أمرت نيابة قصر النيل برئاسة المستشار سمير حسن, أمس, بإرسال الطلقات المستخرجة من جسم الناشط السياسي محمد الشافعي وملابسه للطب الشرعي للفحص. كانت أمل عباس والدة محمد الشافعي(21 عاما طالب بمعهد الحاسبات والبصريات), قد قالت أمام محمد بعيزق وكيل أول النيابة, إن نجلها خرج يوم الثلاثاء29 يناير الماضي الساعة السابعة ولم يعد, ثم حررت محضرا باختفائه, مشيرة إلي أنها بحثت عنه في كل أقسام الشرطة والمستشفيات ومراكز الأمن المركزي, بالإضافة إلي مشرحة زينهم التي ذهبت إليها ثلاث مرات لعلها تجد ابنها ضمن الجثث المجهولة, ولكن كان هناك تعتيم كامل متعمد عن وجوده فيها, ثم اكتشفت بعدما تناولت الأهرام وبعض وسائل الإعلام قضية اختفاء ابنها- اكتشفت الأم المكلومة وجوده في مشرحة زينهم ما يقرب من الشهر, مما أوصل بالجثة إلي حالة لا يرثي لها, وكادت تختفي معالمها, واكتشفت الأم أن ابنها مضروبا بثلاث رصاصات, رصاصتان في الجبهة وثالثة في الصدر, فعرفت السر الذي كانوا من أجله يخفون جثته. الأهرام التقت الأم المكلومة التي قالت وهي تنتحب: وزارة الداخلية ومستشفي الهلال ومشرحة زينهم مافيا للتستر علي قتل المتظاهرين, لقد تعرفت علي جثة محمد من شعره.. والمشرحة أخفت وجوده لمدة شهر رغم أنها التقطت له80 صورة في30 يناير لتنشر في الجرائد الرسمية وأقسام الشرطة ولكن هذا لم يحدث. تقول أم الشهيد ذقت ألوانا من العذاب, خلال رحلة البحث عن ابني, حتي تورمت قدماي, وانهارت أعصابي, من كثرة التردد علي المستشفيات وأقسام الشرطة ومشرحة زينهم والنيابة العامة, دون جدوي, ولكنني كان ينتابني من حين إلي آخر إحساس بأنه مازال علي قيد الحياة, ولم أفقد الأمل, وواصلت البحث عنه, وكنت أغادر بيتي كل يوم في السابعة صباحا ولا أعود إليه إلا بعد منتصف الليل بصحبة إخوتي. وتسترجع أم الشهيد ذاكرتها إلي آخر حوار دار بينها وبين الشافعي فتقول: كنت أجلس مع ابني أمام التليفزيون فشاهد مسيرة تتجه من السيدة زينب إلي ميدان التحرير, فأبدي رغبته في الالتحاق بها, فتوسلت إليه, ألا يخرج, وقلت له الداخلية معها أسلحة يا محمد وانتم عزل, فرد علي الشافعي قائلا: سلاحنا يامي أن نكون يدا واحدة. وتروح الأم المكلومة في نوبة من البكاء, ثم تلملم أنفاسها وتقول: بعدها بساعتين حاولت الاتصال به, لكنه لم يرد علي وأصبح هاتفه خارج نطاق الخدمة, كما أصبح حبيبي محمد خارج الدنيا. وتضيف الأم: شخصيات كثيرة حاولت مساعدتي في البحث عن ابني, وأوصلوني إلي سكرتير وزير الداخلية, الذي قال لي بعد يومين من مقابلته: لينا عزومة كبيرة عندك إن شاء الله, هجيب محمد وأجيلك. لكنه لم يأت ولم ينفذ وعده, لأن محمد كان قد استشهد. وتتنهد الأم ثم تقول: وعندما ذهب شقيقي إلي المشرحة من جديد ليسأل عن محمد استقبلوه هناك دون تعقيد للأمور, ورحبوا به جدا, فأخبره الموظف المختص عن احتمالية وجود المواصفات التي يبحث عنها بداخل المشرحة, فطلب أخي منه الدخول بسرعة, فقال له الموظف: كنت انتظر منك ذلك تفضل, ثم دخل شقيقي وبسرعه فائقة تعرف علي ابني, ووجد إلي جواره ورقة مدونا بها تاريخ وكيفية دخوله المشرحة, واكتشف وجوده بالمشرحة منذ شهر تقريبا, رغم أن أقدامنا قد تورمت من كثرة التردد عليها, والسؤال عنه. ثم هاتفني ليطلب مني الذهاب إلي أحد المستشفيات للتعرف علي مريض فقد ذاكرته, لكن بعد وصولي إلي هناك طلب منيي الذهاب معه إلي المشرحة للقاء شقيقنا الثالث, هناك التقتني غادة شهبندر الناشطة بإحدي مراكز حقوق الإنسان, وأخبرتني برفق بخبر وفاة محمد فتماسكت قليلا, ودخلت أبحث بين الجثث عن ابني, فوجدت جثته, ولكن وجهه كان قد ذبل وتغير, وغارت عيناه وأحسست وكأنه محروق. يخفت صوت الأم الثكلي وهي تقول والدموع تنهمر من عينيها: تعرفت عليه من خلال شعره وحاجبيه, ووجدت جبهته مصابة برصاصتين نافذتين, وصدره مصابا برصاصة ثالثة, وهو ما أكدته الصور التي التقطتها المشرحة لجثته, فور وصوله إليها. تستكمل الأم حكاية فقيدها الشهيد: سألت عن ملابسه التي كان يرتديها فأخبروني بأنه وصل المشرحة قادما من مستشفي الهلال دونها, وهنا انهرت تماما ولم أفق من الصدمة إلا في اليوم التالي, وطلبنا من المشرحة تقرير الطب الشرعي لكنه لم يظهر حتي الآن, رغم أن الجثة جري تشريحها في مستشفي الهلال يوم30 يناير, ومنعتنا المشرحة من تسلم الجثة حتي عمل تحليل الحامض النووي(D.N.A). تأخذ السيدة نفسا عميقا ثم تقول: قالوا إن العينة التي سحبوها للتحليل تعفنت ويحتاجون إلي عينة جديدة للتأكد من شخصيته, ثم يسلمونه إلينا, وظهرت النتيجة أخيرا وتضيف: لولا ضغط أجهزة الإعلام ومنظمات المجتمع المدني علي الداخلية لما اكتشفنا وجود محمد بالمشرحة إلي الآن. وتفجر الأم مفاجأة بأن هناك العديد من الجثث المجهولة في انتظار ذويها, ويوجد طابق ثان بالمشرحة لا يعرفه الناس يخفون به جثثا أخري. وتستعيد الأم قوتها وهي تتساءل: لماذا أخفت المشرحة وجود ابني بها لمدة شهر, وقد التقطت له80 صورة فور دخوله إليها يوم30 يناير؟ ولماذا تأخر صدور تقرير الطب الشرعي؟ ومن الذي أطلق عليه الرصاصات الثلاث؟. وبدورنا نحيل هذه الاسئلة الي النائب العام..