وفشل النخب السياسية المعارضة في تقديم بدائل مدروسة لحل الأزمة. ومن هنا تسود مشاعر الإحباط, والتي تؤدي بالضرورة إلي سلوك عدواني موجه ضد السلطة بشكل عام. وقد يتطرف هذا السلوك العدواني, ويتخذ ممارسة أشكال من العنف غير مسبوقة, حيث تدور المعارك بين الأطراف المتصارعة لدرجة تؤدي إلي وقوع الضحايا بالعشرات والمصابين بالمئات. ولعله قد آن أوان طرح السؤال الأساسي: ما هي طبيعة الأزمة الحادة التي يمر بها المجتمع بعد ثورة25 يناير؟ والإجابة أن هذه الأزمة مركبة ومتعددة الأبعاد. فهي أولا أزمة مجتمعية تشمل المجتمع كله بجميع طوائفه, لإحساس الجماهير أن ثورة25 يناير بشعاراتها الشهيرة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية لم تحقق أيا من أهدافها. بل ويمكن القول ويا للتناقض أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تدهورت إلي حد خطير لدرجة تفوق الأوضاع المتردية التي سادت في عصر الرئيس السابق مبارك. وهي ثانيا أزمة سياسية مفادها أن الشباب الثائر الذين أشعلوا فتيل الثورة ونجحوا في حشد ملايين المصريين لتأييدها, والمشاركة الفعالة فيها, تم إقصاؤهم بعنف شديد عن المشاركة الإيجابية في بناء النظام السياسي الجديد, لأن خطايا المرحلة الانتقالية التي شارك فيها كل من المجلس الأعلي للقوات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين, والتي تمثلت في الاستفتاء علي الدستور أولا أو الانتخابات أولا, أدت من خلال تزييف وعي الجماهير العريضة, ورفع الشعارات الدينية المزيفة إلي أن تكون نتيجة الاستفتاء الانتخابات أولا. وهكذا جرت انتخابات مجلسي الشعب والشوري علي عجل وبطريقة تقليدية, أدت في النهاية إلي إقصاء أعضاء الائتلافات الثورية لضعف علاقتهم بالشارع السياسي, وحصول جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين علي الأكثرية في مجلس الشعب الذي حكم القضاء ببطلانه ومجلس الشوري. وهكذا نجحت التيارات الدينية التقليدية في السيطرة علي المجالس النيابية وإقصاء الثوار منها, وكذلك أحزاب المعارضة الليبرالية واليسارية. وهي أيضا أزمة اقتصادية بالغة الحدة والعنف, لأن مشكلة البطالة وخصوصا بين خريجي الجامعات والمعاهد لم تواجه بحلول فعالة, بل إن معدلاتها زادت عن المستوي الذي بلغته قبل الثورة. وهي أيضا أزمة اجتماعية بحكم الانقسام الطبقي للمجتمع إلي سكان المنتجعات التي تعيش فيها الطبقات المترفة التي استفادت بشكل عام من فساد النظام السابق وما ساد فيه من نهب أراضي الدولة والمضاربات غير المشروعة, وسكان العشوائيات الذين يتجاوز عددهم عشرات الملايين الذين يعانون البؤس والحرمان من أساسيات الحياة الكريمة. وصاحبت هذه الظواهر زيادة أعداد أطفال الشوارع الذين أصبحوا بعد الثورة وقود المظاهرات والاعتصامات الفوضوية التي تبارت في تنظيمها بدون أي مسئولية سياسية أو أخلاقية- كافة الفصائل السياسية ثورية مزعومة كانت أو أحزابا سياسية تقليدية, بما فيها أحزاب الإخوان المسلمين والأحزاب السلفية. وعاش المجتمع المصري في ظل أوهام باطلة أخطرها علي الإطلاق الحق في التظاهر والاعتصام في أي مكان, وفي أي وقت, تحت شعار خادع سلمية سلمية. مع أن التجربة أثبتت أن شعار السلمية سقط منذ بداية الثورة, وأصبح الشعار بكل أسف دموية دموية! وضاع المجتمع في الانقسام بين الجبهة الثورية والليبرالية والجبهة الدينية, وخصوصا بعد الإعلان الدستوري الديكتاتوري الباطل الذي أصدره الرئيس محمد مرسي. ونتيجة للفشل السياسي الذريع لجماعة الإخوان المسلمين في إدارة الدولة ومواجهة المشكلات الجسيمة, والعجز عن اتخاذ القرار, دفعت الشرطة لمواجهة المتظاهرين, وزادت بذلك الهوة عمقا بينها وبين الشعب. ولابد لكافة الأطراف السياسية لو كان لديها أدني ذرة من الإحساس بالمسئولية السياسية والاجتماعية أن تقف وتعترف بالأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها. علي أحزاب المعارضة وفي مقدمتها جبهة الإنقاذ أن تعترف أنها ارتكبت خطأ جسيما حين دعت لمظاهرات أمام مقر جماعة الإخوان المسلمين في المقطم, فقد كان ذلك في ضوء التجارب المماثلة السابقة وكأنه تخطيط محكم لوقوع معركة دموية بين أعضاء الإخوان المسلمين الذين من المنطق أن يدافعوا عن مقرهم, وبين المتظاهرين الذين ادعوا أنهم سلميون مع أنهم صعدوا إلي المقطم وهم يعرفون يقينا أن معركة كبري ستنشب, ومع ذلك فإن قادة جبهة الإنقاذ لم يبذلوا أي مجهود في إقصائهم عن التظاهر هناك. كما أن حرق مقرات جماعة الإخوان المسلمين تمثل جرائم خطيرة, تماما مثلما كانت محاولة حرق مقر حزب الوفد بواسطة بعض الجماعات الدينية. لقد أثبتت النخب السياسية علي تنوعها جبنها الأخلاقي الفاضح, لأنها شاركت في إذكاء العنف عن طريق الدعوة إلي مظاهرات فوضوية, كما فعلت جماعة الإخوان في حصارها للمحكمة الدستورية العليا, وكما فعلت حركة حازم أبو إسماعيل في محاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي, وكما فعلت الائتلافات الثورية في محاصرة قصر الاتحادية ومحاولة اقتحامه وكذلك قصر القبة. ومن هنا لابد من أن تصدر القيادة السياسية عدة قرارات حاسمة في أقرب وقت, وفي مقدمتها تشكيل لجنة لتعديل الدستور, وإقالة حكومة هشام قنديل الفاشلة, وتشكيل حكومة ائتلافية برئاسة شخصية عامة غير حزبية, وإيقاف مجلس الشوري عن إصدار القوانين المتعجلة التي تهدف أساسا إلي تمكين جماعة الإخوان المسلمين, ووضع قانون جديد للانتخابات بالاتفاق مع كل الأحزاب السياسية. وإعلان سياسة اقتصادية واضحة لا تقوم علي أساس الاقتراض, وتلبية الحد الأدني من المطالب الشعبية في مجال العدالة الاجتماعية, والبدء فورا في حل مشكلة البطالة. ولابد من التطبيق الصارم للقانون, ووضع عقوبات رادعة للتظاهر الفوضوي والاعتصام العشوائي والبلطجة السائدة. بغير هذه الحلول الحاسمة ستدخل الدولة المصرية في النفق المعتم للدول الفاشلة, وسيصبح ذلك إعلانا بفشل ثورة25 يناير في تحقيق أهدافها في حدها الأدني, هذه الثورة التي ضحي العشرات من الشباب بحياتهم في سبيل أن تكون بداية ديمقراطية جديدة للشعب المصري الذي ناضل طويلا في سبيل تحقيق الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. لمزيد من مقالات السيد يسين