تنعقد القمة العربية الرابعة والعشرون اليوم وغدا في العاصمة القطرية الدوحة في ظروف شديدة التعقيد تهدد تماسك النظام العربي بقدر ما تهدد الوحدة الوطنية للعديد من الدول الأعضاء في هذا النظام الذي لم يعد يعبر عن حقائق الواقع العربي خصوصا بعد أن أصبح التحالف مع الخارج, علي حساب التماسك الداخلي, هو التفاعل الأكثر رواجا ضمن تفاعلات هذا النظام. فالنظام العربي جري تفكيكه فعليا منذ توقيع مصر معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني, حيث تراجعت مكانة القضية الفلسطينية كقضية مركزية لهذا النظام. فالقضية الفلسطينية لم تكن, كما يتصور البعض, مجرد قضية ذات أولوية طاغية علي غيرها من القضايا العربية الأخري الأولي بالاهتمام مثل قضايا التطور الديمقراطي والتقدم الاقتصادي والاندماج السياسي, بل كانت قضية جمعية, أي قضية قادرة, دون غيرها, علي تجميع أشتات العرب في أداء وعمل استراتيجي موحد, وكانت أيضا رمزا لوحدتهم المأمولة. وعندما تراجعت مكانة هذه القضية كقضية مركزية عربية, بانخراط دول عربية عديدة في سلام رسمي, أو غير رسمي, مع الكيان الصهيوني انفرط العقد العربي تماما, وجاءت حرب الخليج الثانية( حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عامي1990 و1991) التي انقسم العرب حولها, ومن بعدها الغزو الأمريكي البريطاني للعراق واحتلاله بدعم وتسهيلات عربية وما صاحب هذا كله من اختراق أمريكي غير مسبوق للنظام العربي ومن تغلغل للنفوذ الصهيوني في أكثر من بلد عربي لتكمل انفراط ما بقي من تماسك في هذا النظام, والآن أضحي النظام العربي, في ظل تداعيات وتفاعلات الحراك الثوري العربي أقرب إلي اللانظام في ظل غياب ما كان يمكن اعتباره قيادة, ولو افتراضية, للنظام, واختلال العلاقة بين قلب النظام وأطرافه بحكم تحول ميزان القوة لصالح الأطراف, وانتشار الصراعات الداخلية العرقية والطائفية, ناهيك عن الصراعات السياسية علي السلطة في كثير من وحدات النظام. هذا الوضع المتردي للنظام العربي المقترن بافتقاد الفعالية سواء علي مستوي القيام بالوظائف المنوطة به, أو علي مستوي مواجهة التحديات التي تواجه الأمة يزداد كارثية علي ضوء تفاقم مأساة تبعية النظام العربي للنظام العالمي خاصة للولايات المتحدةالأمريكية من ناحية, وعلي ضوء عجز النظام العربي عن الحفاظ علي تماسكه أمام ضغوط واختراقات النظام الإقليمي للشرق الأوسط الذي أصبح أكثر قدرة علي احتواء النظام العربي ضمن تفاعلاته خصوصا في ظل بروز خريطة صراعات وتحالفات إقليمية جديدة بين القوي الإقليمية الكبري الثلاث التي باتت تشكل قلب أو محور هذا النظام وهي: إسرائيل وإيران وتركيا, وتحول العرب إلي مجرد أطراف في تفاعلات هذا النظام خصوصا بعد فشل كل محاولات الإنقاذ التي جرت في القمتين العربيتين اللتين عقدتا في مدينة سرت الليبية, القمة الدورية في مارس2010 والقمة الاستثنائية في سبتمبر2010 حيث عجز النظام العربي فيهما عن التوصل إلي رؤية مشتركة لتطوير جامعة الدولة العربية وتحويلها إلي اتحاد عربي, والتي عجز النظام العربي فيهما أيضا عن إقرار الأمين العام لجامعة الدول العربية الخاص ببلورة إطار تفاعلي عصري مع دول الجوار الإقليمي للوطن العربي تحت مسمي رابطة الجوار الإقليمي. الآن تعقد القمة العربية في الدوحة والنظام العربي يفتقد تماما إلي كل شيء له علاقة ب النظام لا توجد قيادة, ولا توجد عقيدة سياسية ولا رؤية سياسية, ومن ثم لا توجد إرادة سياسية, لكن الأصعب من ذلك أن هذه القمة تعقد في ظروف استثنائية يواجه فيها العرب أربع مفاجآت من العيار الثقيل قبيل أيام قليلة من انعقادها; المفاجأة الأولي جاءت علي لسان جون كيري وزير الخارجية الأمريكي بعد ختام جولته في عدد من العواصم العربية وتركيا. ففي مؤتمر صحفي جمعه مع نظيره النرويجي بواشنطن قال كيري: ما تريده الولاياتالمتحدة وما يريده العالم هو وقف العنف في سوريا. كما نريد أن نتمكن من رؤية الأسد( الرئيس السوري) والمعارضة جالسين علي طاولة التفاوض لإنشاء حكومة انتقالية وفقا لإطار العمل الذي وضع في جنيف( بروتوكول جنيف) الذي يتطلب موافقة متبادلة من كلا الطرفين حول تشكيل تلك الحكومة الانتقالية. الصدمة في هذا التصريح أنه جدد حق الرئيس السوري أن يكون طرفا في معادلة حكم سوريا علي العكس من كل ما كانت تدبر جامعة الدول العربية. المفاجأة الثانية جاءت من الرئيس أوباما يوم وصوله إلي الكيان الصهيوني(20 مارس الجاري) عندما تحدث عن التحالف الأبدي مع الكيان الصهيوني, وقوله: اعتبر هذه الزيارة فرصة لإعادة تأكيد الصلة التي لا تنفصم بين دولتينا, وإعادة تأكيد التزام أمريكا الذي يتزعزع بأمن إسرائيل, وتكراره الوعد بدعم مطلب جعل إسرائيل دولة يهودية بكل ما يحمله هذا الوعد من مخاطر هائلة علي الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية. أما المفاجأة الثالثة فجاءت أيضا من الرئيس الأمريكي وقبله نائبه جون بايدن ووزير خارجيته جون كيري بالنسبة لما يمكن أن يعتبر صفقة يجري الإعداد لها مع إيران تعتمد الحل السلمي لأزمة البرنامج النووي الإيراني تؤمن من ناحية منع إيران من امتلاك السلاح النووي وتعطي إيران من ناحية أخري حق تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية, وهي صفقة يمكن أن تشمل تفاهمات إقليمية إيرانية أمريكية علي حساب مصالح عربية, أما المفاجأة الرابعة فجاءت من رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية في تجاوبه السريع مع اعتذار إسرائيل عن الاعتداء علي أسطول الحرية الذي كانت تقوده سفينة تركية وراح ضحيته تسعة من النشطاء السياسيين الأتراك, أردوغان اعتبر الاعتذار الإسرائيلي كافيا مبررا لعودة العلاقات مع الكيان الصهيوني إلي طبيعتها ولم يكتف بذلك لكنه راح يتحدث عن العلاقة الحميمة بين الشعبين اليهودي والتركي في اعتراف لاحق بما وعد به الرئيس الأمريكي أوباما الإسرائيليين من حق إسرائيل أن تكون دولة يهودية. مفاجآت أربع تفرض تحديات هائلة علي القمة العربية في ظروف شديدة التعقيد والانقسام العربي حول القضايا الأساسية وفي ظل اختلال هائل في توازن القوة مع دول الجوار الإقليمي واعتماد مفرط علي الدور الأمريكي وعجز عن مجاراة مطالب التغيير العربي التي فرضتها الثورات العربية وفي مقدمتها إصلاح النظام العربي إلي نظام يكون للشعوب دور بارز في توجيه قراراته وفق الأهداف التي تفجرت هذه الثورات من أجلها وفي مقدمتها العدالة والحرية والكرامة والسيادة الوطنية, والاتجاه نحو المزيد من الاندماج العربي. لمزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس