قرأت رسالة الدكتور أحمد الجيوشي بعنوان الخريف القاسي التي ينوه فيها الي أن حرب الخليج الأولي لا يمكن أن تكون أبدا صدفة, وإنما تم ذلك بتخطيط من أمريكا للإجهاز علي العراق وقد نجحت في ذلك كما نجحت في تقسيم السودان وعلي الطريق نفسه تسير ليبيا وسوريا, أما مصر فهي الوحيدة التي بقيت عصية علي مخططاتهم, لأن لديها جيشا وطنيا محترما وشعبا مهما ضغطوا عليه أبدا لن يلين فهو شعب قديم وجيناته تحمل سر صلابته, ومصر هذا المخلوق الاسطوري ستنفض يوما عنها غبارها لتخرج لنا من أعماق التاريخ السحيق فتية, قوية, حضارية. وتعليقا عليها أقول: هذا كلام جميل يدغدغ المشاعر ويحرك الاحاسيس ويجعلنا ننطلق ونهيم في سماوات الخيال دون النظر الي أرضية الواقع الهشة, كلام جميل نقوله من قبيل التمني والضحك علي أنفسنا دون الانتباه الي الحقيقة المرة وهي أن تاريخ مصر كله منذ الفراعنة يموج بالصراعات ويدور في دائرة من الاحتلال الأجنبي المتواصل, كلما تخلص من احداها انقضت عليه أخري, فمن الهكسوس الي الفرس والبطالمة ثم الرومان فالمماليك والعثمانيين ثم الطولونيين والاخشيديين والفاطميين والايوبيين, ثم المماليك مرة أخري, فالفرنسيين وأسرة محمد علي( غير المصرية) فالانجليز حتي قيام ثورة يوليو.1952 سلسلة طويلة من الاحتلال البغيض والذل للمصريين أصحاب البلد, وعندما تنفس الشعب المسكين الصعداء بخروج آخر محتل وهم الانجليز بعد ثورة1952 وتسلم مقاليد الحكم رجال مصريون مثلهم لأول مرة في تاريخ مصر, اذا بحكمهم يصبح حكما ديكتاتوريا مستبدا عرف المصريون خلاله زوار الفجر والسجون والمعتقلات والدسائس والتجسس حتي ان الابن كان يتجسس علي ابيه, والأخ علي اخيه!! وكأنهم تخلصوا من احتلال خارجي ليقعوا في أسر احتلال داخلي علي يد أناس من بني جلدتهم, الي أن جاء حكم مبارك الظالم وبطانته الفاسدة التي لم تتق الله في شعب مصر الفقير وعاثوا في البلاد نهبا وخرابا, ثم قامت ثورة25 يناير2011 التي جاءت بحكم الاخوان المسلمين, فإذا بالحال هو الحل, بل ويصير من سييء الي أسوأ. أسوق كل هذا لكي أدلل بأن تاريخ مصر كله أو في معظمه عبارة عن اننا نخرج من حفرة لنقع في حفرة أعمق منها, تاريخ كله عذاب وشقاء, فمتي يستريح هذا الشعب؟ وكيف تعود مصر فتية, قوية, حضارية, وهذه حالها التي لم تتغير منذ سنوات طويلة؟ أما أن شعب مصر قديم وجيناته تحمل سر صلابته فهذا أكيد ولكن ما الفائدة التي عادت عليه من صلابته؟ فهو مازال يعيش في فقر وذل من الأجداد الي الأحفاد وأحفاد الأحفاد, اما ان مصر بقيت عصية علي مخططات الاعداء لأن لها جيشا وطنيا محترما فهذا أمر مفروغ منه, ولكن لماذا نستبعد أن يحدث لمصر لا قدر الله ما حدث في السودان والعراق؟ ألم يكن جيش العراق وطنيا وقويا؟ وما رأيكم فيما يتعرض له جيش مصر العظيم من الاهانات والاستفزازات حتي كاد الاعداء أن ينجحوا في الوقيعة بينه وبين الشعب؟ ولو كان هذا قد حدث لا قدر الله, لأصبحنا مثل العراق لا محالة, خاصة في وجود المتربصين بنا من الأفاعي والشياطين الذين ينفثون السموم ويوقظون الفتنة من نومها لتفعل فعلتها في أبناء الوطن الواحد واستمرار هذا العبث السياسي الذي نعيش فيه منذ قيام الثورة. فنحن بجهلنا ورعونتنا نعطي الفرصة لأعدائنا ليحققوا هدفهم بل ونسلمهم بأيدينا المعاول التي يهدومننا بها, فالله قدر للمسلمين الهزيمة في غزوة أحد برغم وجود رسوله الكريم بين ظهرانيهم لمجرد انهم خالفوا أمر النبي صلي الله عليه وسلم, تري كم من أوامر خالفنا فيها الله ورسوله؟ وخاصة من دعاة التشدد الذين يدخلون في الدين ما ليس منه في شيء ويفتون بما لا يعلمون. محاسب صلاح ترجم حلوان