حين تحاور الدكتور علاء علوان مدير منظمة الصحة العالمية لمنطقة الشرق الأوسط حول الحالة الصحية للمصريين فأنت في حيرة.. وحتما سيكون السؤال: من أين تبدأ؟ تبدأ الحوار من فيروسات الكبد التي تلتم الأكباد, لدرجة أن نحو12 مليونا يحملون الفيروسات بالفعل؟.. أم تبدأ من الأمراض الشائعة التي تهددهم مثل أمراض القلب, والأوعية الدموية, والسكري, والسرطان, وأمراض الرئة المزمنة, وهي المسئولة عن50% من حالات الوفاة؟.. أم تفتح معه ملف المستشفيات بمشاكلها المالية, وإمكاناتها المتواضعة؟.. أم تناقشه في العادات الغذائية الضارة ونقص الوعي الصحي؟.. أم تفتح معه ملف الاكتئاب الذي أصاب المصريين بسبب العوامل النفسية والظرف السياسية التي تمر بها البلاد؟.. في الحقيقة ناقشناه في كل ذلك.. فتحنا معه ملف الحالة الصحية للشعب المصري صفحة صفحة.. وإلي التفاصيل: ما الدور الذي تقوم به منظمة في منطقة الشرق الأوسط؟.. وما القضايا الصحية التي تضعونها في مقدمة أولوياتكم؟ - د. علاء علوان: منظمة الصحة العالمية هي إحدي منظمات الأممالمتحدة, وتهتم بالعمل الصحي العالمي, وفي سبيل تحقيق ذلك الهدف تم تقسيم العالم إلي6 أقاليم هي إقليم شرق المتوسط, والإقليم الإقريقي, والأوربي, والأمريكي, وجنوب شرق آسيا, وغرب المحيط الهادي,, ومن ثم يختص مكتب إقليم الشرق الأوسط- ومقره القاهره- بأحوال الصحة في جميع الدول العربية بالإضافة إلي باكستان, وأفغانستان, وإيران, ويستثني من ذلك موريتانيا والجزائرحيث يتبعان الإقليم الإفريقي. 5 أولويات صحية ونتيجة لدراسات عميقة أجرتها المنظمة خلال العام الماضي حول الوضع الصحي لإقليم الشرق الوسط, وخاصة الدول العربية, والتحديات التي تواجهها الأنظمة الصحية في مواجهة الأمراض المختلفة, قررنا التركيز علي5 أولويات صحية تواجه الإقليم, ومنه الأمراض غير السارية وتشمل أمراض القلب, والأوعية الدموية, والسكري, والسرطان وأمراض الرئة المزمنة, لاسيما أنه تبين لنا عبر دراسات مستفيضة أنها تمثل السبب الرئيس للوفيات في كافة الدول العربية بلا استثناء, وهذه المجموعات الربع من الأمراض قاتلة, وهي تمثل أيضا سببا رئيسيا في العجز, والوفاة المبكرة.. وهناك4 عوامل خطيرة تؤدي إلي الإصابة بالامراض السالف ذكرها يأتي في مقدمتها التدخين, والتغذية غير الصحية, والخمول البدني, واستعمال الكحول علي نحو ضار. وتكشف الإحصاءات أن ما لا يقل عن30% من المصريين البالغين مصابون بارتفاع ضغط الدم, بسبب التوتر الذهني المستمر, والعوامل النفسية, والظروف المحيطة, لكن السبب الأساس في الإصابة به هو العادات الغذائية غير الصحية, وقلة النشاط البدني, كما أن ارتفاع ضغط الدم يعد سببا رئيسيا في الإصابة بأمراض القلب, والسكتات الدماغية, يضاف إلي ذلك أن نحو20% من المصريين- علي أقل تقدير- مصابون بداء السكري. وقد تبين لنا إن أكثر من60% من النساء المصريات مصابات بداء السمنة, وتتركز نسبة البدانة والسمنة المفرطة في المناطق المصرية مدنية الدخل, عن المجتمعات الغنية, وهناك علاقة مؤكدة بين الفقر والأمراض غير السارية( أمراض القلب, والأوعية الدموية, والسكري, والسرطان, وأمراض الرئة المزمنة). قلت: لماذا تنتشر تلك الأمراض في المناطق المصرية الفقيرة عن مثيلتها الغنية داخل الدولة؟ مدير منظمة الصحة العالمية: الأسباب واضحة, ففي هذه المناطق الفقيرة تغيب الثقافة الصحية, ويلجأ السكان إلي تناول الغذاء غير الصحي, بالتركيز علي تناول النشويات والدهون, والسكريات, والأغذية رخيصة الثمن, وتجهل الأطعمة الصحية اأخري, كالفاكهة, والخضروات. قد توصلت دراسات المنظمة إلي إنخفاض نسبة الإصابة بالأمراض المعدية, فيما ارتفعت معدلات الإصابة بأمراض القلب, والأوعية الدموية, والسكري, والسرطان, وأمراض الرئة المزمنة, وهذه الأمراض مسئولة عن أكثر من50% من حالات الوفاة في مصر, و70% في دول الخليج, والسبب يرجع كما ذكرنا إلي التدخين, والسمنةن وقلة النشاط البدني, كما أن أعلي نسبة إصابة بالسكري موجودة في العالم العربي, ذلك أن السكان لا يمارسون الرياضة, ولا يبذلون القدر الكافي من النشاط البدني الذي يحرق الغذاء, ويحوله إلي مواد مفيدة للجسم, وبالتالي أصبح إقليم الشرق الأوسط من أكثر أقاليم العالم التي تعاني من الخمول, وقلة النشاط البدني. نواجه تحديات كبيرة في التصدي لالتهاب الكبد الوبائي والبلهارسيا ووفيات الأطفال بسبب الإسهال وقد نجحنا في السيطرة علي الأمراض المعدية, لكن لا تزال لدينا مشكلة في مكافحة الأمراض السارية( الفيروسية), مثل التهابات الكبد الوبائي, والبلهارسيا, وأمراض الإسهال لدي الإطفال, صحيح أننا حققنا تقدما كبيرا في خفض وفيات الأطفال والأمهات, لكن لا يزال أمامنا طريق طويل لكي نحقق قدرا أكبر في خفض وفيات الأطفال في العالم العربي, والذين يلقون حتفهم بسبب الإسهال وأمراض الجهاز التنفسي.. وقد توصلنا في منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط إلي أننا نحتاج إلي تكثيف الجهود في10 دول لمكافحة وفيات الأطفال, كما نحتاج إلي ضرورة الإسراع في وتيرة العمل لخفض هذه المعدلات. والإيدز؟ د. علوان: توصلت دراساتنا حول معدلات الإصابة بمرض الإيدز في العالم العربي, إلي أن إقليم الشرق المتوسط يحتوي علي أقل عدد من المصابين بالإيدز, ولكن ذلك لا يدفعنا للإطمئنان, فخلال السنوات العشر الماضية اكتشفنا أن عدد المصابين أقل لكن نسبة الزيادة في الإصابة بالفيروس القاتل أعلي بالمقارنة مع الإقليم الإفريقي, أي أن أعداد المصابين بالإيدز يتزايدون باستمرار في إقليم شرق المتوسط.. وترجع الزيادة في نسب الإصابة بالإيدز إلي نقص الوعي الصحي, كما أن برامج الواية تحتاج إلي دعم, حيث يتم اكتشاف ما بين10% و20% من معدلات الإصابات بفيروس الإيدز القاتل, بحيث يظل نحو80% مصابين بالفيروس لكن لا أحد يعرف عنهم شيئا, ولا يذهبون للعلاج من ذلك الفيروس الذي ينتقل عبر الاتصال الجنسي أو بالحقن أو نقل الدم, أو ربما عن طريق الأم لوليدها. أما لماذا تحظي الدول العربية بأقل نسبة من المصابين بالإيدز, فذلك يرجع في رأي الدكتور علاء علوان مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط- إلي العفة, والأخلاق, ونبذ العالم العربي للعلاقات المحرمة, والرذيلة, وهذا هو السبب في أن لدينا اقل معدلات من المصابين, لكن من المؤسف أن نسبة الزيادة في الإصابة بالفيروس القاتل ارتفعت خلال العقد الماضي, الأمر الذي يستلزم نشر الثقافة الجنسية السليمة التي تتوافق مع روح الشريعة والدين, والأخلاق, والتراث, فضلا عن ضرورة التوعية بطرق الوقاية من الإصابة بالإيدز. تذهب التقديرات إلي أن ما بين18 و21 مليون مواطن مصري مصابون بالتهاب الكبد الوبائي.. فكيف تقرأون هذه الأرقام؟ د. علوان: هناك نحو500 مليون مواطن حاملون لفيروسات الكبد علي المستوي العالمي, بينما تسجل الإحصاءات أن نحو17 مليونا في23 دولة عربية حاملون للفيروسات الكبد, وكلها نسب تقديرية, لأننا إذا اردنا الوصول معدلات الإصابة الحقيقية نحتاج إلي إجراء تحاليل لكافة السكان, فيما تذهب التقديرات إلي أن عدد الحاملين فيروسات الكبد في مصر يترواح بين8 ملايين و12 مليون شخص.. وقد توافقنا مع وزارة الصحة المصرية منذ3 سنوات علي برنامج وطني لمكافحة الالتهاب الكبدي الوبائي, ويمكن أن تلعب المنظمة دورا مهما في هذا المجال بسبب اتساع علاقاتها, وصلاتها القوية بالخبراء في الطب من أوروبا, والوكالة الدولية لمكافحة الأمراض, ومن ثم فهي تقدم خبراتها للدول المختلفة في هذا المجال, ومن الإنصاف المهني والعلمي والطبي والإخلاقي أن نؤكد علي نجاح وزارة الصحة المصرية في التصدي ل فيروسB, وهناك لقاح ممتاز, ويحقق نتائج ممتازة, وننصح بإعطاء جرعة خلال24 ساعة بعد الولادة, لتجنب الإصابة بالفيروس, أما فيروسc فلم يتوصل العلم الحديث لأية لقاحات له حتي الآن, والحقيقة أن وزارة الصحة المصرية تكاد تكون الجهة الرسمية الوحيدة التي تقدم علاج لفيروسات الكبد بالمجان في العالم كله.. ومن الثابت علميا انه لا يوجد دواء يقضي علي الفيروسات نهائيا, هناك أدوية تؤدي إلي وقف حدة نشاط الفيروس, لكن لا توجد أدوية تقضي عليه, ومن المهم الوقاية, والتوعية بطرق الإصابة, وسبل التعامل معها. تحديات الصحة العالمية في تقديركم.. ما أبرز التحديات التي تواجه المنظمة في مسيرتها نحو تحسين الوضع الصحي في العالم؟ هناك تحديات كثيرة, منها التمويل, فيما تحظي المنظمة بشبكة من الخبراء والأطباء الأكفاء المعروفين علي مستوي العالم, كما أننا نتعاون مع وزارات الصحة في مختلف البلدان, وتربطنا بها علاقات تعاون قوية, ومتميزة, ومثمرة, كما تتفاعل المكاتب الإقليمية للمنظمة مع هذه الوزارات بشكل يومي, لكن هذا التعاون وحده لا يكفي, فهناك إجراءات يجب اتخاذها من جانب الجهات غير الصحية, فمثلا, يمكن أن تلعب وزارات المالية دورا مهما من حيث فرض الضرائب حول التبغ, لتقليل نسبة المدخنين, ومن ثم تقليل معدلات الإصابة بأمراض القلب, والرئة, كما تقع علي وزارات الصناعة مهمة مراقبة التصنيع, ومكافحة التصنيع الغذائي غير الصحي, أما وزارات الرياضة فمهمتها ضرورية في التوعية بأهمية النشاط البدني, وتوفير الأدوات والمنافذ التي تساعد الناس علي ممارسة الرياضة, فيما تقع علي وزارات الزراعة في العالم مهمة توفير الغذاء غير الضار, وغير المعالج كميائيا,, تقليل الاعتماد علي المبيدات في مكافحة الآفات, إلي جانب الدور المهم الذي يجب أن تقوم به الوزارات المعنية بشئون البيئة والتي تقع عليها مسئولية الحفاظ علي البيئة من التلوث, وضمان بيئة نظيفة وصحية للسكان, وبالتالي فإن مهمة الحفاظ علي الوضع الصحي, ومكافحة الأمراض ليست مسئولية المنظمة ووزارات الصحة وحدها, لكنها تحتاج إلي تضافر وتعاون جميع الوزارات مع منظمة الصحة العالمية لضمان الوصول إلي نتائج مرضية حول تحسين الأوضاع الصحية للمواطنين في مختلف البلدان التي تشملها مكاتب منظمة الصحة العالمية في العالم أجمع. احتفلت منظمة الصحة العالمية قبل6 سنوات بخلو مصر من فيروس شلل الأطفال.. فيما تم العثور علي الفيروس قبل ايام في مياه الصرف الصحي بمنطقتي السلام والهجانة بالقاهرة.. غلي اي مدي يشكل ظهور هذها الفيروس خطورة علي الأطفال المصريين.. وهل هناك احتمالات لوجود إصابات جديدة؟ د. علاء علوان: علي مدي العقود الأخيرة وجهت الحكومات المصرية المتعاقبة جهودا لمكافحة هذا المرض الذي يتسبب لضحاياه في الإعاقة مدي الحياة, وقد أمكن- من خلال أكثر من مئة ألف من العاملين الصحيين والممرضات و13 ألف مراقب صحي وعشرات الآلاف من شباب المتطوعين- الوصول إلي كافة الأنحاء في القري والنجوع والمناطق العشوائية والمدن الكبري والمناطق النائية لتحقيق نسبة التطعيم المستهدفة والتي تتجاوز95% وتصل الي جميع الأطفال دون الخامسة. وقد كان لوعي الأهالي وأولياء الأمور وتعاونهم مع فرق التطعيم وحرصهم التام علي تطعيم أطفالهم دور بالغ في انجاح حملات التطعيم وتفعيلها وتحقيق الأهداف المرجوة منها. أما مخاطر من عودة مرض شلل الأطفال إلي مصر مرة أخري فهي موجودة وقائمة, وإن كانت احتمالات عودته بعيدة, والسبب في ذلك يرجع إلي حملات التطعيم الناجحة والمكثفة التي تطلقها وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية, وتكمن المخاطر من عودته في وجود الإصابة في3 دول هي باكستان, وافغانستان, ونيجيريا, علي الرغم من النجاح الباهر الذي حققه البرنامج العالمي لاستئصال شلل الأطفال في مصر والشرق الأوسط, بل والعالم أجمع, باستثناء هذه الدول الثلاث, وبرغم الجهد المبذولة في محاصرة فيروس الشلل بحملات التطعيم المسترة, إلا أن دولة الصين سجلت حالة إصابة بشلل الأطفال في العام الماضي بسبب عدوي وافدة من باكستان. ومن ثم فإن مخاطرظهور حالات إصابة بشلل الأطفال في اي دولة لا تزال قائمة مادام الفيروس موجودا في الدول الثلاث( باكستان, وأفغانستان, ونيجيريا), ومن ثم فإن الرصد المستمر للفيروس يشكل اهمية كبير علي خط المواجهة, ومن الواجب هنا أن اشيد ببرنامج الترصد المصري الذي لولاه لما استطعنا العثور علي فيروس شلل الأطفال في مياه المجاري بمنطقتي الهجانة ودار السلام. مؤكدا أنه لم يتم تسجيل حالة بالفيروس في مصر حتي الآن, بالرغم من العثور عليه في مياه الصرف الصحي بمنطقتي الهجانة ودار السلام لديكم برنامج لمكافحة التدخين في العالم بشكل عام, وفي إقليم شرق المتوسط بشكل خاص؟.. إلي أي مدي نجح هذال البرنامج في تحقيق اهدافه؟ البرنامج نجح إلي حد ما في الحد من التدخين, ولكننا نحتاج غلي تضافر الأجهزة المسئولة في الدول لاتخاذ إجراءات فعالة في مكافحة التدخين, ومن بينها فرض الضرائب علي التبغ, وعدم الترويج له, ونشر الحملات التوعوية, والتثقيف الحصي بشأن مخاطر التخدين علي صحة الإنسان, إلي جانب تقديم الخدمات المعاونة للإقلاع عن التدخين, وفي هذا الصدد نشيد بجهود الحكومة المصرية في فرض الضرائب علي التبغ, لأن ذلك يمكن أن يسهم في الحد من التدخين.. فمازال التبغ يحصد أرواح6 ملايين شخص تقريبا في كل سنة, من بينهم600 ألف شخص من غير المدخنين الذين يتعرضون لدخان التبغ. هناك العديد من الأمراض التي يمكن أن تنتقل من بلدل إلي آخر, ومن دولة إلي أخري.. فتعبر القارات دون جواجز.. في تقديركم ما هي هذه الأمراض.. تقديركم.. وكيف يمكن تجنبها؟ مدير منظمة الصحة العالمية: هناك أمراض عديدة يمكن أن تنتقل عبر المسافرين من وإلي مختلف مناطق العالم, وحتي داخل الدول ذاتها, من بين تلك فيروس الانفلونزا, والفيروسات التي قد تصيب الجهاز التنفسي مثل الفيروس التاجي المعروف باسم كرونا, وله علاقة جينية بفيروس سارس الذي ضرب العديد من الدول قبل سنوات, ومن مخاطره أنه يصيب الجهاز التنفسي, ويؤثر علي العديد من أجهزة الجسم الأخري ويسبب قصورا أو عجزا في وظائف الكلي, ويمكن أن يؤدي للوفاة, فإذا لم يتم التعامل معه وتشخيصه بسرعة قد تزداد مضاعافاته, وحتي الآن, تم التأكد من إصابة9 حالات بعدوي الفيروس, وقد اكتشفت حالتان في الأردن, وخمسة حالات في المملكة العربية السعودية, وحالتان في قطر. وتوفي خمسة من هؤلاء المرضي, كما تم اكتشاف مجموعتين, واحدة داخل أسرة في الرياض, بالمملكة العربية السعودية, والثانية بين العاملين في مجال الرعاية الصحية في مستشفي في الأردن.