لولا ثورة الخامس والعشرين من يناير ما كانت الانتخابات البرلمانية الحالية التي يشيد بها الجميع الآن. ولولا هذه الثورة التي أطلقها شباب مصر الواعد ما كانت حكومة الانقاذ الوطني برئاسة الدكتور كمال الجنزوري, وإقالة حكومة الدكتور عصام شرف. ولولا هذه الثورة ما كان تحديد جدول زمني لتسليم الحكم إلي سلطة مدنية في أول يوليو من العام المقبل. ولولا هذه الثورة لما تراجع المجلس العسكر ي أمام مطلب الثوار الخاص بمحاكمة المدنيين أمام قاضيهم الطبيعي وليس أمام المحاكم العسكرية. ولولا اعتصام الثوار في ميدان التحرير ثلاثة أسابيع متواصلة لما رضخ المجلس العسكري لبدء محاكمة الرئيس السابق. ولولا الثورة لظل الشعب المصري منكسرا خائفا يعاني من الفساد والتسلط والديكتاتورية. ورغم كل ذلك, فلعل أبرز نتائج الانتخابات حتي هذه اللحظة هو غياب رموز الثورة من شباب ميدان التحرير الذين صنعوا الثورة فعليا وضحوا من أجلها. لم ينالوا أي حظوظ للآن في أي من النتائج التي اعلنت, مما ولد إحساسا لديهم بأن الثورة قد خطفت منهم بامتياز, وحرمتهم حقهم فيها, وأن النتائج التي آلت إليها العملية الانتخابية هي مقدمة لشكل مصر القادم, وهو مختلف تماما عن أهداف الثورة الأساسية. إن الآلية التي أطلقت الثورة لم تكن اسلامية إطلاقا, بل كانت مدنية وليست لها مرجعية أيدلوجية أو فكرية, وبالتالي ليس من الحق والعدل أن يقطف ثمارها الاسلاميون, خصوصا أن الديمقراطية يكسبها المحترفون ويخسرها الهواة. لقد وجد الثوار أنفسهم بلا حماية من أحد. فلا المجلس العسكري أنصفهم, ولا الحكومة وقفت بجانبهم, ولا القوي السياسية ساعدتهم, بل إنها باعتهم في أول منعطف. وظهر ميدان العباسية ليقسم أبناء الوطن الواحد, وكان ذلك أمرا مؤسفا ومحزنا. إننا أمام ثورة شعبية حقيقية في مصر وهي وإن كانت تتعثر أحيانا, إلا أنها تظل قادرة علي تشخيص الأوضاع بانتظام, وتصحيح المسار عند الضرورة وطرح المطالب, وبلورة التوافق عليها, وتقديم الشهداء في سبيل تحقيقها. لذلك, فلن تستطيع أي قوة الوقوف أمام الثورة, ولن تجدي معها أساليب التخدير البالية, ولا محاولات امتصاص الغضب, ولا استهلاك الوقت, ولا أنصاف الحلول التي لا ترقي إلي تطلعات الثوار. المزيد من أعمدة عبد المعطى أحمد