عيني دائما علي تونس منذ مطلع هذا العام.. فمن هناك انطلقت شرارة الثورات العربية, وهناك تجري تجربة ديمقراطية هادئة ورصينة ومنهجية.. وظني أننا في تلك اللحظة نحتاج إلي إعلام يبصرنا بما يحدث في تونس.. فإذا كان حزب' النهضة' ذو التوجه الإسلامي قد فاز بالأغلبية.. فهو لم يهدر الوقت وذهب للتحالف مع أصحاب التوجه العلماني والليبرالي.. فرئيس الجمهورية' المنصف المرزوقي' رجل علماني ومناضل معروف من الذين يستحقون التقدير.. ورئيس الجمعية التأسيسية البرلمان المؤقت هو' مصطفي بن جعفر' الليبرالي المعروف أيضا.. وإن استمعنا إلي آراء وافكار' راشد الغنوشي', سنكتشف أن جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب المفقوسة عنها بعيدة كل البعد عن هذا التطور والانفتاح علي الدنيا.. بقدر ما شعرنا بابتعاد تلك الجماعة عما يحدث في تركيا وماليزيا.. ولعل' الشعب المصري الشقيق' يتذكر كيف انقلب رموز جماعة الإخوان المسلمين والاحزاب المفقوسة عنها علي' رجب طيب أردوغان' خلال زيارته لمصر.. لمجرد أنه قال إنني رئيس وزراء لدولة علمانية مدنية ذات توجه إسلامي.. وقد أوضح قائلا:' أنا كسياسي يمكن أن أخطيء.. لكن ديني لا يخطيء أبدا'.. وفي تلك الجملة مفتاح الحملة ضد هذا النموذج.. ولعلهم تغاضوا عن الهجوم علي' راشد الغنوشي' في تونس إذ أكد علي المعني ذاته, محذرا من ان تأخذنا جماعة الإخوان المسلمين وأحزابها المفقوسة عنها مع رفاق' عبد المنعم الشحات' الذي سقط في الانتخابات بحمد الله إلي المجهول, حيث سيناريو الجزائر!! في تونس قام' حمادي الجبالي' بتشكيل الحكومة, وهو ثاني أبرز قادة حزب النهضة الإسلامي.. والرجل يحمل شهادة الهندسة, لكنه عمل صحفيا ونال ثمن آرائه بإلقائه في السجن لمدة16 عاما منها10 سنوات في حبس انفرادي وفي أول خطاب سياسي له أعلن فيه برنامج حكومته.. قال مطمئنا الشعب.. لا وصايا علي الإنسان في ملبسه أو سلوكه الشخصي.. لا تغيير للنظام المصرفي والبنكي.. لكن التطوير واجب لإنتاج عائد أفضل.. وأكد علي أن السياحة لها جميع الضمانات باعتبارها ركيزة من ركائز الاقتصاد.. وقال إن ثقة الشعب في التيار الإسلامي تفرض علينا التعاون صادقين مع من وثق فيهم من علمانيين وليبراليين.. وأوضح ان كل تلك العناوين إسلامي وعلماني وليبرالي لا تهم المواطن, بقدر ما يهمه تأمين العمل والتعليم والسكن والصحة والعيش في حياة كريمة.. فهل عندنا في مصر من يجروء علي قول هذا الكلام وتوجيه طاقة المجتمع وإمكاناته نحو هذه التوجهات؟.. أشك لحد القطع بأنه صعب في الوقت الراهن. ظني أن مصر سترتقي إلي مستوي ماليزيا وتركيا وتونس, إذا ظهر فيها قادة وساسة من نوع يبشر بالأمل متمثلا في' إبراهيم الهضيبي' صاحب التوجه السياسي الإسلامي المستنير.. ويوم أن يتمكن الدكتور' مصطفي النجار' النائب المحترم من أن يتحول إلي تيار.. وعندما يصبح الدكتور' عمرو الشوبكي' والدكتور' عماد جاد' والدكتور' عمرو حمزاوي' وغيرهم هم طليعة الوطن.. وأستطيع التأكيد أن مصر تختلف عن تونس, لأن تونس لم يفقس فيها حزب النهضة مجموعة أحزاب إسلامية.. كما أنهم هناك لم يزعموا أن النهضة جماعة إسلامية لها ذراع سياسية.. وربنا يستر علي مصر من باقي الأذرع.. خاصة العسكري منها!! المزيد من أعمدة نصر القفاص