دعونا نخرج من هذا الجو الاكتئابي الذي نعيشه ليل نهار ونحاول أن نبتهج قليلا فيما ليس هو بعيدا ايضا عن المشهد السياسي.. فمنذ منتصف نهار يوم الخميس الماضي21 مارس حتي ساعة متأخرة من منتصف الليل, ارتبكت حركة المرور في جميع شوارع القاهرة بأكثر من المعتاد. وبنظرة واحدة علي الشارع كان سهلا أن تكتشف أن جموعا حاشدة من المصريين كبارهم وصغارهم.. مسلميهم ومسيحييهم يحملون هدايا عيد الأم في ظاهرة غير مسبوقة في جميع المناسبات المماثلة في السنوات الماضية.. تري لماذا كان الاحتفال هذا العام متفوقا علي الأعوام السابقة ؟. الناس في بلادنا عطشي الي مناسبة سعيدة يحاولون من خلالها تناسي هذه الكوارث التي يعيشونها وتلك المآسي التي تحل علي رءوسهم من جراء الاختناق السياسي والاقتصادي والتفسخ الاجتماعي والاخلاقي الذي بدا واضحا جليا بعد الثورة التي كشفت عن أسوأ ما في الشعب المصري بدلا من أن ترسخ تلك الأيام الثمانية عشر الأولي من أحداث الثورة التي جعلتنا نفتخر بمصريتنا. الناس حسب ما شهدته في شوارع القاهرة.. وحسب ما علمت في كل الشوارع المصرية من أقصي الجنوب الي أقصي الشمال, ومن الشرق الي الغرب, كانوا يحاولون في هذا اليوم أن يوصلوا رسالة واضحة تقول إن هذا الشعب لن يرتضي بغير ثقافته الأصيلة بديلا.. تلك الثقافة الناتجة عن صهر عجيب لكل صفحات التاريخ بكل مكوناته وترسباته الفرعونية والقبطية والاسلامية.. تلك الثقافة التي اسفرت عن الشخصية المصرية التي تجمع بين كل المتناقضات.. وتتأرجح بين دواعي الأمل وبين مقتضي اليأس والاحباط. المظاهر العظيمة للاحتفال بعيد الأم هذا العام جاءت علي الرغم من الأزمة الاقتصادية الحادة, تحديا صارخا ضد كل من يعتقد أن بإمكانه إعادة تشكيل الوجدان المصري علي هواه.. تحديا صامدا ضد كل من يحاول فرض ثقافته السطحية الواردة من الخارج علي ثقافة سبعة آلاف سنة متراكمة ربما دون أن يشعر بها غالبية المصريين, ولكنها في النهاية تشكل العناصر الأساسية لمزاج هذا الوطن بأبنائه المسلمين والمسيحيين علي السواء.. تلك الثقافة التي تجعل من المسلمين أكثر الشعوب حبا واحتراما للسيد المسيح وأمه القديسة مريم العذراء, وتجعل من المسيحيين المصريين أكثر الشعوب احتراما للمشاعر والشعائر الاسلامية حتي أننا لا نكاد نجد مسيحيا واحدا يجاهر بالافطار في شهر رمضان المبارك, ولا نجد منهم من لا يشارك المسلمين أفراحهم بأعيادهم.. تلك الثقافة التي تجمع بين جميع المصريين في المفاخرة بأنهم أبناء الفراعنة العظام. كان الخروج الجماعي للمصريين في يوم عيد الأم وحرصهم جميعا علي الاحتفال بالأم وتكريمها في مختلف اعمارها, لونا من ألوان التوحد الشعبي ضد محاولات تقزيم الشخصية المصرية وحصرها في قالب عقائدي من أوهام أفكار المتأسلمين الجدد الذين لا يعرفون عن الاسلام الا ما قد لقنه لهم من يجدون لديهم رغد العيش وحلو الوعود. هم لا يعرفون عن الأعياد الا الأعياد المشروعة التي نعرفها جميعا كمسلمين نصلي ونصوم ونحج الي البيت العتيق من قبل أن يتوبوا هم عن ضلالاتهم ويأخذوا من تطرفهم في الحياة الدنيا من اللهو والمعصية, المنهج نفسه من التطرف والتشدد فيما ليس له محل عندما وجدوا من يدلهم علي طريق الاسلام.. لذا لا نستغرب أنهم لا يفكرون وانما فقط يحفظون ما يملي عليهم. يقولون ما قاله الرسول الكريم من أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار, ولا يفهمون معني الحديث الشريف, ثم يغضون الطرف عن حديث نبوي شريف يقول من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا, ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا.. أخرجه مسلم في صحيحه. انهم لا يعرفون سوي القلوب المتحجرة والوجوه العبسة والنفوس الطاعنة في كراهية كل شيء وفي تحريم كل شيء.. وليت الأمر يقف عند هذا الحد, وانما يفعلون في الخفاء ما يتناقض تماما مع الاعتقادات الدينية السوية والسليمة, فيسيئون الي أنفسهم والي الاسلام في وقت واحد. وحتي لا نضع الكل في سلة واحدة.. نحمد الله أن جماعة الإخوان المسلمين قد فطنت الي هذا المعني العظيم لتكريم الأمهات, فأقامت احتفالية كبيرة بعيد الأم.. والله يهدي من عباده من يشاء الي طريقه المستقيم المستنير. لمزيد من مقالات محمد السعدنى