تقرير: خليفة أدهم مشكلة ليست وليدة ولكنها قديمة.. ولكنها تتفاقم حتي بلغت ذروتها وتكاد تنفجر.. تلك القنبلة الموقوتة وهي البطالة, من الظلم ان نحمل تدعيات الثورة تفاقمها, ولكن من الانصاف ان يتحمل مسئوليتها النظام السابق بالكامل. بعد ان أهدر الفرص واحدة تلو الاخري علي مدي30 سنة لتحقيق قفزة اقتصادية توافرت لمصر في عهده الظروف المناسبة في مقدمتها تلك التدفقات المالية من المنح والمساعدات الخارجية التي تصل الي300 ملياردولار, ناهيك عن صادرات البترول وعائدات قناة السويس وايرادات السياحة. منذ7 سنوات اطلق البنك الدولي جرس انذار في مؤتمر بالعاصمة الاردنية عمان, محذرا مطالبا الدول العربية وفي مقدمتها مصر, بضرورة بدء اتخاذ الاجراءات وانتهاج السياسات الاقتصادية الملائمة لمواجهة مشكلة البطالة لانها التحدي الاساسي الذي يهدد ليس فقط التنمية بل الاستقرار الاجتماعي, حيث قدر البنك الدولي حجم فرص العمل المطلوب توفيرها في البلدان العربية بنحو20 مليون فرصة بحلول عام2020, وذلك بسبب طبيعة هذه المجتمعات الديموغرفية حيث تزيد نسبة الشباب دون ال25 علي60%, مما يعني زيادة نسبة قوي العمل, مؤسسات اخري اطلقت جرس انذار البطالة ربما كان اخرها منظمة العمل العربية. وجاءت البيانات التي اعلنها الجهاز المركزي للاحصاء أخيرا عن اضافة850 الف عاطل الي مخزون البطالة خلال العام المالي الماضي, يأتي ذلك في ظل مؤشرات رسمية بارتفاع نسبة البطالة الي13% من اجمالي القوي العاملة التي تصل الي25 مليون شخص, وتقديرات بان حجم البطالة تصل الي4 ملايين عاطل, بعد عودة نحو500 ألف عامل من ليبيا, الي جانب العمالة التي تم تسريحها بعد توقف ما يقرب من الف مصنع, وتراجع الطاقة الانتاجية في عدد آخر. اعلان جهاز الاحصاء كان بمثابة المطرقة علي رأس المجتمع, لكنها لم تحدث اثرا للاسف, لدي المسئولين ولم تجد صدي لدي المجتمع, في زحام سخونة المشهد السياسي رغم انها بالغة الدلالة والثأثير, وليست بعيدة عن السياسة بل هي في القلب منها. الدكتور محمد فتحي صقر استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ومستشار وزير التخطيط والتعاون الدولي يؤكد ضرورة ان تستحوذ هذه المشكلة علي اهتمام الحكومة وكذلك المجتمع باكمله الآن دون انتظار, لانها خطر يهدد التنمية والأطر المشروعة في بناء مصر الجديدة بعد الثورة, مشيرا إلي ان المعضلة تتزايد في ظل تراجع معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الي4,2% العام الماضي, وتوقع استمرار هذا المعدل عند هذه النسبة العام المالي الحالي2012/2011, مما يترتب عليه اضافة عدد كبير من الداخلين الجدد الي سوق العمل الي مخزون البطالة, حيث يتطلب استيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل توفير800 ألف فرصة عمل سنويا, اي تحقيق معدل نمو مابين7 الي8%, ويقترح ضرورة وضع خطة سريعة وغير تقليدية للتشغيل, وان تكون استراتيجية التنمية موجهة الي امتصاص الزيادة السنوية في القوي العاملة, في ظل هذه المؤشرات, أخذا في الاعتبار عدم دخول استثمارات خارجية مباشرة منذ يناير الماضي, وترقب دوائر الاستثمار لتطور الاوضاع في مصر أن تركز علي تنمية حقيقية للمشروعات والصناعات الصغيرة والمتوسطة تشارك فيها الحكومة بوضع التشريعات والاجراءات المحفزة, والجهاز المصرفي بتسهيل التمويل, والصندوق الاجتماعي بدراسات الجدوي والدعم الفني الي جانب التمويل السريع والجاد لافكار الشباب والمساهمة في تسويق منتجات هذه المشروعات, وكذلك القطاع التعاوني و المجتمع المدني والجمعيات الاهلية بتنمية فكر العمل الحر, وتدريب الشباب قبل اقامة مشروعاتهم. ويقترح ان تتضمن هذه الاستراتيجية عدة محاور, في مقدمتها توجيه الاستثمارات علي المستوي القطاعي الي الانشطة كثيفة العمالة مثل الصناعات النسجية والغذائية والتصديرية, وثانيا اعطاء اولوية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بالاستفادة من تجارب عديدة منها ماليزيا وثالثا التركيز علي التقنيات كثيفة العمالة مع تطوير التقنيات المحلية وتعميق التصنيع المحلي, ورابعا تنمية التشغيل بالمناطق الريفية ومحافظات الصعيد. ويشير الي ان حجم الاسيتثمارات العامة للدولة العام المالي الحالي47.5 مليار جنيه فقط خلال العام المالي الحالي2012/2011, بسبب عجز الموازنة العامة مما يتطلب دورا فاعلا وقويا للمجتمع المدني والقطاع التعاوني وصناديق الموارد المحلية والصندوق الاجتماعي والمؤسسات المصرفية في توفير التمويل اللازم لتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وتتفق الدكتورة ماجدة قنديل المدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية علي خطورة مشكلة البطالة, وتتوقع ان يتجاوز عدد العاطلين3 ملايين يمثل مخزون البطالة المتراكمة مع اضافة مليون آخر ممن فقدوا وظائفهم في القطاع غير الرسمي بسبب الاوضاع الاقتصادية وتدعياتها علي هذا القطاع, وتنتقد ضعف الاستثمار الحكومي وتراجعه الي9% فقط من الانفاق العام, في ظل زيادة الانفاق الاستهلاكي, مما سيكون له عواقب وخيمة حيث ان الحكومة لاتزال تحافظ علي الدعوم الاستهلاكية التي تقترب من100 مليار في مجال الطاقة وتذهب معظمها الي الفئات التي لديها ميول استهلاكية, مما يزيد في الوقت نفسه من الضغوط التضخمية, خاصة ان الانتاج لايزال متاثر سلبيا, وتنصح بضرورة انتهاج سياسية السوق الاجتماعي التي تضمن توزيع عوائد الناتج المحلي بشكل جيد مع اتباع سياسة توظيف تتسم بالكفاءة من خلال تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة مما يسهم في توفير فرص العمل الي جانب توسيع القاعدة الرأسمالية الوطنية, وليس كما كان سائدا في النظام السابق التركيز علي عدد محدود من الراسمالية المتوحشة التي تستحوذ علي القروض المصرفية وتصدر من اجلها معظم التشريعات والاجراءت, مما اصاب الساسة الاقتصادية بالتشوهات الحالية, وتطالب بأن يكون هناك دور للحكومة في تنفيذ سياسات تدعم الانتاج وتزيل العوائق التي تواجه تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتسهم في تنمية القطاعات الصناعية كثيفة العمالة, وثانيا تركز الحكومة علي مشروعات البنية التحتية والمرافق الاساسية بالمشاركة مع القطاع الخاص لدفع النشاط الاقتصادي, مما يسهم في تخفيف العبء عن الموازنة العامة ويكسر الاحتكارات, ويسهم في توفير فرص العمل.