فجر مصمم الديكور والإضاءة المسرحي حازم شبل مفاجأة من العيار الثقيل, حينما قام بعدة زيارات للمسرح القومي للوقوف علي ما وصل إليه بناء المسرح باعتباره أحد أهم مصممي الديكور المسرحي في مصر والعالم. فهو مؤسس ورئيس المركز المصري للسينوغرافيين وتقنيي المسرح والحائز علي منحة فولبرايت الأمريكية للفنون وعضو الهيئة العالمية للمسرح, بالإضافة الي أنه كان آخر من صمم ديكورات أكبر أربع مسرحيات علي المسرح القومي خلال السبع سنوات السابقة لاحتراقه عام 2008 , وكانت المفارقة أنه اكتشف كثيرا من الأخطاء المعمارية الفادحة التي تستلزم هدمها وإعادة بنائها بما يكلف الدولة ملايين جديدة من الجنيهات, أهمها تجاهل التصميم المعماري لمنطقة الكواليس وإلغائها بالكامل لصالح بناء جناح كامل لغرف الممثلين, بما يعوق عملية تغيير الديكورات وتجهيزها, واشياء أخري كثيرة نقرأها في السطور التالية. ما هي أخطاء البناء في المسرح القومي؟ بعد حريق المسرح القومي عام 2008 بفترة تلقيت اتصالا من د. أشرف زكي رئيس البيت الفني وقتها, وطلب مني الوجود مع السادة مهندسيين المشروع لمراجعة المتطلبات المسرحية.. واعطي التليفون الي أحد مهندسي المشروع للتنسيق, وأبديت استعدادي للتعاون دون أي شروط, ولكن طالت المدة ولم يعاود أحد الأتصال, فظننت أنه تم تكليف زميل آخر كفء بمتابعة المشروع, وفي عام 2010 دعيت لعضوية لجنة فرعية ضمن لجنة المسرح بالمجلس الأعلي للثقافة, لدراسة متطلبات تطوير المسارح وتقنياتها, وبناء عليه ذهبت لتفقد المسرح ومعرفة ما تم به ومن أول وهلة اكتشفت كالعادة أن إهتمامهم بالجزء الأثري ليس بنفس اهتمامهم بالمسرح وملحقاته وتقنياته وكانوا بالفعل إنتهوا تقريبا من البناء المعماري لخشبة المسرح وملحقاتها, وأمام العديد من الاستفسارات والملحوظات التي شغلتني سألت المهندس مشرف المشروع عن المسرحي الذي وضع هذه المواصفات حتي أتحدث معه, ففوجئت بأن المشروع تم تصميمه وبناؤه بواسطة استشاريين معماريين فقط دون الأستعانة بسؤال أي مسرحي, وأنهم مؤخرا أستدعوا المهندس محمود حجاج من الأوبرا لتكملة الأشراف, وكان ردي: ماذا يفعل أي مهندس في العالم بعد أن تم الأنتهاء من البناء بشكل يعوق كفاءة المسرح الي أكثر من النصف! وفي مايو 2012 اصطحبت سبعة من كبار المتخصصين في الأشراف علي تجهيز المسارح وتجهيزاتها من أمريكا وهولندا وألمانيا وسويسرا وهونج كونج وتايوان وهم أعضاء مجلس إدارة الهيئة العالمية للسينوغرافيين ومعماريين وتقنيي المسرح, الي المسرح القومي وتأكدت أن المشكلة الأساسية في إعادة بناء منطقة خشبة المسرح وملحقاتها, هي أن المصمم تجاهل الكواليس( المناطق التي تقع علي جوانب خشبة المسرح وخلفها والتي لا يراها الجمهور) بأن أقام جناحا كاملا لغرف الممثلين متعدد الأدوار علي أعمدة خرسانية أغلق بها منطقة شمال خشبة المسرح تماما إلا من باب لدخول الممثلين, وتجاهل تماما أهمية تلك المنطقة في تجهيز وتخزين وتغيير ديكورات العرض القائم علي المسرح أو عرض آخر يتم تجهيزه استعدادا لعرضه, ونفس المشكلة توجد في ثلث الجانب الأيمن والمنطقة التي تركها كجانب مفتوح لها سقف يحد من إزاحة ديكورات عالية إليها, كما أنه يقال إن هذه المنطقة سوف تستخدم كورشة, أما الكالوس الأيمن فبه باب كبير لدخول الديكورات من الشارع, وهو قريب جدا من خشبة المسرح, ولما كان المسرح ولا يزال في منطقة شديدة الضوضاء, فأنني أتساءل عن كيفية عزل هذا المدخل للصوت غير المرغوب فيه! كما أنني لم أستدل بالمسرح علي مكان لتجهيز وتجميع الديكورات بمحيط المسرح, والسؤال: كيف تم الانتهاء من تشطيب غرف الممثلين اولا وفرشها بالأثاث قبل أي تجهيزات أخري لتقنيات خشبة المسرح؟ وكيف فسرت هذه الأخطاء الفنية؟ طريقة البناء المعماري تدل علي أن المصممين سيعتمدون في تجهيزات المسرح علي روافع بمواتير كهربائية, وهو أمر شائع في المسارح المصرية, ويفرح به المسئولون ظنا منهم أنها تكنولوجيا حديثة, ولكن عرف عالميا بأن المسارح حتي الأكبر من خشبة القومي يفضل لها النظام اليدوي, وهو نظام معمول به في أغلب مسارح العالم وموجود بالفعل في مصر, في مسارح الجامعة الأمريكية, كما أنه موجود بكل مسارح برودواي وغيرها, وهو نظام عملي سلس سهل التعامل معه جدا صيانته تكاد تكون معدومة لأن المواتير لها كثير من العيوب منها التكلفة وضرورة الصيانة المتكررة وكثرة الأعطال. وهل هناك مخالفات فنية أخري؟ بالطبع, فقد تم شراء وتوريد كشافات إضاءة متحركة تصل الي 40 كشافا, قبل أن يستقروا علي نوع التقنيات الفنية التي ستتوفر في خشبة المسرح, خاصة إننا لا نحتاج مثل تلك النوعية المتحركة في المسرح الدرامي وهي مفضلة بالأخص في عروض الروك آند رول, في حين أن مهنة مصمم الإضاءة بمعناها العالمي المتخصص لم تصل لمصر حتي الآن, هذا بالإضافة لسلبيات عديدة منها مثلا عدم التأكد من خامات وأنواع الستائر التي سوف تستخدم في المسرح, ومدي طاقتها لمقاومة الحريق بعيدا عن عملية الرش التي تهلك الأقمشة. وماذا عن منطقة الصالة؟ منطقة الصالة تم تجهيزها من قبل الآثار بشكل جيد باعتباها أثرا, ولكن إذا تحدثنا عن الكراسي الخاصة بالجمهور مثلا, فقد اكتشفت أن جميع عينات كراسي صالة الجماهير الموجودة بالمسرح غير مطابقة للمواصفات, لأنها كراسي دور عرض سينمائية وليست مسرحية, فحجمهاكبير للغاية, كما أن الخبراء الأجانب اعترضوا علي المسافة الأكبر من المسافة الدولية ما بين الكراسي نظرا لما سيسببه ذلك من تقليل عدد الكراسي في صالة المسرح بالإضافة الي كبر حجمها وزاوية ميلها, حيث تم الاتفاق عالميا علي أن تكون المسافة من ظهر الكرسي لظهر الكرسي الخلفي له 95 سم, بينما المسافة المتروكة في المسرح القومي متر وربع المتر! وفي رأيك, ما هي الطريقة المثلي لبناء مثل تلك المسارح دوليا؟ علي مستوي العالم كله لا يتم بناء المسارح كبري كانت أو صغري بواسطة المعماريين فقط, ولكن تتم الأجتماعات الأولي بين المصممين المعماريين مع استشاري تجهيزات مسرحية وهي وظيفة ليست موجودة في مصر ولكن الأقرب لهذا الدور هم مديرو التجهيزات الفنية بالمسارح وبعض مصممي الديكور الممارسين والمهتمين بالتقنية المسرحية, ويضع المسرحيون المتطلبات الأساسية لشكل خشبة المسرح وملحقاتها وطرق وأساليب تجهيز تقنياتها المقترحة, ثم يلي ذلك عمل المعماريين. هل تقصد أن إسناد المشروع لمهندسين معماريين خطأ من الأساس؟ ليس هناك خلاف أن المصممين المعماريين بارعين في تصميم أشكال ومرافق المسارح بشكل جميل, ولكن خشبات المسارح وتقنياتها لا يفهمها ولا يعرفتجهيزاتها إلا الدارسون لها والممارسون الفعليين عليها إضافة إلي المطلعين علي العديد من خشبات المسارح العالمية وأتحدي أن يكون أي مصمم معماري علي علم بها, بالضبط كما أننا لسنا بقدراتهم علي التصميم المعماري أو الإنشائي, وهذا ما كان يجب تطبيقه قبل بناء المسرح من جديد, خاصة وأن مخالفات المصممين المعماريين في المسارح المصرية عديدة وصارخة مثل مسرح قصر ثقافة الغردقة ومسرح قصر ثقافة الجيزة ومسرح الهناجر نفسه, والغريب أنه تمت الاستعانة بمهندسي دار الأوبرا المصرية لتجهيز كل تقنيات المسرح وخاصة الصوت والإضاءة, وأنا لا أشكك في خبراتهم المميزة هندسيا في الأعمال الأوبرالية والاستعراضية ولكني أعتقد أن للأعمال المسرحية الدرامية متطلبات أخري في أساليب العمل تختلف عن نظيرتها في المسارح الغنائية. هل خاطبت أحد المسئولين في وزارة الثقافة للإطلاع علي هذه الأخطاء الفادحة؟ طبعا, فقبل نحو شهر كتبت تقريرا شاملا بكل ملاحظاتي وقدمته يدا بيد للدكتور خالد عبد الجليل رئيس قطاع الإنتاج الثقافي, وطلبت منه مخاطبة الوزير لسرعة التحرك تجاه هذا الأمر ولكن دون جدوي. وفي رأيك, كيف يمكن انقاذ ما يمكن إنقاذه, بأقل خسائر مادية ممكنة؟ أولا: يجب معرفة المسئول عن قرار بناء المسارح في مصر دون استشارة المسرحيين المتخصصين ومحاسبته. ثانيا: عدم التغاضي عن كل هذه الأخطاء وبخاصة خطأ غلق الكواليس الجانبية بحجة سرعة افتتاح المسرح دون مراعاة الفنيات, وعدم استجابة المسئولين لمحاولات المشرفين الحاليين بإقناعهم بأن جوانب المسرح أوسع قليلا من السابق وأن مسارح كثيرة كواليسها ضيقة وهو الأمر الذي أعترض عليه, فلابد من سرعة اتخاذ قرار جريء من كبار المسئولين بالتعديل المعماري لتوسيع كواليس المسرح وإن وصل الأمر لهدم وإعادة بناء جناح غرف الممثلين بالكامل, وإعادة تصميمه بشكل سليم. ثالثا: المسرح القومي في حاجة ماسة الي ايجاد وظيفة المدير التقني بالإضافة للمدير الإداري وذلك لكي وينتقي عمالة جيدة ويتولي تدريبها علي قواعد العمل السليم.