موضوع الاندماج الوطني كما يقول د.مصطفي الفقي في مطلع كتابه عن الأقباط في السياسة المصرية يحتل أهمية متزايدة علي خريطة البحث في العلوم الاجتماعية لأسباب تتصل بالاستقرار السياسي لعدد كبير من دول العالم الثالث. ويذكر المؤرخ المصري الجليل د.وليم سليمان قلادة1924-1999 في كتابه المسيحية والإسلام علي أرض مصر والذي اقتبست منه عنوان مقالي هذا, يقول: أحسب أن الدين المسيحية والإسلام قد رسخا في ضمير المصري وفي نظرته إلي الكون مفهوما للإنسان هو جزء بالغ الأهمية والقيمة في تراث كل فريق وفكرة. وقد أفرز هذا المفهوم آثاره في الحياة علي هذه الأرض سواء وعي المؤمنون ذلك أم عاشوه كما لو أنه أحد القوانين الحيوية التي لا يملكون التحكم فيها. ويبدو لي أن هذا المفهوم ظل عنصرا مهما وكامنا في بناء الشخصية الفردية والاجتماعية بمختلف جوانبها وعاملا محركا لتطورها وان ظل متواريا). لذلك فمن المهم جدا في تلك الآونة أن نقدم فكر الآخر للجميع في محاولة صادقة لجذب جميع المصريين إلي دائرة الفهم والتقاء الفكر المستنير وهذا ما بدأه الفاضلان الاستاذ عبدالعظيم حماد رئيس تحرير الأهرام والاستاذ أشرف عبدالمنعم بعدد14 أكتوبر.2011 فما يزيد ويدعم الترابط بين أشقاء الوطن الواحد بعيدا عن الأفكار المستوردة من دول البترول هو اطلاع كل فريق علي تراث الآخر, وفكره بروح التعاطف والرغبة في الفهم دون استعلاء أو نبذ. فحين يقترب المطلع لتراث الآخر, وفي ذهنه حقيقة مهمة أن ذلك التراث والفكر هو مقصود به بلا شك تأكيد ورفع من كرامة الإنسان والدفاع عن حقوقه وتمكنه من ممارسة تلك الحقوق بلا عائق, فإن هذا في حد ذاته كفيل برفع العديد من الحواجز وإزالة العديد من الموانع ليس هذا فحسب بل ان الواحد منها في تلك الحالة يسعي باجتهاد لزيادة التعرف علي رفيقه في درب الجهاد والرغبة الصادقة والحقيقية لفهم هذا الذي يشترك معي في معركة الحياة اليومية سواء معركة الإنتاج في المصنع, أو معركة التحصيل العلمي الجاد في المدرسة والجامعة ومعركة البحث العلمي المثمر في المختبر العلمي, معركة زيادة المحصول الزراعي في الحقل, ومعركة مواجهة العدو الرابض علي الحدود في ميدان القتال. فإذا تحدثنا مثلا عن الصلوات اليومية التي يمارسها الطرفان المتحابان نجد أن المسلم يمارس خمس صلوات يومية والمسيحي يمارس سبع صلوات يومية وكلها دعاء لله الخالق أن يبارك في حياة الإنسان اليومية ويحفظه من الشرور والمعاصي والزلات وهذه الصلوات كلها مكملة لبعضها البعض, مثلا آخر في الاصوام التي يمارسها الطرفان المتحابان نجد المسلم يصوم شهر رمضان المبارك, وما يعقبه من صوم الستة أيام بالاضافة إلي صومي الاثنين والخميس, وبلاشك أن الإنسان في فترة الصوم يكون في حالة عالية من النقاء الفكري. والمسيحي يصوم فترة صوم الميلاد المجيد(34 يوما) وفترة صوم أهل نينوي(3 أيام), فترة الصوم المقدس الذي يسبق عيد القيامة المجيدة(55 يوما) فترة صوم الآباء الرسل(15 50 يوما), فترة صوم السيدة العذراء مريم(15 يوما) وهذا الصوم بالتحديد يصومه العديد من الاخوة المسلمين من شدة محبتهم للسيدة العذراء, هذا بالاضافة إلي صوم يومي الأربعاء والجمعة. ليس هذا فحسب, بل يشترك العديد من المصريين في العديد من موالد القديسين وأولياء الله الصالحين وبالأخص في أعياد السيدة العذراء بالأديرة المقامة بصعيد مصر كدير السيدة العذراء المحرق, ودير السيدة العذراء بدرنكة. كذلك أعياد مارجرجس بمنطقة الرزيقات, وعيد القديس أنبا شنودة( الذي يلقبونه بلقب أبوشنوده) بسوهاج. وفي غرب الإسكندرية يوجد دير يعود تاريخه إلي القرن الرابع الميلادي يحمل اسم القديس مينا الملقب بالعجايبي, هذا يهرع إليه المصريون من كل انحاء مصر, ليس هذا فقط بل يأتي إليه العديد من الزوار الأجانب من مختلف انحاء الأرض بسبب شهرة القديس الواسعة حتي إن كثيرا من الدول الأوروبية كقبرص واليونان وألمانيا وفرنسا وغيرهم بها كنائس تحمل اسم القديس مينا ويقول عنه( القديس مينا المصري). هذه الأيقونة الرائعة من الحياة المشتركة لو تعرفنا عليها بحب سوف نكسب كثيرا وتستقر الأمور في وطننا, ونكون حائط صد لمن يحاول أن يفكك ترابطنا ووحدتنا ومحبتنا. إننا في أشد الاحتياج في هذه الأيام لنزع فتيل التوتر ونسعي نحو المحبة, لأن الله محبة ومن يحب الله فعلا يحب جاره وصديقه فلنترك التفاصيل الدينية كأمر شخصي بحت و ينبغي ألا يقيم كل إنسان نفسه حارسا علي الدين وملتزما بتطبيق شرائعه علي غيره. من هذا نجد أن لنا تراثا مشتركا له طبيعة دينية مستقرة في أعماق المصريين, هذا التراث قادر علي إعادة مسار المسيرة المقدسة متي حدثت ردة أو نكسة وإذا طالعنا بصدق تاريخنا المصري العظيم لابد أن نتوصل إلي حقيقة مهمة أننا خير مما نظن في أنفسنا وأكثر تدينا من حكمنا علي مماراساتنا. وكما يقول مؤرخنا المحبوب د.سليم سليمان قلادة( الصديق الودود للدكتور طارق البشري. د.سليم العوا, د.محمد عمارة), يقول: هذه شيمة البشر الساعين إلي الكمال, وان قسوا علي أنفسهم, وحملوها ما لاتطيق وهذا ليس بالشيء الجديد علي شعب كان هو رائد الحضارة والقيم في العالم كله. المزيد من مقالات د. مينا بديع عبد الملك