تعرض العشرات من معتصمي شارع مجلس الوزراء للتسمم بعد تناولهم وجبة حواوشي فاسدة، قام شخص مجهول بتوزيعها عليهم، مدعيا تعاطفه وتضامنه مع مواقفهم ومطالبهم، لنسجل بذلك موقعة جديدة ذات تكتيك مختلف، وجد في اللحم الفاسد وسيلة رائعة لإجبار الشباب علي فض الاعتصام دون استخدام القوة. وللأسف الشديد نجحت "موقعة الحواوشي" في إسقاط أول ضحاياها، بعد لحظات من اندلاعها، حيث لفظ محمد حسن إبراهيم البالغ من العمر 19 عاما، أنفاسه الأخيرة نظرا لتدهور حالته سريعا، قبل أن يتم نقله للمستشفي. مات محمد لأنه كان يطالب بالقصاص من قتلة الشهداء في أحداث محمد محمود الأخيرة، ومازالت الأعداد تتوالي علي المستشفيات المجاورة لميدان التحرير، حيث تعالت بالأمس أصوات سيارات الإسعاف في محيط ميدان التحرير من جديد. قمت بزيارة هؤلاء المعتصمين قبل يومين من هذا الحادث، حيث استقبلتني النعوش الرمزية التي وضعها الشباب في مقدمة شارع مجلس الوزراء، ووضعوا عليها أسماء وصور الشهداء الذين سقطوا في أحداث محمد محمود الأخيرة، مطالبين بالقصاص. والحق أقول أنني التقيت شبابا علي درجة عالية من الثقافة والعلم، قابلت المهندس، الطبيب، المحاسب، المستشار، جميع فئات الشعب ممثلة في هذا الاعتصام، يجمعهم حلم واحد هو إنجاح الثورة. وأمام محاولات فض الاعتصام أكثر من مرة، أعلنها الشباب الثائر صراحة "اقتل واحد اقتل مية مش هتشوف الخوف في عينيا"، وبالطبع لم يخطر ببالهم أن يتم فض اعتصامهم بوجبة فاسدة تصيبهم بالتسمم وتجبرهم علي مغادرة المكان بهذا الشكل المريع! ويبدو أن الفترة المقبلة ستشهد فنونا جديدة للقتال، تنم عن فكر قمعي جديد يتفنن في إهدار حقوق المواطن المصري. والمؤسف حقا أن نقرأ تعليقات شديدة القسوة علي الأخبار الخاصة بالواقعة، فلقد فزعت حقا من البعض الذي لم يخجل من الشماتة من الثوار معلقا "أحسن"، وهنالك من راح يغتالهم معنويا ويتهمهم بتخريب اقتصاد البلد وتعطيل المصالح العامة، وغيرهم من المشاعر السلبية المتجردة من الإنسانية وكأنهم يتحدثون عن أعدائهم وليسوا أبناء وطن واحد. وأمام هذه الموجة المسمومة من الاتهامات المضللة، أريد أن أذكر هؤلاء القاسية قلوبهم، بأن العالم كله انحني فخرا لهؤلاء الشباب، الذي أذهل الجميع وأسقط نظام عتيق دون أن يستخدم القوة ولا حتي اللحمة المسمومة! إذا كنا نتحدث عن بناء دولة جديدة وعهد جديد، فعلينا أن نطهر قلوبنا ونعطي كل ذي قدر قدره. رحم الله الفقيد محمد حسن إبراهيم وأسكنه فسيح جناته وحمي مصرنا من شر النفوس المريضة التي أعماها غلها عن التعاطف مع شباب طاهر نقي ضحي ومازال يضحي بحياته ولم يوفر جهدا في سبيل تحرير هذا الوطن من الفساد والمرض والجهل. المزيد من مقالات علا حمدى