ربما يكون صحيحا أن النظام الديمقراطي يوفر الأرضية الصالحة لنظام إداري يخلو إلي حد كبير من التعقيدات الإدارية التي تنشأ بالطبيعة في ظل اللوائح البيروقراطية وتحت مظلة الروتين الحكومي ولكن ماذا عن الدول التي لم يكتمل فيها البناء الديمقراطي من نوع المرحلة الانتقالية التي تعيشها مصر حاليا. في اعتقادي أن الأمر يتطلب وقفة موضوعية لمراجعة أسباب وجود أزمة إدارة مزمنة ظلت لسنوات طويلة تنعكس سلبيا علي مشاعر وأحاسيس المواطنين وتدفع بهم نحو عدم الشعور بالانتماء للوطن والامتلاء بالغضب والرفض والاحتجاج والخروج إلي الميادين بينما تغير الحال تماما مع توفير إدارة مرنة وحازمة للإشراف علي العملية الانتخابية الأخيرة. لا بد أن نعترف صراحة بأن جزءا كبيرا من أسباب البيروقراطية يرجع إلي عدم وضوح اللوائح, والقوانين التي تحكم دورة العمل.. فمثلا عندما تصل أحد الموظفين قوانين أو تعليمات صادرة من جهة مركزية بعيدة عن موقع عمله يجد نفسه بين خيارين كلاهما مر... فإن طبق النصوص تطبيقا حرفيا لن تسير الأمور إلي الأمام, وسوف يؤاخذ باعتباره جامدا, ومتمسكا بالشكليات.. أما إذا أظهر بعض المبادرة فإنه قد يتعرض للمساءلة. وليس عيبا أن نعترف بأن هذين النقيضين يمثلان جانبا من أهم جوانب المرض البيروقراطي في الإدارة المصرية, والسبب أن اللوائح والقوانين تجري صياغتها بصورة أكثر حزما من المطلوب, بحيث تكون الإدارة علي صواب دائما.. وذلك هو الذي يفتح الباب علي مصراعيه للمحترفين في الجهاز الإداري الذين يطلق عليهم اسم خبراء تطبيق اللوائح باللحاليح بما يملكونه من خبرة في خرق القواعد خرقا ذكيا لا يضعهم تحت المساءلة. ثم لابد أن نقول- أمانة- إن طبيعة الجهاز الإداري تشبه الجسم الحي الذي يدافع عن كيانه, وأنه عندما تميل بعض الهيئات إلي التخفيف فإن كثيرا من النماذج المفسدة في وسط الجمهور تجعلها تلهث باستمرار إن لم تكن تفسدها. ومن الطبيعي أنه كلما اتسعت الأعمال المخالفة للوائح ازدادت اللوائح تعقيدا ويؤدي هذا التعقيد بدوره إلي رد فعل عنيف يصب اللعنات علي البيروقراطية والروتين مع أن جمهور الشاكين الذين يصبون اللعنات يتحملون مسئولية كبيرة في تهيئة التربة الصالحة لنمو البيروقراطية. ومعني ذلك أن سبيلنا الوحيد للتخلص من البيروقراطية, والروتين, وبدء السير علي طريق الإصلاح يتطلب جدية البحث في مشكلة التضخم الوظيفي من خلال معالجة تعيد توزيع العمالة توزيعا صحيحا وعادلا بعيدا عن حصص الدرجات المالية المخصصة لهذه الوزارة أو تلك! وغدا نواصل الحديث.. خير الكلام: الفشل ليس العقاب الوحيد للكسالي وإنما في نجاح نظرائهم المجتهدين! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله