أسعار ورسوم جدية التصالح في مخالفات البناء بمحافظة بالمنيا    "أداب عين شمس" تشارك في احتفالية عيد الشجرة المصري    نائب رئيس «المؤتمر» يدعو المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لقبول الهدنة    محمود مسلم: مصر الأكثر خبرة وشرفا في التعامل مع القضية الفلسطينية    توفيق السيد يكشف صحة ركلة جزاء بيراميدز أمام فيوتشر ويطالب برحيل بيريرا    كاسونجو: لا توجد مشكلة لدي مع الزمالك .. وأرغب في مؤازرة الأبيض بنهائي الكونفدرالية    نقطة واحدة للتتويج.. الهلال يفوز على الأهلي في كلاسيكو الدوري السعودي    الزمالك: أخطاء فادحة للتحكيم في آخر 3 مباريات ولا يمكننا السكوت عنها    كانوا رايحين الجامعة.. ارتفاع مصابي حادث صحراوي قنا ل 16 شخصاً    محاكمة المتهمة بقتل زوجها بالجيزة    ظهور جذاب ل «هنا الزاهد» في أحدث جلسة تصوير    قافلة طبية مجانية بقرية الحنفي بكفر الشيخ يومي الثلاثاء والأربعاء    شبكة القطار السريع.. كيف تغطي جميع أنحاء الجمهورية؟    الأوقاف: افتتاح 21 مسجدًا الجمعة المقبلة    تعرف على أسباب خروج «ديانج» من حسابات «كولر»    الأحرار الاشتراكيين ل صدى البلد: الحركة المدنية تتخذ اتجاها معاكسا لمفهوم استقرار الدولة    مدينة برازيلية تغرق تحت مياه الفيضان    معركة موازية على «السوشيال ميديا» بعد القصف الذي تعرضت له مدينة رفح    اهم عادات أبناء الإسماعيلية في شم النسيم حرق "اللمبي" وقضاء اليوم في الحدائق    ليلى علوي تحتفل بشم النسيم مع إبنها خالد | صورة    محمد عدوية: أشكر الشركة المتحدة لرعايتها حفلات «ليالي مصر» ودعمها للفن    هل يجب تغطية قَدَم المرأة في الصلاة؟.. الإفتاء توضح    أدعية استقبال شهر ذي القعدة.. رددها عند رؤية الهلال    وزارة السياحة والآثار تشارك في سوق السفر العربي بالإمارات    لذيذة وطعمها هايل.. تورتة الفانيليا    تفاصيل التجهيز للدورة الثانية لمهرجان الغردقة.. وعرض فيلمين لأول مرة ل "عمر الشريف"    التيار الإصلاحى الحر: اقتحام الاحتلال ل"رفح الفلسطينية" جريمة حرب    قدم تعازيه لأسرة غريق.. محافظ أسوان يناشد الأهالي عدم السباحة بالمناطق الخطرة    غارة إسرائيلية تدمر منزلا في عيتا الشعب جنوب لبنان    إزالة 164 إعلاناً مخالفاً خلال حملة مكبرة في كفر الشيخ    تناولها بعد الفسيخ والرنج، أفضل مشروبات عشبية لراحة معدتك    موعد إجازة عيد الأضحى 1445 للطلاب والبنوك والقطاعين الحكومي والخاص بالسعودية    أرخص موبايل في السوق الفئة المتوسطة.. مواصفات حلوة وسعر كويس    بعد فوز ليفربول على توتنهام بفضل «صلاح».. جماهير «الريدز» تتغنى بالفرعون المصري    ضحايا احتفالات شم النسيم.. مصرع طفل غرقًا في ترعة الإسماعيلية    مائدة إفطار البابا تواضروس    زيادة في أسعار كتاكيت البيّاض 300% خلال أبريل الماضي وتوقعات بارتفاع سعر المنتج النهائي    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    طلاب جامعة دمياط يتفقدون الأنشطة البحثية بمركز التنمية المستدامة بمطروح    صانع الدساتير يرحل بعد مسيرة حافلة، وفاة الفقيه الدستوري إبراهيم درويش    قبل عرضه في مهرجان كان.. الكشف عن البوستر الرسمي لفيلم "شرق 12"    صحة الإسماعيلية.. توعية المواطنين بتمارين يومية لمواجهة قصور القلب    عضو ب«الشيوخ» يحذر من اجتياح رفح الفلسطينية: مصر جاهزة لكل السيناريوهات    أمينة الفتوى تكشف سببا خطيراً من أسباب الابتزاز الجنسي    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    برلماني يحذر من اجتياح جيش الاحتلال لرفح: تهديد بجريمة إبادة جماعية جديدة    فنادق الغردقة ومرسى علم تبتكر إبداعات لجذب السياح احتفالا بعيد الربيع    لقاء علمي كبير بمسجد السلطان أحمد شاه بماليزيا احتفاءً برئيس جامعة الأزهر    المصريون يحتفلون بأعياد الربيع.. وحدائق الري بالقناطر الخيرية والمركز الثقافي الأفريقي بأسوان والنصب التذكاري بالسد العالي يستعدون لاستقبال الزوار    الصحة تعلن إجراء 4095 عملية رمد متنوعة مجانا ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    في العام الحالي.. نظام أسئلة الثانوية العامة المقالية.. «التعليم» توضح    نانسي عجرم توجه رسالة إلى محمد عبده بعد إصابته بالسرطان.. ماذا قالت ؟    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    مفوضية الاتحاد الأوروبي تقدم شهادة بتعافي حكم القانون في بولندا    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    متى يُغلق باب تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء؟ القانون يجيب    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرخاوي: ليست لدينا أحزاب لكنها تجمعات مصالح‏!‏

د‏.‏ يحيي الرخاوي أديب ومفكر وطبيب وفي كل ذلك أجاد إجادة بالغة‏.‏ وفي كل ذلك تجد لديه دائما الإجابات الجامعة المانعة‏-‏ بلغة أهل المنطق‏-‏بشأن شتي المسائل الفكرية والإشكالات النفسية. يمارس الأدب والطب من نفس المنطلق, فهو يري نفسه ناقدا علي طول الخط سواء كان ناقدا للنص الأدبي أو ناقدا للنص البشري. وهو دائما صاحب موقف ومشارك إيجابي في كل أحداث الوطن.... متواضع شأن كل العلماء الأجلاء.. مازالت طفولته تسكنه.. يعترف بفضل مرضاه.. فمنهم استلهم ثلاثيته الأدبية التي حصل بها علي جائزة الدولة التشجيعية.. يدعو لتحويل الغضب الي طاقة بناءة.. ارتبط اسمه بأديب نوبل نجيب محفوظ وبالرغم من نصائحه لصديقه العظيم والتي وشي بها الأصدقاء إلا أن الرجل يقول إن محفوظ هو طبيبه وليس العكس.
من جهة أخري, يتحدث موضحا السلبيات التي يعاني منها المجتمع بسبب سوء الفهم للمرض النفسي, وأخيرا فالدكتور الرخاوي شخصية موسوعية تعيش علي القراءة, لذلك فمحاورته أمر شائك وممتع في الوقت ذاته.
مراحل الطفولة والصبا والشباب يظل لها في نفس كل منا أثر ما لا يتركه ويظل ذلك الأثر يلقي بظلاله علينا في شتي مراحل الحياة.. فماذا عن تلك المراحل في حياة د. يحيي الرخاوي؟
لا أظن أنني أستطيع أن أتكلم عن مراحل طفولتي أو حتي صباي وشبابي بمعني أنها ماض يستعاد, أو حتي بمعني أنها آثار باقية لها ظلال, أنا أعيش هذه المراحل حتي الآن, فأنا مواظب علي قراءة ميكي, وأصاحب عم دهب, وأكره الساحرة سونيا, وأحب بطوط, وأركض مع سوسو ولولو وتوتو: أستظرفهم, وأستثقل دم محظوط, وأرفض بشدة سطحية شخوص مجلة علاء الدين الذين يسطحون خيالي, ويقفون مني شراحا وناصحين معظم الوقت, كما أنني أشاهد معظم أو طول الوقت قناة نيكلوديون( صورة بدون صوت), أثناء كتابتي, وأحيانا في خلفية عملي معظم الوقت, فكيف أتكلم عن مراحل طفولتي بمعني أنها ماض انقضي؟ لكن طبعا هناك ماض لا أستطيع أن أستعيده حالا, فأنا لا أستطيع أن أركب النورج أثناء درس القمح( إن كان ما زال موجودا, ولا أن أغار من أخي الأكبر وهو يلاعب ابن عمتي بالساعات بنج بنج, ونيسيانني تماما, فأشعر بأنني بلا قيمة, ولا أن أركب قطار الدلتا من بلدتنا إلي زفتي, ثم أشوط طربوشي من محطته حتي باب المدرسة, فألمه وأفرده قبل دخولي,
خلاصة القول, إن مراحل الطفولة والصبا تظل معنا, وإن تغيرت تجلياتها لتغير الظروف, المرحلة اللاحقة في النمو تحوي السابقة ولا تمحوها أو تقلبها إلي مجرد ذكريات, وهي قد تطلق سراحها متي أتيحت الفرصة.
كيف بدأت قصتك مع الأدب إلي الحد الذي جعلك تبدع فيه ؟
بدأت محاولات كتابة القصة في المرحلة الابتدائية القديمة, شخبطة أطفال, لكنني في سن الثالثة عشرة( ثالثة ثانوي قديم) كتبت قصيدة في مولد النبي, مجرد أرجوزة, بشكل سجعي خائب, مثل ولد السعيد فأسعدا, هاك الظلام تبددا.... أبشر بني الإنسان قد: أهداك ربك مرشدا..إلخ, لكن في سن الخامسة عشرة, وكان مصروفي في الشهر لا يتعدي خمسين قرشا( نصف جنيه) كتبت قصيدة ما زلت أتعجب لماذا كتبتها وأنا في هذه السن هكذا فقط جاء فيها: أنظر إلي مالك, واعجب علي حالك, وابكي علي ما فات, من عمرك الحالك, فأنت من أموات, فاسلك مع السالك, في عالم اللذات, فكلكم هالك, وحتي الآن لا أعرف كيف كتبت ذلك ومصروفي في الشهر نصف جنيه, وأنا لا أعرف ما هو عالم اللذات أصلا, ثم توقفت, ولا أعتبر هذا أدبا أصلا.
أما كتابتي لثلاثيتي المشي علي الصراط التي نال جزآها الأول والثاني جائزة الدولة التشجيعية في الأدب سنة1979, فلها قصة تتعلق بفضل مرضاي علي. كل ما أنتجت بعد ذلك فيما سمي أدبا, فقد بدأت بكتابة فصول متتالية في مجلة شهرية اسمها الصحة علي ما أذكر كانت تصدرها وزارة الصحة, وترأس تحريرها د. نوال السعداوي, وكانت بعنوان يوميات مريض نفسي علي ما أذكر, وكنت أرغب من خلالها في أن أعرض كيف يشخص المريض الطبيب مثلما يشخص الطبيب المريض, ثم توقفت المجلة, وتواصلت خبرتي مع مرضاي تعريني مع تعريتهم, ولم أجد في المنهج العلمي, ما يسعفني لأنقل خبرتي هذه إلي زملائي أو إلي الناس, فأعدت كتابة هذه الفصول في الجزء الأول من الثلاثية بعنوان الواقعة, وكنت أستلهم ما وصلني من مرضاي من عميق خبرتهم المرعبة كأنها يوم القيامة( الواقعة), وامتدت هذه الرؤية أثناء كتابة هذا الجزء إلي البحث عن الله والتوجه إليه من منطلق الوعي الكاشف حتي لو بدأ مرضيا, ثم تطور الأمر في الجزء الثاني باسم مدرسة العراة لأكمل نفس القضية, ولكن علي لسان أحد عشر مريضا, كل من وجهة نظره مستقلا,, شيء أشبه بعمل فتحي غانم الرجل الذي فقد ظله, أو رباعية الإسكندرية, أما الجزء الثالث فقد كتبته بعد ربع قرن باسم ملحمة الرحيل والعود, وفيه الجيل الثاني لشخوص الجزأين: الأول والثاني الروايتين, واستمر فيه البحث عن الله سبحانه, وقد نشرته الهيئة العامة للكتاب من ثلاث سنوات تقريبا, وإن لم يلتفت إليه أحد من النقاد حتي الآن.
ما سر تعلق الأطباء بالأدب.. والقائمة تضم أسماء عديدة في العالم مثل الأديب الروسي تشيخوف وفي مصر مصطفي محمود ويوسف إدريس وإذا عدنا أبعد من ذلك وجدنا ابن سينا والرازي... هل هناك تفسير نفسي لذلك. أم أنها المصادفة البحتة؟
لا يمكن البدء بالتسليم بهذا القول ببساطة إلا إذا أحصينا نسبة الأدباء من المهن الأخري, وهذا صعب, وفي مصر مثلا علينا أن نعرف عدد من نبغ من الأطباء فعلا في كتابة الأدب, فمصطفي محمود أديب بدأ حياته في الأدب والطب والصحافة معا, ثم ترك الأدب والطب معا إلي ما تصور أنه أنفع فتسطح رغما عنه, أما يوسف إدريس فقد تفرغ للأدب, حتي يكاد يعتبر أنه لم يمارس الطب لا بالقدر الكافي ولا للمدة الكافية التي تسمح بتفسير هذا الربط, أما تشيخوف فهو قد ظل يمارس الطب ويكتب الأدب في الوقت نفسه, ومن أهم أقواله في ذلك وأكثرها دلالة قوله إن الطب هو زوجتي والأدب عشيقتي
فإذا انتقلنا إلي الرازي, فأنا لا أعرف أنه كان أديبا, وأغلب إنجازاته كانت في الطب, وفي أكثر من مجال وتخصص, وكانت كتاباته في غير الطب أقرب إلي النقد الفلسفي والإبداع المعرفي, خصوصا في نقد الدين حتي كفروه صراحة, وابن سينا لم يكن أديبا أصلا, وإنما كان طبيبا فيلسوفا, وعلاقة الطب بالفلسفة أقرب إلي علاقة الطب بالأدب, فأبوقراط أبو الأطباء يقول: ما يصلح للطب يصلح للفلسفة, وما يصلح للفلسفة يصلح للطب, والفيلسوف الطبيب أقرب إلي أن يكون إلها, وحتي قصيدة ابن سينا العينية عن النفس هي قصيدة ضعيفة شعريا, وأفكارها أيضا فلسفية متواضعة, لكنه يظل فيلسوفا طبيبا طول الوقت, وليس أديبا.
أما حكاية التفسير النفسي لأي من ذلك, فأنا أرفض عادة تعبير التفسير النفسي لهذه الظواهر التي لا تحتاج إلي تفسير أصلا, لا نفسي ولا غير نفسي, فأولا: هي ليست ظاهرة بالمعني الإحصائي كما أشرت في البداية, وهي تعتمد علي الاختلافات الفردية أكثر مما تعتمد علي تأثير المهنة, وفي مهنتي لا يمكن أن يكون تفسير ما دفع الدكتور إبراهيم ناجي إلي كتابة الشعر, هو تفسير ما دفع الدكتور محمد كامل حسين أن يكتب روايته قرية ظالمة أو فلسفته وحدة المعرفة, وهذا وذاك غير ما دفعني لقراءة النص البشري مثل قراءة النص الأدبي, ولا هو ما دفعني لكتابة الشعر أو الرواية, وقد نبهنت أن ديواني سر اللعبة ليس مجرد كتابة علم السيكوباثولوجي شعرا, مع أن كتابي الأم دراسة في علم السيكوباثولوجي هو شرح لهذا الديوان الذي اعتبره المرحوم صلاح عبد الصبور شعرا خالصا, وقد كررت مرارا أنه ليس ألفية أو رجزا مثل ألفية ابن مالك في النحو مثلا.
لماذا لم تتفرغ شخصيا لممارسة الادب؟
إذا كان تشيخوف قال إن الطب زوجتي والأدب عشيقتي, فأنا أقول إن النقد غوايتي, وكل من الأدب والطب كما أمارسهما هو بعض تجليات موقفي النقدي الدائم, قلت في ردودي السابقة أنني اكتشفت أنني أمارس الطب باعتباره ممارسة نقدية, وهو ما أسميته نقد النص البشري, وإنجازاتي النقدية هي الأقرب إلي نوع الأدب الذي أمارسه, أنا أعتبر نفسي متفرغا للنقد سواء كان نقد النص الأدبي أو نقد النص البشري, وقد اختلط موقفي النقدي في آخر أعمالي في نقد أحلام فترة النقاهة لنجيب محفوظ, حيث جاء النصف الثاني من هذا العمل في صورة ما أثبت أنه نص علي نصس ز ز.
بمناسبة الحديث عن الطب والأدب يقال إنك قمت بعملية إعادة تأهيل للأديب الراحل نجيب محفوظ عقب محاولة اغتياله حتي يعاود ممارسة الكتابة من جديد؟
هذا لم يحدث إطلاقا, وقد نفيت مرارا أن يكون دوري معه لمدة عشر سنوات هو دور طبيب نفسي, وقد قلت ذلك مرارا, بل إنني أؤكد دائما أنه هو الذي كان يعيد تأهيلي إنسانا, حتي يصح القول إنه كان يعالجني نفسيا بمعني إتاحة الفرصة لي لإعادة التشكيل من خلال صحبته, وقد كتبت ذلك في قصيدتي في عيد ميلاده ال92 وهي القصيدة التي نشرت في الأهرام في2003/3/15 بعنوان ز س:
... زعموا بأني قادر أشفي النفوس بما تيسر من علوم أو كلام أو صناعة
عفوا, ومن ذا يشفي نفسي حين تختلط الرؤي,
أو يحتويني ذلك الحزن الصديق فلا أطيق؟
حتي لقيتك سيدي,
فوضعت طفلي في رحابك.
طفل عنيد.
مازال يدهش كل يوم من جديد.
...............
صالحتني شيخي علي نفسي حتي صرت أقرب ما أكون إليه فينا,
صالحتني شيخي علي ناسي, وكنت أشك في بله الجماعة
يخدعون لغير ما هم.
صالحتني شيخي علي زخم الجموع فخفت أكثر أن أضيع بظل غيري.
صالحتني شيخي علي أيامنا المرة مهما كان منها.
علمتني شيخي بأنا قد خلقنا للحلاوة والمرارة
نحمل الوعي الثقيل نكونه كدحا إليه.
..............
هذه المصالحة هو الذي قام بها لمريد ضعيف لجأ إليه, فهو طبيبي وليس العكس
أما ما يقال عن تدريبه علي معاودة الكتابة, فأنا ليس لي أي فضل في ذلك, بل هو الذي بدأه وأصر عليه حتي عاد إلي الكتابة في حدود الممكن, وقد كتبت عن ذلك في العدد الأول من دوريته ويمكن الرجوع إليه
أنت أول من أدخل العلاج النفسي الجمعي مصر. حدثنا عن هذا العلم ومدي ما تحقق من خلاله ؟
لست أنا الذي أدخل هذا النوع من العلاج في مصر, وإن كنت أول من مارسه علانية في قصر العيني, مع فرص تدريب منتظمة أسبوعيا طوال السنوات الأربعين الماضية( منذ1971 حتي اليوم), وقد تميز هذا العلاج بأنه يجري بالمجان في مستشفي جامعي, ويجري التدريب والإشراف عليه بانتظام, حتي تميز بما يلائم ثقافتنا الخاصة, فأخذ شكلا متميزا وامتد إلي مراكز أبعد فأبعد مثل المنصورة, وكلية الطب جامعة المنيا( أ.د. رفعت محفوظ) وبشكل متقطع في الأسكندرية ومراكز أخري كثيرة في القاهرة, لكن استمر العلاج الذي أمارسه في قصر العيني يتميز بما هو من منظور تطوري بيولوجي تركيبي نمائي معا من واقع ثقافتنا الخاصة.
أما أول من بدأ هذا العلاج فالأمر يحتاج إلي تعريف لهذا العلاج أولا, فليست كل ممارسة علاجية في جماعة يمكن أن تسمي بهذا الاسم, وقد بدأت قبل قصر العيني محاولات جماعية كانت أقرب إلي اجتماعات العنبر المحملة بالنصح والإرشاد الديني, وكانت مفيدة حسب مستواها, كما بدأت محاولة مستوردة تحليلية في قصر العيني قبل ذلك, توقفت تحت زعم أن محتمعنا غير مناسب لها
هذا ولم تكن البدايات مقتصرة علي شخصي, فقد شاركني أ.د. محمد شعلان, خبرة باكرة في جماعات المواجهة التدريبية, ثم ركز هو علي تطبيق مبادئ العلاج للأسوياء والمؤسسات الإدارية.
ولكن ما زال العلاج النفسي وصمة عار في مصر.. وإلي متي سيظل ؟
هذا غير صحيح, فوصمة العار موجودة في كل البلاد, بما في ذلك الأكثر تقدما, ولعل العكس يحدث في مصر, فكثيرا ما يعتبر المريض العقلي بركة في المجتمع الريفي, بما ذلك الذين يعانون من قصور معرفي, بل إن الإعلام يبالغ في تقديم المرض النفسي بشكل سطحي يدفع الناس لقبوله أكثر من اللازم, حتي كاد يصبح أحيانا مبررا للفشل وليس معاناة جادة تحتاج للمساعدة في حمل المسئولية,
أما دور الإعلام في تشويه المريض النفسي والعقلي والسخرية منه,( وكذلك الطبيب, أو المحلل النفسي) فهو دور سلبي يصل إلي درجة الجريمة.
ازدواجية أنظمة التعليم في مصر. هل تراها ضلعا في تعدد هويات داخل المجتمع المصري وبالتالي عدم وجود اتساق في الشخصية المصرية ؟
يا ليتها ازدواجية, بل هي تعددية, وتسطيح, وتشويش, فمن أقصي المدارس الخاصة والأجنبية, إلي أقصي غياب المدرسة أصلا في كثير من أنحاء المحروسة, نخرج أجيالا من النشء لا تعرف اصلا كلمة تربية حتي تتجانس, المدرسة ليست مكانا للتحفيظ حصة وراء حصة, وإذا افتقدت المدرسة إلي أخذ غياب تلاميذها ومدرسيها, وإذا افتقدت إلي فسحة طويلة أكثر من ساعة حتي لو بعدها حصة واحدة, وإذا افتقدت إلي حوش كبير فعلا لممارسة اللعب والحركة, فهي ليست مدرسة, لأن المدرسة مجتمع, وعلاقات وتربية ثم تعليم, وليست مجرد تحفيظ وتسميع, الأمر الذي تركز حاليا فيما يسمي مراكز الدروس فضلا عن حجرات البيوت الخصوصية.
هناك دوما مطالبات بتعريب العلوم في مصر. وهل تراها خطوة ضرورية؟
طبعا ضرورية ونصف, لا بد أن ندرس كل علومنا بالعربية في كل المجالات وكل المراحل, فتل أبيب تدرس علومها بما فيها الطب بالعبرية, واليابان باليابانية, والصرب بالصربية, لا يوجد شيء اسمه لغة علمية عالمية, اللغة العربية هي لغة عبقرية قادرة, وهي التي أقنعتني بحضارة بعد أن كنت أتحفظ علي الاعتراف بها نظرا لما آل حالنا إليه, لا يمكن أن تفرز هذه اللغة إلا حضارة بالغة الرقي, تلك الحضارة التي نعمل الآن بإصرار علي تقويضها إما بالتسطيح أو التبعية,
ثم إني أرفض تعبير تعريب العلوم, فالعلوم ليست أجنبية حتي نعربها, العلوم هي وصف للحقيقة بمنهج علمي ليس له لغة خاصة, ثم يأتي التعبير عن هذه الحقائق بكل لغة حسب قدراتها, واللغة العربية قادرة علي المبادأة والتلقائية ونحت الألفاظ والإحاطة بالحقائق والتعبير عنها, خاصة في مجال تخصصي. المسألة ينبغي ألا تقتصر علي الاهتمام بترجمة العلوم من لغات أخري, بل يجب ان نثق بقدرتنا علي الانبعاث من لغتنا بثقة كاملة.
قبل قيام ثورة25 يناير وبعد ظهور نتيجة الانتخابات البرلمانية التي كانت تنطق بكل آيات التزوير ساد هدوء مريب في الشارع المصري جعلنا جميعا نفقد الأمل في أن هذا الشعب سيثور. وفجأة خرج الشعب عن صمته. فهل كان هذا هو الصمت الذي يسبق العاصفة
لا أظن أن هذا التعبير( الهدوء الذي يسبق العاصفة) هو التعبيرالمناسب, فهو لم يكن هدوءا بل كان غضبا مكتوما, ولم تكن عاصفة, بل كان انتفاضة ثائرة, تلك الانتفاضة الكريمة التي أدعو الله أن نحسن استثمارها ورعايتها حتي تكون ثورة ممتدة, كان الظلم والاحتقار والاستهانة قد تراكمت نسي الحكام السابقون أنهم يحكمون شعبا له كرامة, وطمعوا في صبره أكثر من اللازم حتي تعروا وهم يصفون جهوده الناقدة أو المعارضة بأنها خليهم يتسلوا فانكشف الغطاء, وانفجر الغضب الذي علينا أن نستمر حتي نحوله كلنا إلي طاقة بناءة ونحن نقيم دعائم دولة جديدة من اقتصاد وإبداع تحت مظلة عدل وأمان حقيقيين
مصر ميدان التحرير تختلف كليا وجزئيا عن مصر التي نعرفها.. ما الذي حدث ؟
لا يوجد شيء اسمه مصر ميدان التحرير, ومصر سوق السلاح, ومصر ماسبيرو, ومصر قنا أو أسوان, مصر هي مصر, من أبي سمبل حتي رشيد, من السلوم حتي رفح, لا الحكام الحاليون يعرفون مصر الحقيقية, تماما مثلما أنهم لا يعرفون معني كلمتي عمال وفلاحين, ولا شباب التحرير النقي يعرفون مصر, ولا الحكام السابقون عرفوا أو احترموا مصر, دعونا نبدأ بكل الألم والأمل ونحن نكتشف مصر من جديد لتتجلي في داخلنا وخارجنا في كل مكان.
ما أقصده أن سلوكيات المصريين ايام الثورة بما تحمله من معاني التحضر ليست هي السلوكيات السلبية الهمجية التي رأيناها عقب الثورة وما حملته من انتهازية الكثيرين لتحقيق اقصي استفادة شخصية رغم ما تعانيه مصر؟
هؤلاء المصريون الذين بدأوا هذه الحركة الشجاعة التي أدعو الله أن تتم إلي ما هو ثورة بفضلهم وفضل الحفاظ علي الإيجابيات دون السلبيات مثل أي ثورة تتكون, هم غير أولئك القناصة والقراصنة الذين انقضوا علي جهد هؤلاء الشباب, وهم أيضا غير هؤلاء الذين ركزوا علي مطالبهم الفئوية المشروعة غالبا دون النظر إلي عموم المشاكل, وحقوق مصر اقتصادا وتعليما وإنتاجا التي سوف تسمح بأن تفي لهم بهذه المطالب, وبالتالي لا يصح أن نتكلم علي السلوكيات في حزمة واحدة ونقول إن المصريين أيام الثورة كانوا كذا, ثم إنهم الآن الكيت, وبرغم أنهم كلهم مصريون, إلا أن تعميم الحكم عليهم معا خطأ منهجي
هل صحيح أن ما نرا ه اليوم من ثقافة النفاق واللامبالاة والهمجية في التصرفات والانتهازية هي سمات أصيلة ومتوارثة في الشخصية المصرية ؟ من المسئول عن هذه السلبيات في الشخصية المصرية.. هل هي وليدة الأعوام الثلاثين الأخيرة أم أنها وليدة عصور وعصور شهدنا خلالها كل أنواع الاستعمار والاستعباد؟ وكيف تكون فينا كل تلك السلبيات ونحن أبناء حضارة عريقة ؟
كل هذه المزاعم عن السلبية المتأصلة فينا غير صحيحة, ومن لا يصدق فليقرأ عبقرية المكان لجمال حمدان, أو ينظر حوله ليلتقط عراقة هذا الشعب, وطولة باله, وقدرته علي التكيف وعلي إبداع الحلول الذاتية, هذه قدرة آنية عبقرية, وليست مجرد تمحك في تاريخ أو تبرير لما ظن أنه استسلام, وهو ليس إلا صبر طويل قادر كما أثبت أخيرا.
ما الآليات المفروض تنفيذها حتي نري شخصية مصرية متحضرة تعرف حقوقها وواجباتها ؟
التغيير الحضاري بالذات يحتاج وقتا طويلا جدا, نحن في سبيلنا أن نبني دولة حقيقية, وهذا أمر يحتاج سنين, بل وعقودا, وربما قرونا, ونحن قادرون علي ذلك, والآليات هي: العمل, والوقت, والجدية, والإبداع, من كل واحد دون انتظار أو استئذان
أعرف أن هناك صفات نفسية متوارثة بين الشعوب ونحن في مصر نعاني من أزمة ثقة في الحاكم ايا كان. هل تعتقد أن هذا ما يفسر التشكيك المستمر في المجلس العسكري وفي الحكومة ؟
بعد ثورة التوصيل والاتصالات الحالية أصبحت الفروق بين الشعوب أقل فأقل, والعالم كله الآن يتضافر لمواجهة كارثة الانقراض التي تقودها القوي المالية العالمية, وتسير بها قادة الدول العظمي لتستولي علي عرق وموارد العالم النامي, لا توجد في مصر صفات نفسية تسمح بالتشكيك في من وقفوا بجانب الناس في عز محنتهم مهما ترددوا أو أخطأوا, فالمسألة ليست سهلة, وعلينا حكومة وشعبا أن نتعلم معني الزمن, ومعني الخطأ, ومعني المسئولية طول الوقت.
هل تعتقد أن هذا الشعب المتدين بالفطرة والذي استمع لصوت شيوخ المساجد في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية أكثر ما استمع إلي صوت العقل والمصلحة الوطنية سينتصر لفكرة الدولة المدنية في الانتخابات البرلمانية الوشيكة ؟
كررت مرارا رفضي لهذا الاستقطاب إلي دولة دينية ودولة مدنية, الدولة دولة تمثل الناس, وترعي مصالحهم ويقاس أداؤها بقدرتها علي تحقيق العدل والاقتصاد المستقل والأمان والتربية والتعليم والإبداع, أما أيديولوجية هذه الدولة بما في ذلك دينها فليس لها علاقة مباشرة بتحقيق هذه الأهداف, وقد كررت ألف مرة رفضي لشعار الدين لله والوطن للجميع كما رفضت اعتبار أن الدين ممارسة تسكينية شخصية سرية بعض الوقت, الدين ليس إثما نخفيه, فالإثم ما حاك في الصدر وخشيت أن يطلع عليه الناس, كذلك رفضت الإلحاح علي حذف الدين من البطاقة, لا أحد سيطلب منك أن تريه بطاقتك حتي يطلق عليك نيران تعصبه.
إن خوف العلمانيين من سوء استعمال السلطة الدينية جعلهم يخافون من الدين كله, بل من المتدينين, بل من الإيمان الذي يجمع كل الأديان.
الدولة دولة, وليعلن كل من يتولي المسئولية موقفه, وعلينا نحن أن نقيس أداءه بما سبق أن ذكرته من محكات أدائها, وهي مرة ثانية:
العدل والاقتصاد المستقل والأمان والتربية والتعليم والإبداع
رغم اهتمامك بالشأن العام كمواطن مصري إيجابي إلا أنك كنت ترفض الانضمام الي اي حزب سياسي.. هذا لأنك لم تكن مقتنعا بأي منها.. فماذا عن موقفك الحالي من مختلف الأحزاب المطروحة في ساحة العمل السياسي؟
لا توجد أحزاب حاليا يمكن الزعم بأنها مطروحة في ساحة العمل السياسي, ولم توجد أحزاب سابقا منذ ستين عاما, المطروح حاليا هو عملية تنشيط مشروع حياة سياسية, من أهم تجلياتها وجود تجمعات تمثل مصالح مشتركة, وأخري تمثل آراء ومناهج مشتركة, وهذا يحتاج لنتعلم السياسة سنوات طويلة جدا حتي نكتسب ما يسمي الوعي السياسي, المصاحب حتما بالمسئولية السياسية, بما في ذلك ممارسة الحرية الحقيقية, والنقد المتبادل والنقد الذاتي باستمرار, وقد نضطر أثناء ذلك إلي استعمال الديمقراطية التي هي ليست إلا أحسن الأسوأ, لكن عيوبها لن تسمح لها بأن تكون الحل الدائم وهي بكل هذه السطحية, وأنا آمل, أو أحلم أن تحل لنا التكنولوجيا الأحدث إشكالة قياس مستويات الوعي المتعددة وليس فقط ظاهر الرأي الغالب الخاضع غالبا للإعلام الملتبس, وإلي أن يتم ذلك سوف أظل أمارس السياسة فردا يقول ويشارك من كل المنافذ المتاحة, أنا أتعامل مع السياسة باعتبارها بدهية تميز الإنسان الذي أعتبره سياسيا بطبعه, أما حكاية الانتماء للأحزاب الحالية فهي مؤجلة عندي تماما, مع كل شكري واحترامي لأي مصري يضحي بوقته وفكره بشكل أكثر فاعلية وتأثيرا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.