المسئولية جزء اصيل من الاختيار الإنساني, وهي لها جانبها الفردي عندما تكون لها علاقة بالإنسان وحده, ولكنها تصبح تاريخية إذا ما كانت تمس مصير أمة بأكملها. وما جري منذ مليونية الجمعة يوم الثامن عشر من نوفمبر وماتلاها من أحداث, بما سقط فيها من شهداء وجرحي, وما راح فيها من خسائر ماديه ومعنوية علي مصر يستحق المحاسبة, اعرف أن هناك من يريد أن يعود بنا إلي الصورة نفس التي كنا عليها حتي الحادي عشر من فبراير عندما كانت هناك سلطة مسئولة عما جري, وكان عقابها اطاحتها من مراكزها, وتقديمها للمحاكمة, ومن ثم فإن السهولة تدعو إلي اتهام وزارة الداخلية, والوزارة كلها, ومن بعدهما المجلس العسكري, ولكن مثل هذه الثورة غير كاملة, فمن ناحية فإن رئيس مجلس الوزراء جري اختياره من جماهير الثورة, وكان ميدان التحرير هو الذي اعطاه بركته بعد أن ثار علي وزارة الفريق أحمد شفيق الاصلية والمعدلة, واعتبارا من3 مارس2011, فإن الدكتور عصام شرف بات مسئولا عن وزارته بما فيها وزير الداخلية الذي لم تترك له فرصة ذات بال لإعادة بناء الوزارة وقواتها كما يريد لها الثوار بينما هؤلاء عليهم أن يعملوا من اقسام محترقة, ومن سجون جري اطلاق سراح سجنائها, ودون أن يكون لديهم دقيقة واحدة لإعادة التأهيل والتدريب بينما عليها أن تلاحق مليونيات متعددة نجم عنها تعديل وزارة شرف في شهر يوليو الماضي, وكوارث طائفية لاتنتهي واحدة منها إلا وتظهر الأخري, وسعار من البلطجية انطلقت لكي تستهدف رجال الشرطة بالقتل والترويع. ولن يختلف احد علي تجاوزات, بل وجرائم الشرطة التي جري ارتكابها خلال الاحداث الأخيرة, وربما كان مشهد وضع جثة لمصري بجوار صناديق القمامة إشارة إلي حالة الانحدار الحضاري والاخلاقي التي وصلنا إليها, ولكن الوحش الذي نما داخلنا خلال الأشهر الأخيرة لم يكن دلالته هذا المشهد المروع وحده, ولكن كان وراءه عمليات حرق الكنائس, وقتل المسيحيين في ماسبيرو, وقطع أذن مسيحي في قنا, وقطع الطرق والسكك الحديدية في كل مكان, وتقطيع جثة بلطجي وقطع رأسه وعرضها علي الجماهير في الشوارع, في كل ذلك لم يحاسب أحد ولم يحاكم أحد لأن كل المجرمين احتموا بالجماعة والجماهير التي نظرت إلي الناحية الأخري بينما الاخلاق المصرية في الشرف والشهامة واحترام الجسد الإنساني حيا أو ميتا يجري امتهانها بجرأة ووقاحة, ربما آن الأوان لنا جميعا ان ننظر في المرآة ونري الحقيقة متحملين المسئولية التاريخية عما جري! [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد