انتقلت المعركة إلي ساحة القضاء دون أن تبرح ساحة الكنيسة وشوارع حي المال والأعمال الشهير في لندن.فشلت السلطات المحلية في إجلاء أبناء حركة احتلوا لندن الذين احتلت خيامهم ساحة كاتدرائية سانت بول التاريخية, فطلبت من القضاء التخلص منهم لأنهم يعرقلون حياة الناس والأعمال في المدينة. الحركة تحشد مؤيديها لإثبات حقها في الاحتجاج. ووسعت أرض المعركة لتشمل أرجاء حي المال والأعمال, أحد قلوب النظام المالي والمصرفي العالمي النابضة. فبدأت حركة احتلوا لندن سلسلة جولات شعبية لتعريف البسطاء من البريطانيين بممارسات المؤسسات المالية العالمية الجشعة, المسئولة عن الانهيار الاقتصادي في بريطانيا. كاتدرائية سانت بول رفضت الانضمام إلي السلطات المحلية ضد حركة احتلوا لندن. فكانت إشارة فهمت علي أنها تعاطف غير معلن مع الحركة. وجاء رأس الكنيسة الانجليكانية ليقول, بل ينذر, بأن بريطانيا مقبلة علي فوضي اكبر, مما حدث خلال الشهور الأخيرة. وقال الدكتور روان ويليامز كبير الاساقفة إن السبب هو فقدان الشباب الأمل في تحسن الظروف الاقتصادية. العسكرة أمام الكاتدرائية وكلام كبير الأساقفة, ذكر البريطانيين بأن لرجال الكنيسة دورا في مواجهة أزمات بريطانيا. مشهد أنصار حركة احتلوا لندن خيامهم, منذ منتصف أكتوبر الماضي, أمام كاتدرائية سانت بول, يميز حركة الاحتلال البريطانية مقارنة بمثيلاتها في أمريكا وأوروبا. وعلي غرار حملة احتلوا وول ستريت في الولاياتالمتحدة, لم يجد النشطاء السياسيون الرافضون لطمع رجال الأعمال ولامبالاة السياسيين البريطانيين ملجأ سوي الكاتدرائية الشهيرة, التي هي مقر كبير أساقفة لندن. شعارات المحتلين لساحة الكنيسة تناهض الرأسمالية, وترفض تحدي البنوك وتصف رجالها بأنهم النهابون الحقيقيون, وتطالب رجال الكنيسية بالتدخل لانهاء الطريقة التي تدار به بريطانيا, وبرفع الظلم الاجتماعي والاقتصادي عن البريطانيين, وبالشفافية والمحاسبة وبأن ينصت السياسيون إلي الشعب وليس إلي رجال البنوك. ولأنهم في حضرة الكنيسة فقد رفع بعضهم لافتات تقول الانجيل يأمرنا بعبادة الله وليس المال. وبعد مرور أسابيع, وجد ثلاثة من كبار رجال الكنيسة أن ضمائرهم لا تسمح لهم بالبقاء في أماكنهم دون أن يتمكنوا من الاستجابة لرغبة الناس في أن تؤدي الكنيسة دورها في المجتمع. كما اضطرت الكنيسة, لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية, أن تغلق أبوابها أمام الزوار يوم21 أكتوبر الماضي. ولم يكن اللجوء إلي الكنيسة دون مقدمات. فكبير الأساقفة نفسه له مواقف مشهودة من الأزمة الاقصادية منذ بدايتها. فالرجل أبدي غير مرة رفضه لطمع رجال المال والأعمال ومؤسسات حي المال في لندن ولعجز السياسيين في مواجهة الظلم الذي لحق بفئات كبيرة من البريطانيين بسبب الازمة الاقتصادية والمالية. وقد طالب رجل الدين البارز, مرارا, بالتكافل والعدالة الاجتماعية. وبحكم حساسية موقعه, مس ويليامز برفق السياسيين مطالبا بأداء دورهم الذي من أجله اختارهم الناس للحكم. ودون أن يتهمه أحد بالسعي لخلط الدين بالسياسة والحكم, لم يتردد ويليامز في أن يقول, تعليقا علي مظاهرات الاحتجاج امام الكاتدرائية أو غيرها, إن هؤلاء الذين يعارضون طمع المؤسسات والشركات الكبري أثار قضايا ملحة.. ونحتاج ككنيسة ومجتمع عموما أن نعمل لضمان علاج هذه القضايا بشكل ملائم. وجاء زعيم المعارضة, إيد ميلليباند, زعيم حزب العمال ثاني أكبر الأحزاب السياسية في البلاد, ليرفع الحرج عن الكنيسة ورجالها. فوضع, أو حاول أن يضع الجميع, السياسيين وطبقة رجال الأعمال ورجال كنيسة انجلترا, أمام مرآة كبيرة يرون فيها صورة بريطانيا الحالية. الوقوف أمام المرآة سوف يجسد, من وجهة نظر السياسي الشاب, حقيقة تزعج البريطانيين منذ سنوات: الشعب يشعر بالخذلان من جانب رجال المال والأعمال والسياسة الذين يحرصون علي التماس مع هموم أغني واحد في المائة من البريطانيين, بينما يتجاهلون الواقع الصعب الذي يعانيه ال99 في المائة الآخرون. وأحد وسائل ميلليباند, في التنبيه لخطورة ما يحدث في بريطانيا, توجيه الإنذارات التالية: ملايين البريطانيين يعيشون في أزمة, بريطانيا تعيش زمن الخوف, الحكومة غير قادرة علي مساعدة الشعب, هناك فجوة بين قيمنا والطريقة التي تدار بها البلاد, الاحتجاجات أمام كاتدرائية سانت بول نذير خطر, تجاهل حركة احتلوا لندن وغيرها من الحركات في العالم سيكون أكثر المواقف تهورا وطيشا. ورغم أنه حزبه, الذي بدأت الأزمة المالية في عهده, في مقعد المعارضة الآن, فإنه لم يعف حزبه ونفسه من المسئولية. ويقر بأن الجميع, سلطة ومعارضة ومجتمعا مدنيا ومؤسسات مالية وبحثية, يجب أن يرقي لمستوي المسئولية ومواجهة الأزمة. ليس ميلليباند وحده في قائمة المطالبين بدور للكنيسة. فقد سبقه رئيس الوزراء ديفيد كامرون عندما قال بوضوح إن كبير الأساقفة كان متحدثا بلسان المملكة المتحدة كلها حينما طالب علية القوم, سياسيين أو رجال أعمال أو غيرهم, بتحمل قدر أكبر من المسئولية عن حل مشاكل الناس. كامرون في موقف يتزايد صعوبة وحرجا خلال الأيام الأخيرة. فقد وافق علي زيادة إسهام بريطانيا في ميزانية صندوق النقد الدولي. وبحسبة بسيطة, تبين للمعارضين للرأسمالية المتوحشة في بريطانيا أن كل أسرة بريطانية سوف تتحمل1400 جنيه استرليني نتيجة هذا القرار دونما عائد اقتصادي واضح علي هذه الأسر. والأسوأ لم يأت بعد. فحسب تقديرات البنك المركزي الأوروبي, فإن منطقة اليورو, التي تستقبل40 في المائة من صادرات بريطانيا, سوف تعاني ركودا في السنوات المقبلة. وهذا يعني أن استمرار أزمة منطقة اليوروالمالية والاقتصادية سوف يزيد وضع اقتصاد بريطانيا سوءا. وإذا كان البريطانيون قد نسوا أحداث السلب والنهب التي شهدتها بريطانيا في شهر أغسطس الماضي, وكان الظلم الاقتصادي والاجتماعي أحد أسبابها, فإن الخوف من تكرار ما حدث لايزال قائما مع اعتراف الحكومة بأن سنوات التقشف سوف تطول.