ليس صحيحا أن نصوص الدستور الجديد تمنح رئيس الجمهورية سلطة استبدادية.لقد أقامت سلطة تنفيذية برأسين, وأعطت رئيس الوزراء والحكومة معظم السلطات الخاصة بإدارة الشئون الداخلية أما السلطات المحدودة لرئيس الجمهورية في هذه الشئون فلا يتولاها إلا من خلال الحكومة, فيما عدا بعض الاستثناءات التي يمارسها بنفسه, وإن لم يخل الأمر من مشاركة الحكومة بشكل ما. كذا أنشأ الدستور مجلسين أحدهما للأمن القومي, والآخر للدفاع الوطني, يهيمنان علي باقي السلطات التي يمارسها الرئيس بنفسه والخاصة بالدفاع والأمن القومي والسياسة الخارجية, يرأسهما رئيس الجمهورية, ويضمان في عضويتهما لفيفا من المسئولين والوزراء الذين ينتمون للحزب- أو الائتلاف الحزبي- الحاكم بالضرورة. الآن وقد آلت الأحوال إلي حد مطالبة قطاعات واسعة من الجماهير بعودة الجيش لإدارة الدولة من جديد,بات علينا إدراك حقيقة الخطيئة التي تشاركنا في ارتكابها جميعا بعد الثورة,عندما اندفعنا بغير وعي لإبعاد الجيش عن المشهد السياسي تماما,مستغلين خطايا المجلس العسكري السابق,ومتوهمين أن استعجال غياب الجيش الوطني من الساحة السياسية سوف يعني الانتقال الفوري للحكم المدني الليبرالي. لقد كان اختفاء القوات المسلحة من المشهد السياسي دون تحقيق الخطوات التي تضعنا علي البداية الصحيحة باتجاه الحكم الليبرالي, هو سر استمرار مشاكلنا وتصاعدها, ورجحان استمرارها مالم نتدارك الأمر.لو درسنا تجارب التحول السياسي حولنا ماكنا رددنا ذلك الهتاف السقيم يسقط حكم العسكر ولا شجعنا محاولات توجيه المظاهرات لمقر وزارة الدفاع للهجوم عليها. كان أول مافعله الاحتلال الأمريكي في العراق هو حل القوات المسلحة, كما كان اختفاء القوات المسلحة من المشهد السياسي هو بداية عهد الرئيس الروسي المنتخب, يلتسين بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق.في الحالين وأحوال مماثلة انتهي الأمر إلي الفوضي والاحتراب الداخلي, مازالت العراق تعانيه حتي اليوم برغم وجود رئيس وحكومة منتخبين.أما روسيا فلم يعصمها من هذه الحال إلا ابتداع الرئيس بوتين لشكل جديد من الحكم السلطوي. الأحوال التي نجحت في التحول إلي الحكم الليبرالي في أوروبا وأمريكا اللاتينية, هي الأحوال التي ظل الجيش فيها موجودا في المشهد السياسي راعيا وضامنا للتحول السياسي حتي استقرار النظام الجديد. والنصوص الدستورية الجديدة, تقدم لنا الحل السليم للخروج من الأزمة الطاحنة الحالية, وتجنبنا مخاطر الدعوة لعودة الجيش إلي المشهد السياسي بالشكل الفاشل الذي أعقب تنحي مبارك. يمكن للرئيس مرسي أن يبادر بالدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة عقب انتهاء مواعيد انتخابات مجلس النواب القادم. ونظن أن ذلك سوف يكون خيارا مربحا للرئيس وجماعته وحزبه في جميع الأحوال. وإذا لم تتم الانتخابات- لاقدر الله- أو تمت وفقد حزب الرئيس أكثريته. ففي الحالة الأولي سوف يثبت عجزه الكامل عن إدارة شئون الدولة, وفي الحالة الثانية سوف يكون فقد حزبه للأغلبية مؤشرا علي فقد الرئيس لثقة الشعب.أما إذا احتفظ حزب الرئيس بأكثريته النيابية, فإن الانتخابات الرئاسية المبكرة ستكون مكسبا للجميع. سيكون بالإمكان طرح مرشح رئاسي من خلفية عسكرية ليكون ترشحه اختبارا حقيقيا لمدي قوة الدعوات التي تطالب بعودة الجيش للمشهد السياسي. فإذا فاز بالرئاسة تحققت الفرصة التاريخية للخروج من الأزمة عبر الدستور وليس بالانقلاب عليه.وسوف يصبح لدينا رئيس دولة ينتمي للمؤسسة الوطنية المحايدة التي هي مصدر القوة والوحدة والانتماء الوطني المجرد في جميع الدول الوطنية الحديثة.وسوف تختفي جميع الادعاءات المعارضة حول أخونة الدولة,وتتوافر الفرصة لقوي المعارضة للانفتاح الحقيقي علي طريقة إدارة الدولة,وكيفية تسيير عمل أجهزتها,وسوف يكون مجلسا الدفاع الوطني,والأمن القومي مدرسة التدريب للقيادات المدنية علي أمور الدفاع والأمن القومي والسياسة الخارجية, عبر مجلسين يرأسهما رئيس من المؤسسة التي تختص بهذه الوظائف تحديدا.سوف تنضج علي نار هادئة نخبة مدنية عسكرية تقود البلاد في المرحلة القادمة.سوف يربح الحزب الحاكم السلطتين التشريعية والتنفيذية بما لهما من سلطات أساسية تمثل العصب الحقيقي للسلطة طبقا لنصوص الدستور, ويصبح صاحب التمثيل الأوفر في مجلسي الدفاع الوطني والأمن القومي. ستربح أحزاب المعارضة وجود الرئيس المحايد الذي سيمكن لها من النمو الآمن لتصبح آداة التوازن السياسي في البلاد, ستتمكن الشخصيات العامة التي أفرزتها فاعليات الثورة كالسادة, عمرو موسي,وحسام عيسي, وعبد الجليل مصطفي وجورج اسحق, وسمير مرقص,وحمدي قنديل وغيرهم من أدوارهم الحقيقية بعيدأ عن المشاحنات والمنافاسات الحزبية سيتوافر لأجهزة الدولة وهيئاتها العامة وفي طليعتها جهاز الأمن الوقت والهدوء لإعادة بناء نفسها وفق المعطيات الثورية الجديدة.سيرسخ الرئيس مرسي دوره التاريخي كصاحب أول تقليد ليبرالي في التاريخ المصري قدوما وذهابا,فإذا فاز ألقم معارضيه حجرا,وإذا لم يترشح أو خسر أسقط-وجماعته- جميع دعاوي معارضيهم حول هيامهم الجامح بالسيطرة والسلطة. أما القيادات الشعبية الثلاث( صباحي والبرادعي وأبوالفتوح) التي كشفت فاعليات الثورة عن حجم استحقاقاتها وقدراتها, فسوف تبدأ مهمتها التاريخية الحقيقية وهي برأيي-إصدار الطبعات الجديدة من التيارات القومية والليبرالية والإسلامية,والتمكين للجيل الجديد-جيل ثورة يناير- من تبوؤ استحقاقه التاريخي في قيادة البلاد.