تلقيت بطاقة رقيقة وبسيطة من اللواء أركان حرب نبيل سعد الخميسي مدير جمعية المحاربين القدماء وضحايا الحرب, ومعها وردة حمراء جميلة سماها:( وردة الوفاء). لتثبيتها في عروة السترة بمناسبة يوم الشهيد والمحارب القديم الذي يوافق الذكري الرابعة والأربعين لاستشهاد الفريق أول عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة في التاسع من مارس1969 اثناء وجوده في الخطوط الأمامية علي حافة مياه قناة السويس وتفقده قواته إبان حرب الاستنزاف المجيدة, وآثارت البطاقة والوردة جيشانا عاطفيا كبيرا في نفسي, اذ تذكرت مشهد موكب الجنازة الحاشدة للفريق عبدالمنعم رياض الذي مر تحت بيتنا في ميدان طلعت حرب, حيث كان مسار الجنازات الرسمية وقتها يبدأ من جامع عمر مكرم بميدان التحرير, وصولا الي جامع جركس في شارع صبري ابوعلم.. ووسط كتلة الناس الحزينة والدموع التي رسمت خطوطا عشوائية لامعة علي الوجوه وقبضات الأيادي التي لوحت في الهواء غاضبة, والحناجر التي رج هتافها فضاء وسط البلد, كان الزعيم جمال عبد الناصر محاطا بقلوب الناس قبل أجسادهم, وبمطالباتهم الصارخة بالثأر وتحرير الأرض المحتلة( سيناء التي روت الدماء رمالها لو كنتم تذكروني).. كانت احدي لحظات عناق الشعب وقواته المسلحة, وواحد من تجليات معركة نبيلة وباسلة يحفظ جيلي وقائعها عن ظهر قلب, ويعرف بسببها وغيرها من الوقائع قدر الجيش ومعني بطولات رجاله.. طريق طويل أفضي الي لحظة استشهاد رياض. عشت ردحا من الزمن في لندن, وكان واحدا من المشاهد التي لاتنسي بالنسبة لي ما يسمي يوم الذكريmemorial-day الذي يوافق يوم معركة بريطانيا ضد النازي في الحرب العالمية الثانية وفيه تقوم الملكة بنفسها بوضع إكليل من الزهور الحمراء علي النصب التذكاري في وايت هول( حي الوزارات مثل لاظ أوغلي عندنا), وتستعرض طابورا عسكريا من قدماء المحاربين, وترصع صدور الجرحي بالأوسمة فتنقل للأجيال جميعا, معني تقدير الأمة لأبطالها ولرجال القوات المسلحة الذين تعني وظيفتهم أن تقول لهم في لحظة معينة: اذهبوا لتموتوا فيفعلون عن طيب خاطر من أجل بلادهم.. وتحيط ذكري هذا المشهد في ذهني مئات الآلاف من الورود الحمراء يثبتها الناس من جميع الأجيال في ستراتهم, ويشترونها من كل المتاجر, ويخصص ثمنها لرعاية جرحي الحرب.. أفهمنا.. أم نعيد من الأول؟!