يا سيدي.. ما أشق الخيانة.. لو يعلم المحبون ما عذاب الغدر لآتروا الزهد في الدنيا.. أشعر باليأس المميت والغضب القاتل.. أحس بالعذاب والهوان والكبرياء الذبيح نارا موقدة تشعل دمي أصبحت كالسفينة الضالة بلا ركاب وتحملها الرياح كيفما تشاء.. تحطم قلبي بقسوة شنيعة ومزق نفسي الألم البالغ.. ملعون ذلك الحب أنه قلق معذب يسكن القلب وحنين موجع وشعور الغريق بالحاجة إلي التنفس والهواء. يا سيدي. الغدر القاتل يجثم علي صدري مثل قطعة من الزمهرير.. تلك التي تقف أمامكم ويسري في جسدها صمود غريب كالموت.. غرست في قلبي نصل سكين بارد ولوثت شرفي وسمعتي وارتمت في أحضان آخر ولم يتبق لي منها سوي الذكري الأليمة. يا سيدي كيف أترك لها فلذات الكبد وهي التي هجرتهم لترتمي في أحضان آخر بعد ان انتشلها من الفقر والحرمان وتوجتها أميرة في مملكتي. انطفأت روح كانت تشع من وجه الرجل.. وكفاه يرتعشان كأنما يلمس نارا موقدة.. وحول وجهه هالة من ذبول افقدت نظرة عينيه بريقها.. وبدأ يسرد للمحكمة تفاصيل رحلة زواجه من بنت القهوجي وانتقالها من الحارة إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية!! وعلي الجانب الآخر وقفت الزوجة في صمود غريب لم تبد حراكا ولا بكت ولا صرخت. ولم تتأثر بكلماته وسهمت إلي شيء غير منظور في هدوء غريب. وقال الزوج يا سيدي تركت العنان لعواطفي ولم استطع كبح جماحها أمام ذلك الجمال الفتان الذي يقف أمامكم كم مرت الدقائق والساعات وأنا أترقب شروق الشمس حتي تخرج تلك الملعونة مع أبيها في المقهي وأمتع عيني بالنظر اليها كم حسبت الزمن بتردد أنفاسها وخفقان قلبها كانت تبدو لي مثل شعلة من الأمل والفرح.. الوساوس لم تجد فرصة للعبث بقلبي.. وقررت الزواج منها رغم وجود ألف مانع وتصديت لعائلتي وتزوجتها رغما عن أنف الجميع ولكنها لقنتني درسا في الندالة لن أنساه أبد الدهر. يا سيدي منذ ان تفتحت عيناي علي الدنيا وجدت نفسي اعيش بين عائلتي في الولاياتالمتحدةالأمريكية فقد شد والدي ووالدتي الرحال عقب زواجهما بعامين واستكملا دراستيهما وطابت لهما الحياة هناك وبعد أعوام وأعوام هاجر الينا الأعمام والأخوال والجدات وانتهي بعائلتي المطاف في أمريكا. ولكن سيدي كل عام كنا نشد الرحال إلي مصر لقضاء الإجازة السنوية وكنت أذرف الدموع وأنا عائد إلي أمريكا وأتوسل لوالدي ان يتركني لدي جدتي لأمي ويرحل بصحبة أمي وبقية أشقائي فقد كنت أعشق كل ذرة في تراب أرض الكنانة أكثر من أي مكان في العالم وقررت ان أتزوج من فتاة مصرية نشأت وترعرعت وشبت في أرض الكنانة لأتنسم فيها رائحة بلدي واتباهي بخصالها الطيبة أمام أصدقائي الذين تزوجوا من أجنبيات. مر العام تلو الآخر سيدي حتي حصلت علي بكالوريوس الهندسة في أمريكا وبعدها قررت الزواج وعدت إلي مصر بصحبة أسرتي للبحث عن شريكة العمر وبينما كنت أقف في شرفة شقتنا بحي المنتزه بالاسكندرية فإذا ببصري يقع علي فتاة لم يتجاوز عمرها الخامسة عشر ربيعا تقف في المقهي مع والدها وتسمرت قدماي أمام جمالها.. فلم أر يا سيدي ذلك الجمال من قبل. وجها ملائكيا تكسوه حمرة الخجل وروحا جميلة تشع من نفسها وذابت كل الفوارق أمام جمالها وقررت ان أتزوجها حتي لو كان بيني وبينها الف حاجز. أسرعت لغرفة والدتي وأيقظتها من نومها لتري عروس أبنها الأكبر وجذبتها بقوة من يديها لتطل علي شريكة العمر من النافذة وشهقت أمي شهقة كادت تزهق روحها وتساءلت في غرابة هل تريد الزواج من ابنة القهوجي.. اترغب في الزواج من فتاة تقدم الشاي والقهوة للزبائن.. هل نفدت كل بنات مصر ولم يتبق منهم سوي تلك الصعلوكة التي تطوف علي كل المحال لجمع الأكواب الفارغة وجمع الحساب ونهرتني والدتي واتهمتني بالجنون وأسرعت لوالدي لتزف اليه خيبة ابنها الأكبر. كاد أبي هو الآخر يفقد عقله كيف يضع يده وهو العالم الكبير في مجال الهندسة الوراثية في يد قهوجي وكيف يتزوج ابنه من فتاة حصلت علي الشهادة الابتدائية بشق الأنفس وبدأت التصادمات مع أسرتي وصممت ان أتزوج من فتاتي الجميلة رغم أنف كل عائلتي وتم الزواج دون مباركة العائلة وعدت بعروسي إلي أمريكا واقمت مع والدي في الفيلا التي يملكها ومرت الشهور الأولي وبدأت الفوارق بيني وبين زوجتي تطفو علي سطح حياتنا من طريق حديثها وملبسها ومأكلها والجهل الذي تتلفح به فقررت ان أساعدها علي استكمال دراستها واصلاح ما أفسدته الحارة ولأن سنوات عمرها قد تجاوزت سن الالتحاق بالمدرسة الاعدادية في أمريكا قررت ان الحقها بإحدي المدارس في مصر وكانت تعود لمصر لأداء الامتحانات ثم ترجع إلي عش الزوجية في أمريكا وتمكنت بمساعدة والدتي وشقيقاتي من تغييرها حتي اصبحت برنسيسة العائلة ونجحت وتفوقت حتي وصلت إلي الجامعة والتحقت بكلية الآداب جامعة الاسكندرية. يا سيدي.. ولأني كنت أخشي عليها وعلي أطفالي الثلاثة من الحارة اشتريت لها شقة فارهة علي كورنيش الاسكندرية لتقيم فيها أثناء فترة الامتحانات واستأجرت خادمة لتتولي رعاية أطفالي حتي لا تنشغل بهم عن مذاكرتها وكنت أتصل بها في اليوم عشرات المرات للاطمئنان عليها وأطفالنا. يا سيدي هل بعد ذلك ترون سيادتكم انني استحق الخيانة.. هذا ما حدث بالفعل فقد ارتجفت أوصال زوجتي لزميلها في الجامعة ونشأت بينهما علاقة حب تحولت إلي علاقة غير مشروعة. ألم تعلم سيدي ماذا رأيت عندما فتحت باب الشقة فوجئت بتلك الأفاقة الكذابة ترقد بين أحضان الآخر وفي الغرفة المجاورة يرقد أطفالنا الثلاثة. انتفضت واقفة كطير فزع عندما رأتني. اندفع الغضب من قلبي إلي قبضة يدي حتي شوهت وجهها الجميل وتفرست كل ذرة في جسدها وتركتها والدماء تنزف من كل شبر في جسدها هل تستحق تلك الملعونة ما ترغبه من نفقة وحضانة الصغار هل ترون أنها الأجدر برعاية أطفالنا وان يكونوا في حضانتها أنا في أنتظار قضائكم وانصافكم سيدي الفاضل. محكمة.. بعد الاطلاع علي الأوراق والاستماع لأقوال الشهود قضت المحكمة برئاسة المستشار محمود خليل بسلب حضانة الزوجة الخائنة لصغارها وضم حضانتهم لأبيهم رفعت الجلسة.