في خطوة تاريخية فارقة من شأنها أن تعطي دفعة للديمقراطية في البلاد, شهدت زيمبابوي السبت الماضي استفتاء شعبيا علي مسودة دستور جديد خرجت نتائجه بموافقة95% من جموع الناخبين علي دستور وليد يمهد الطريق لإجراء انتخابات رئاسية وعامة في يوليو المقبل, والتي من شأنها أن تنهي ولاية الحكومة الائتلافية التي تشكلت قبل4 سنوات بين القطبين الرئيسيين للبلاد: الرئيس الزيمبابوي الحالي روبرت موجابي ورئيس وزرائه مورجان تسفانجيراي وهو ما يهيئ الأجواء لخوض المعترك الانتخابي المقبل بعيدا عن أجواء الصدامات وإراقة الدماء كما حدث سابقا. وقد شارك في ذلك الاستفتاء أكثر من5 ملايين ناخب غير أن معظم المراقبين يرون أن إقرار ذلك الدستور الجديد يعد أمرا شبه محسوم بعد أن حظي بتأييد الحزبيين الرئيسيين في البلاد: حزب' زانو بي إف' برئاسة الرئيس موجابي وحزب الحركة من أجل التغيير الديمقراطي برئاسة تسفانجيراي. ولكن رغم تفاؤل البعض بخطوة المصادقة علي هذا الدستور علي اعتبار أنها ستحقق نقلة ديموقراطية للبلاد وتشكل نقطة انطلاق للمرحلة التالية وهي الانتخابات العامة, فإن غالبية المراقبين يعتبرون أن تلك الخطوة غير كافية لإحداث تغيير حقيقي في البلاد ودفعها نحو طريق الديمقراطية المرجوة. ويسعي الدستور الجديد بالأساس إلي الحد من الصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية وتعزيز مؤسسات الدولة مثل مجلس الوزراء والبرلمان والقضاء إلا أنه لن يمنع الرئيس موجابي من الترشح مجددا لرئاسة البلاد, وينص مشروع الدستور الجديد علي تحديد عدد الولايات الرئاسية بمدتين تبلغ فترة كل منهما5 سنوات, ولا يحدد سنا قانونية قصوي للرئيس. كما يقضي الدستور الجديد بإلغاء منصب رئيس الوزراء الذي يشغله حاليا مورجان تسفانجيراي الذي يتعايش بصعوبة مع موجابي في حكومة وحدة وطنية فرضتها الدول المجاورة قبل4 سنوات لتجنب حرب أهلية كادت تندلع بعد حملة انتخابية دموية في2008, علاوة علي منح صلاحيات واسعة للبرلمان الذي يسيطر عليه أنصار تسفانجيراي. ولم يتضمن الدستور الجديد آليات من شأنها منع اندلاع أعمال عنف انتخابية كما حدث في الانتخابات السابقة أعوام2002 و2005 و2008. وتعد المصادقة علي هذا الدستور الجديد جزءا من بنود اتفاق تقاسم السلطة الذي توصل إليه كل من الرئيس موجابي ورئيس الوزراء تسفانجيراي في فبراير عام2009لإنهاء الأزمة السياسية التي أعقبت الانتخابات الرئاسية لعام2008. وكانت الولاياتالمتحدة قد أعلنت في أكثر من مناسبة أنها لن ترفع عقوباتها المفروضة علي زيمبابوي منذ عام2002 إلا في حالة عقد الانتخابات في يوليو المقبل وسيرها بشكل جيد وعدم مصاحبتها بأعمال عنف. أما الاتحاد الأوروبي فقد رفع جزءا من العقوبات المفروضة علي النظام في زيمبابوي كخطوة تشجيعية للإصلاحات الجارية هناك غير أنه لا يزال يعامل موجابي علي أنه شخص غير مرغوب فيه. ورغم ظهور تفاؤل محدود بعد تشكيل حكومة الائتلاف الوطني في فبراير عام2009 أملا في أنها ستحمل تغيرات إيجابية للبلاد, فإن الأوضاع الإنسانية والاقتصادية مازالت متردية. فالبلاد تعاني ارتفاعا ملحوظا في معدلات البطالة, وتواجه اضطرابات خطيرة في ماليتها العامة, ونقصا حادا في السيولة, حيث تعتبر الموارد المحصلة من الضرائب والعائدات في البلد في وضع هش, مع ارتفاع تكاليف الأيدي العاملة ووجود بنية تحتية مدمرة. وترتفع نسبة الواردات الغذائية كثيرا بالمقارنة مع الصادرات وهو ما شكل خللا في الميزان التجاري, علاوة علي خطر المجاعة الذي تواجه البلاد, حيث توقع برنامج الغذاء العالمي أن يصل عدد المتضررين في زيمبابوي خلال الفترة المقبلة إلي ميلون و300ألف جائع. ومع ذلك يري بعض المحللين أن الحكومة الائتلافية نجحت في تحقيق بعض الاستقرار الاقتصادي للبلد, حيث تمكنت من إنهاء التضخم الشديد الذي كان متفاقما وذلك من خلال استخدام الدولار الأمريكي كما نجحت الحكومة نسبيا في تحقيق استقرار أمني وإنهاء حالة العنف التي كانت سائدة عند بداية تشكيلها عام2009. وفي ضوء ذلك يبدي هذا الفريق تفاؤلا محدودا إزاء خطوة الموافقة علي الدستور الجديد أملا في أن تؤدي هذه الخطوة إلي إحداث نقلة نوعية للبلاد علي طريق الديموقراطية, مؤكدا في الوقت ذاته أن الرئيس موجابي لن يستسلم بسهولة وسيواصل كفاحه في سبيل الاحتفاظ بمقعد الرئاسة, وهو ما قد ينذر بنشوب خلاف بينه وبين المعارضة في الانتخابات المقبلة علي غرار ما حدث من قبل. من جانبه, نفي رئيس زيمبابوي روبرت موجابي أن يكون حزبه الاتحاد الوطني الإفريقي الزيمبابوي'الجبهة الوطنية' يشن حملة عنف لترويع منافسيه في الانتخابات المتوقع أن تجري في يوليو والتي يأمل أن تمد فترة حكمه التي استمرت33 عاما. ولا شك في أن مؤيدي الدستور الجديد فازوا في الاستفتاء إذ إن كلا من موجابي وتسفانجيراي دعا أنصاره إلي التصويت بنعم علي النص الذي يشكل ثمرة مفاوضات شاقة بين الرجلين. فهذا الدستور الجديد يندرج في الاتفاقات الموقعة في الماضي بين الرجلين. ولو لم يوافق الناخبون علي الدستور الجديد لظل القذيم مطبقا ولتم إجراء الانتخابات العامة المقررة المزمع إجراؤها في يوليو المقبل بدون انتظار إعداد دستور جديد, ولذلك سيظل الرهان علي الشعب.