لا تحظي مهرجانات سينمائية كثيرة في العالم مثل الذي يحظي به' مهرجان فسباكو' عند الأفارقة, فهو احتفال وكرنفال حقيقي أكثر من كونه مجرد مهرجان, وهو أيضا علامة فارقة علي قدرة السينما الأفريقية علي مر السنوات علي الصمود في ظل محاولات تهميشها, وعلي قدرة قارة أفريقيا بشكل عام علي صنع المدهش والجميل والأصيل معا. ويعد مهرجان فسباكوهو أقدم مهرجانات القارة الافريقية بلا منافس, بل وأقدم من كل مهرجانات العالم العربي, ففي عام1969 اجتمع مجموعة من عشاق السينما علي رأسهم السيدة' اليماتا ساليمبيري' وقرروا أن يصنعوا تجمعا للفن السابع في واحد من أفقر بلاد العالم, وقتها كان عدد كبير من الدول الأفريقية قد تحرر لتوه من سطوة الاستعمار, وتخرج عدد كبير من رواد السينما الافريقية من معاهد السينما الشهيرة في العالم' كالفجيك الروسي والوودج البولندي والايديك الفرنسي' وكان فيلم( سوداء) للمخرج السنغالي' عثمان سمبين' هو الفتح الحقيقي للسينما الافريقية الوليدة. جرت في النهر مياه كثيرة, وتطورت السينما الإفريقية شكلا ومضمونا, وأصبح' الفسباكو' هو عنوانها في درجة حرارة لا تقل عن أربعين درجة مئوية, وفي نهاية شهر فبراير من الأعوام الفردية يحج أغلب محبي السينما إلي' بوركينا فاسو' ليشهدوا تفاعلا مذهلا قل أن تجده في مهرجان سينمائي, فسباكو لايختلف عن مهرجاناتنا في وجود أخطاء تنظيمية كبيرة, لكن يظل لهذا المهرجان ألقه وقدرته الفذة علي خلق حالة سينمائية متلألئة وبراقة تزهو به النفوس وتسعد, من الممكن أن تجد محب للسينما قادم من دولة' بنين' المجاورة ل'بوركينا فاسو' قاد سيارته لألف كيلومتر لكي يحضر العروض ولا يغيب عن الاحتفال, وقد تجد أيضا فرنسي أو أمريكي قاد هو الآخر سياراته عبر افريقيا من' المغرب' إلي' مالي' وصولا ل' بوركينا فاسو' في رحلات معروفة يستمتعون فيها بسحر الطبيعة في القارة البكر وهم يقطعون الطريق نحو الكرنفال الكبير. هذا العام أسعدني الحظ باختياري كعضو لجنة تحكيم مسابقتي الأفلام القصيرة وأفلام الطلبة ب'مهرجان فسباكو' ورغم كونها اللجنة الدولية رقم11 بتاريخي المهني إلا أنها كانت أفضل لجنة شاركت بها, لسببان أولهما: الروح الطيبة لكل زملائي باللجنة والأجواء الاحترافية التي مارسنا بها العمل, اتفقنا منذ البداية علي كيفية احترام اختلافاتنا وذائقتنا المختلفة للسينما وطريقة مناقشة الأفلام أولا بأولا, حتي اذا جاء اليوم النهائي للمداولات فلم نستغرق أكثر من ساعة لاختيار ستة أفلام فائزة في فئتي الأفلام التي نقوم بتحكيمها. فاز بالجائزة الذهبية لأفضل فيلم قصير التونسي' أنيس الأسود' عن فيلمه' سباط العيد', وهو قصيدة شعر عن طفل يتمسك بحلمه في الحصول علي' حذاء مزين بأجنحة', ولايتخلي عن حلمه أبدا حتي يتم تحقيق له ما يتمني, قدرة رائعة من المخرج علي إدارة الممثلين وضبط الإيقاع والاختيار الموحي بأماكن التصوير إلي حد المزج الهارموني بين السرد الروائي والرسوم المتحركة, لكن الملفت هذا العام في' فسباكو' هو التركيز بشكل قوي علي النساء إلي حد اختيار كل رؤساء لجان التحكيم الرسمية المختلفة بالمهرجان من بينهن, فجاءت نجمة نجوم الإخراج بأفريقيا المخرجة' أوزهان بالسي' من' المارتينيك' رئيسا لجنة تحكيم الافلام الروائية, وجاءت المخرجة الكينية' وانجيرو كينيانجوي' رئيسة للجنة تحكيم الأفلام القصيرة وأفلام الطلبة, والمخرجة الكاميرونية' أوزفالد ليوات' رئيسة للجنة تحكيم الأفلام التسجيلية, والاستاذة الجامعية' بيتي أليرسون' رئيسة لجنة تحكيم أفلام' الدياسبورا' وأفلام المهاجرين, ويبقي الحدث الجميل هو حصول النساء علي أهم جوائز مهرجان فسباكو مثل التونسية' نادية الفاني' التي حصلت علي جائزة أفضل فيلم تسجيلي عن فيلمها' ليس سيئا' والجزائرية' جميلة صحراوية' الجائزة الفضية للأفلام الروائية عن فيلمها' ييما' والاجولية' بوكاس باسكوال' جائزة الاتحاد الأوروبي, وفي النهاية فإن المرأة الأفريقية تثبت من خلال هذا المهرجان قدرتها علي المواجهة والابداع وطرح كل القضايا الهامة بقارتها السمراء, إنها حتما ستخرج من أي تهميش لحق بها وتقف في المكانة التي تستحقها بأفكارها وابداعاتها.