«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرخاوي: ليست لدينا أحزاب لكنها تجمعات مصالح‏!‏

د‏.‏ يحيي الرخاوي أديب ومفكر وطبيب وفي كل ذلك أجاد إجادة بالغة‏.‏ وفي كل ذلك تجد لديه دائما الإجابات الجامعة المانعة‏-‏ بلغة أهل المنطق‏-‏بشأن شتي المسائل الفكرية والإشكالات النفسية. يمارس الأدب والطب من نفس المنطلق, فهو يري نفسه ناقدا علي طول الخط سواء كان ناقدا للنص الأدبي أو ناقدا للنص البشري. وهو دائما صاحب موقف ومشارك إيجابي في كل أحداث الوطن.... متواضع شأن كل العلماء الأجلاء.. مازالت طفولته تسكنه.. يعترف بفضل مرضاه.. فمنهم استلهم ثلاثيته الأدبية التي حصل بها علي جائزة الدولة التشجيعية.. يدعو لتحويل الغضب الي طاقة بناءة.. ارتبط اسمه بأديب نوبل نجيب محفوظ وبالرغم من نصائحه لصديقه العظيم والتي وشي بها الأصدقاء إلا أن الرجل يقول إن محفوظ هو طبيبه وليس العكس.
من جهة أخري, يتحدث موضحا السلبيات التي يعاني منها المجتمع بسبب سوء الفهم للمرض النفسي, وأخيرا فالدكتور الرخاوي شخصية موسوعية تعيش علي القراءة, لذلك فمحاورته أمر شائك وممتع في الوقت ذاته.
مراحل الطفولة والصبا والشباب يظل لها في نفس كل منا أثر ما لا يتركه ويظل ذلك الأثر يلقي بظلاله علينا في شتي مراحل الحياة.. فماذا عن تلك المراحل في حياة د. يحيي الرخاوي؟
لا أظن أنني أستطيع أن أتكلم عن مراحل طفولتي أو حتي صباي وشبابي بمعني أنها ماض يستعاد, أو حتي بمعني أنها آثار باقية لها ظلال, أنا أعيش هذه المراحل حتي الآن, فأنا مواظب علي قراءة ميكي, وأصاحب عم دهب, وأكره الساحرة سونيا, وأحب بطوط, وأركض مع سوسو ولولو وتوتو: أستظرفهم, وأستثقل دم محظوط, وأرفض بشدة سطحية شخوص مجلة علاء الدين الذين يسطحون خيالي, ويقفون مني شراحا وناصحين معظم الوقت, كما أنني أشاهد معظم أو طول الوقت قناة نيكلوديون( صورة بدون صوت), أثناء كتابتي, وأحيانا في خلفية عملي معظم الوقت, فكيف أتكلم عن مراحل طفولتي بمعني أنها ماض انقضي؟ لكن طبعا هناك ماض لا أستطيع أن أستعيده حالا, فأنا لا أستطيع أن أركب النورج أثناء درس القمح( إن كان ما زال موجودا, ولا أن أغار من أخي الأكبر وهو يلاعب ابن عمتي بالساعات بنج بنج, ونيسيانني تماما, فأشعر بأنني بلا قيمة, ولا أن أركب قطار الدلتا من بلدتنا إلي زفتي, ثم أشوط طربوشي من محطته حتي باب المدرسة, فألمه وأفرده قبل دخولي,
خلاصة القول, إن مراحل الطفولة والصبا تظل معنا, وإن تغيرت تجلياتها لتغير الظروف, المرحلة اللاحقة في النمو تحوي السابقة ولا تمحوها أو تقلبها إلي مجرد ذكريات, وهي قد تطلق سراحها متي أتيحت الفرصة.
كيف بدأت قصتك مع الأدب إلي الحد الذي جعلك تبدع فيه ؟
بدأت محاولات كتابة القصة في المرحلة الابتدائية القديمة, شخبطة أطفال, لكنني في سن الثالثة عشرة( ثالثة ثانوي قديم) كتبت قصيدة في مولد النبي, مجرد أرجوزة, بشكل سجعي خائب, مثل ولد السعيد فأسعدا, هاك الظلام تبددا.... أبشر بني الإنسان قد: أهداك ربك مرشدا..إلخ, لكن في سن الخامسة عشرة, وكان مصروفي في الشهر لا يتعدي خمسين قرشا( نصف جنيه) كتبت قصيدة ما زلت أتعجب لماذا كتبتها وأنا في هذه السن هكذا فقط جاء فيها: أنظر إلي مالك, واعجب علي حالك, وابكي علي ما فات, من عمرك الحالك, فأنت من أموات, فاسلك مع السالك, في عالم اللذات, فكلكم هالك, وحتي الآن لا أعرف كيف كتبت ذلك ومصروفي في الشهر نصف جنيه, وأنا لا أعرف ما هو عالم اللذات أصلا, ثم توقفت, ولا أعتبر هذا أدبا أصلا.
أما كتابتي لثلاثيتي المشي علي الصراط التي نال جزآها الأول والثاني جائزة الدولة التشجيعية في الأدب سنة1979, فلها قصة تتعلق بفضل مرضاي علي. كل ما أنتجت بعد ذلك فيما سمي أدبا, فقد بدأت بكتابة فصول متتالية في مجلة شهرية اسمها الصحة علي ما أذكر كانت تصدرها وزارة الصحة, وترأس تحريرها د. نوال السعداوي, وكانت بعنوان يوميات مريض نفسي علي ما أذكر, وكنت أرغب من خلالها في أن أعرض كيف يشخص المريض الطبيب مثلما يشخص الطبيب المريض, ثم توقفت المجلة, وتواصلت خبرتي مع مرضاي تعريني مع تعريتهم, ولم أجد في المنهج العلمي, ما يسعفني لأنقل خبرتي هذه إلي زملائي أو إلي الناس, فأعدت كتابة هذه الفصول في الجزء الأول من الثلاثية بعنوان الواقعة, وكنت أستلهم ما وصلني من مرضاي من عميق خبرتهم المرعبة كأنها يوم القيامة( الواقعة), وامتدت هذه الرؤية أثناء كتابة هذا الجزء إلي البحث عن الله والتوجه إليه من منطلق الوعي الكاشف حتي لو بدأ مرضيا, ثم تطور الأمر في الجزء الثاني باسم مدرسة العراة لأكمل نفس القضية, ولكن علي لسان أحد عشر مريضا, كل من وجهة نظره مستقلا,, شيء أشبه بعمل فتحي غانم الرجل الذي فقد ظله, أو رباعية الإسكندرية, أما الجزء الثالث فقد كتبته بعد ربع قرن باسم ملحمة الرحيل والعود, وفيه الجيل الثاني لشخوص الجزأين: الأول والثاني الروايتين, واستمر فيه البحث عن الله سبحانه, وقد نشرته الهيئة العامة للكتاب من ثلاث سنوات تقريبا, وإن لم يلتفت إليه أحد من النقاد حتي الآن.
ما سر تعلق الأطباء بالأدب.. والقائمة تضم أسماء عديدة في العالم مثل الأديب الروسي تشيخوف وفي مصر مصطفي محمود ويوسف إدريس وإذا عدنا أبعد من ذلك وجدنا ابن سينا والرازي... هل هناك تفسير نفسي لذلك. أم أنها المصادفة البحتة؟
لا يمكن البدء بالتسليم بهذا القول ببساطة إلا إذا أحصينا نسبة الأدباء من المهن الأخري, وهذا صعب, وفي مصر مثلا علينا أن نعرف عدد من نبغ من الأطباء فعلا في كتابة الأدب, فمصطفي محمود أديب بدأ حياته في الأدب والطب والصحافة معا, ثم ترك الأدب والطب معا إلي ما تصور أنه أنفع فتسطح رغما عنه, أما يوسف إدريس فقد تفرغ للأدب, حتي يكاد يعتبر أنه لم يمارس الطب لا بالقدر الكافي ولا للمدة الكافية التي تسمح بتفسير هذا الربط, أما تشيخوف فهو قد ظل يمارس الطب ويكتب الأدب في الوقت نفسه, ومن أهم أقواله في ذلك وأكثرها دلالة قوله إن الطب هو زوجتي والأدب عشيقتي
فإذا انتقلنا إلي الرازي, فأنا لا أعرف أنه كان أديبا, وأغلب إنجازاته كانت في الطب, وفي أكثر من مجال وتخصص, وكانت كتاباته في غير الطب أقرب إلي النقد الفلسفي والإبداع المعرفي, خصوصا في نقد الدين حتي كفروه صراحة, وابن سينا لم يكن أديبا أصلا, وإنما كان طبيبا فيلسوفا, وعلاقة الطب بالفلسفة أقرب إلي علاقة الطب بالأدب, فأبوقراط أبو الأطباء يقول: ما يصلح للطب يصلح للفلسفة, وما يصلح للفلسفة يصلح للطب, والفيلسوف الطبيب أقرب إلي أن يكون إلها, وحتي قصيدة ابن سينا العينية عن النفس هي قصيدة ضعيفة شعريا, وأفكارها أيضا فلسفية متواضعة, لكنه يظل فيلسوفا طبيبا طول الوقت, وليس أديبا.
أما حكاية التفسير النفسي لأي من ذلك, فأنا أرفض عادة تعبير التفسير النفسي لهذه الظواهر التي لا تحتاج إلي تفسير أصلا, لا نفسي ولا غير نفسي, فأولا: هي ليست ظاهرة بالمعني الإحصائي كما أشرت في البداية, وهي تعتمد علي الاختلافات الفردية أكثر مما تعتمد علي تأثير المهنة, وفي مهنتي لا يمكن أن يكون تفسير ما دفع الدكتور إبراهيم ناجي إلي كتابة الشعر, هو تفسير ما دفع الدكتور محمد كامل حسين أن يكتب روايته قرية ظالمة أو فلسفته وحدة المعرفة, وهذا وذاك غير ما دفعني لقراءة النص البشري مثل قراءة النص الأدبي, ولا هو ما دفعني لكتابة الشعر أو الرواية, وقد نبهنت أن ديواني سر اللعبة ليس مجرد كتابة علم السيكوباثولوجي شعرا, مع أن كتابي الأم دراسة في علم السيكوباثولوجي هو شرح لهذا الديوان الذي اعتبره المرحوم صلاح عبد الصبور شعرا خالصا, وقد كررت مرارا أنه ليس ألفية أو رجزا مثل ألفية ابن مالك في النحو مثلا.
لماذا لم تتفرغ شخصيا لممارسة الادب؟
إذا كان تشيخوف قال إن الطب زوجتي والأدب عشيقتي, فأنا أقول إن النقد غوايتي, وكل من الأدب والطب كما أمارسهما هو بعض تجليات موقفي النقدي الدائم, قلت في ردودي السابقة أنني اكتشفت أنني أمارس الطب باعتباره ممارسة نقدية, وهو ما أسميته نقد النص البشري, وإنجازاتي النقدية هي الأقرب إلي نوع الأدب الذي أمارسه, أنا أعتبر نفسي متفرغا للنقد سواء كان نقد النص الأدبي أو نقد النص البشري, وقد اختلط موقفي النقدي في آخر أعمالي في نقد أحلام فترة النقاهة لنجيب محفوظ, حيث جاء النصف الثاني من هذا العمل في صورة ما أثبت أنه نص علي نصس ز ز.
بمناسبة الحديث عن الطب والأدب يقال إنك قمت بعملية إعادة تأهيل للأديب الراحل نجيب محفوظ عقب محاولة اغتياله حتي يعاود ممارسة الكتابة من جديد؟
هذا لم يحدث إطلاقا, وقد نفيت مرارا أن يكون دوري معه لمدة عشر سنوات هو دور طبيب نفسي, وقد قلت ذلك مرارا, بل إنني أؤكد دائما أنه هو الذي كان يعيد تأهيلي إنسانا, حتي يصح القول إنه كان يعالجني نفسيا بمعني إتاحة الفرصة لي لإعادة التشكيل من خلال صحبته, وقد كتبت ذلك في قصيدتي في عيد ميلاده ال92 وهي القصيدة التي نشرت في الأهرام في2003/3/15 بعنوان ز س:
... زعموا بأني قادر أشفي النفوس بما تيسر من علوم أو كلام أو صناعة
عفوا, ومن ذا يشفي نفسي حين تختلط الرؤي,
أو يحتويني ذلك الحزن الصديق فلا أطيق؟
حتي لقيتك سيدي,
فوضعت طفلي في رحابك.
طفل عنيد.
مازال يدهش كل يوم من جديد.
...............
صالحتني شيخي علي نفسي حتي صرت أقرب ما أكون إليه فينا,
صالحتني شيخي علي ناسي, وكنت أشك في بله الجماعة
يخدعون لغير ما هم.
صالحتني شيخي علي زخم الجموع فخفت أكثر أن أضيع بظل غيري.
صالحتني شيخي علي أيامنا المرة مهما كان منها.
علمتني شيخي بأنا قد خلقنا للحلاوة والمرارة
نحمل الوعي الثقيل نكونه كدحا إليه.
..............
هذه المصالحة هو الذي قام بها لمريد ضعيف لجأ إليه, فهو طبيبي وليس العكس
أما ما يقال عن تدريبه علي معاودة الكتابة, فأنا ليس لي أي فضل في ذلك, بل هو الذي بدأه وأصر عليه حتي عاد إلي الكتابة في حدود الممكن, وقد كتبت عن ذلك في العدد الأول من دوريته ويمكن الرجوع إليه
أنت أول من أدخل العلاج النفسي الجمعي مصر. حدثنا عن هذا العلم ومدي ما تحقق من خلاله ؟
لست أنا الذي أدخل هذا النوع من العلاج في مصر, وإن كنت أول من مارسه علانية في قصر العيني, مع فرص تدريب منتظمة أسبوعيا طوال السنوات الأربعين الماضية( منذ1971 حتي اليوم), وقد تميز هذا العلاج بأنه يجري بالمجان في مستشفي جامعي, ويجري التدريب والإشراف عليه بانتظام, حتي تميز بما يلائم ثقافتنا الخاصة, فأخذ شكلا متميزا وامتد إلي مراكز أبعد فأبعد مثل المنصورة, وكلية الطب جامعة المنيا( أ.د. رفعت محفوظ) وبشكل متقطع في الأسكندرية ومراكز أخري كثيرة في القاهرة, لكن استمر العلاج الذي أمارسه في قصر العيني يتميز بما هو من منظور تطوري بيولوجي تركيبي نمائي معا من واقع ثقافتنا الخاصة.
أما أول من بدأ هذا العلاج فالأمر يحتاج إلي تعريف لهذا العلاج أولا, فليست كل ممارسة علاجية في جماعة يمكن أن تسمي بهذا الاسم, وقد بدأت قبل قصر العيني محاولات جماعية كانت أقرب إلي اجتماعات العنبر المحملة بالنصح والإرشاد الديني, وكانت مفيدة حسب مستواها, كما بدأت محاولة مستوردة تحليلية في قصر العيني قبل ذلك, توقفت تحت زعم أن محتمعنا غير مناسب لها
هذا ولم تكن البدايات مقتصرة علي شخصي, فقد شاركني أ.د. محمد شعلان, خبرة باكرة في جماعات المواجهة التدريبية, ثم ركز هو علي تطبيق مبادئ العلاج للأسوياء والمؤسسات الإدارية.
ولكن ما زال العلاج النفسي وصمة عار في مصر.. وإلي متي سيظل ؟
هذا غير صحيح, فوصمة العار موجودة في كل البلاد, بما في ذلك الأكثر تقدما, ولعل العكس يحدث في مصر, فكثيرا ما يعتبر المريض العقلي بركة في المجتمع الريفي, بما ذلك الذين يعانون من قصور معرفي, بل إن الإعلام يبالغ في تقديم المرض النفسي بشكل سطحي يدفع الناس لقبوله أكثر من اللازم, حتي كاد يصبح أحيانا مبررا للفشل وليس معاناة جادة تحتاج للمساعدة في حمل المسئولية,
أما دور الإعلام في تشويه المريض النفسي والعقلي والسخرية منه,( وكذلك الطبيب, أو المحلل النفسي) فهو دور سلبي يصل إلي درجة الجريمة.
ازدواجية أنظمة التعليم في مصر. هل تراها ضلعا في تعدد هويات داخل المجتمع المصري وبالتالي عدم وجود اتساق في الشخصية المصرية ؟
يا ليتها ازدواجية, بل هي تعددية, وتسطيح, وتشويش, فمن أقصي المدارس الخاصة والأجنبية, إلي أقصي غياب المدرسة أصلا في كثير من أنحاء المحروسة, نخرج أجيالا من النشء لا تعرف اصلا كلمة تربية حتي تتجانس, المدرسة ليست مكانا للتحفيظ حصة وراء حصة, وإذا افتقدت المدرسة إلي أخذ غياب تلاميذها ومدرسيها, وإذا افتقدت إلي فسحة طويلة أكثر من ساعة حتي لو بعدها حصة واحدة, وإذا افتقدت إلي حوش كبير فعلا لممارسة اللعب والحركة, فهي ليست مدرسة, لأن المدرسة مجتمع, وعلاقات وتربية ثم تعليم, وليست مجرد تحفيظ وتسميع, الأمر الذي تركز حاليا فيما يسمي مراكز الدروس فضلا عن حجرات البيوت الخصوصية.
هناك دوما مطالبات بتعريب العلوم في مصر. وهل تراها خطوة ضرورية؟
طبعا ضرورية ونصف, لا بد أن ندرس كل علومنا بالعربية في كل المجالات وكل المراحل, فتل أبيب تدرس علومها بما فيها الطب بالعبرية, واليابان باليابانية, والصرب بالصربية, لا يوجد شيء اسمه لغة علمية عالمية, اللغة العربية هي لغة عبقرية قادرة, وهي التي أقنعتني بحضارة بعد أن كنت أتحفظ علي الاعتراف بها نظرا لما آل حالنا إليه, لا يمكن أن تفرز هذه اللغة إلا حضارة بالغة الرقي, تلك الحضارة التي نعمل الآن بإصرار علي تقويضها إما بالتسطيح أو التبعية,
ثم إني أرفض تعبير تعريب العلوم, فالعلوم ليست أجنبية حتي نعربها, العلوم هي وصف للحقيقة بمنهج علمي ليس له لغة خاصة, ثم يأتي التعبير عن هذه الحقائق بكل لغة حسب قدراتها, واللغة العربية قادرة علي المبادأة والتلقائية ونحت الألفاظ والإحاطة بالحقائق والتعبير عنها, خاصة في مجال تخصصي. المسألة ينبغي ألا تقتصر علي الاهتمام بترجمة العلوم من لغات أخري, بل يجب ان نثق بقدرتنا علي الانبعاث من لغتنا بثقة كاملة.
قبل قيام ثورة25 يناير وبعد ظهور نتيجة الانتخابات البرلمانية التي كانت تنطق بكل آيات التزوير ساد هدوء مريب في الشارع المصري جعلنا جميعا نفقد الأمل في أن هذا الشعب سيثور. وفجأة خرج الشعب عن صمته. فهل كان هذا هو الصمت الذي يسبق العاصفة
لا أظن أن هذا التعبير( الهدوء الذي يسبق العاصفة) هو التعبيرالمناسب, فهو لم يكن هدوءا بل كان غضبا مكتوما, ولم تكن عاصفة, بل كان انتفاضة ثائرة, تلك الانتفاضة الكريمة التي أدعو الله أن نحسن استثمارها ورعايتها حتي تكون ثورة ممتدة, كان الظلم والاحتقار والاستهانة قد تراكمت نسي الحكام السابقون أنهم يحكمون شعبا له كرامة, وطمعوا في صبره أكثر من اللازم حتي تعروا وهم يصفون جهوده الناقدة أو المعارضة بأنها خليهم يتسلوا فانكشف الغطاء, وانفجر الغضب الذي علينا أن نستمر حتي نحوله كلنا إلي طاقة بناءة ونحن نقيم دعائم دولة جديدة من اقتصاد وإبداع تحت مظلة عدل وأمان حقيقيين
مصر ميدان التحرير تختلف كليا وجزئيا عن مصر التي نعرفها.. ما الذي حدث ؟
لا يوجد شيء اسمه مصر ميدان التحرير, ومصر سوق السلاح, ومصر ماسبيرو, ومصر قنا أو أسوان, مصر هي مصر, من أبي سمبل حتي رشيد, من السلوم حتي رفح, لا الحكام الحاليون يعرفون مصر الحقيقية, تماما مثلما أنهم لا يعرفون معني كلمتي عمال وفلاحين, ولا شباب التحرير النقي يعرفون مصر, ولا الحكام السابقون عرفوا أو احترموا مصر, دعونا نبدأ بكل الألم والأمل ونحن نكتشف مصر من جديد لتتجلي في داخلنا وخارجنا في كل مكان.
ما أقصده أن سلوكيات المصريين ايام الثورة بما تحمله من معاني التحضر ليست هي السلوكيات السلبية الهمجية التي رأيناها عقب الثورة وما حملته من انتهازية الكثيرين لتحقيق اقصي استفادة شخصية رغم ما تعانيه مصر؟
هؤلاء المصريون الذين بدأوا هذه الحركة الشجاعة التي أدعو الله أن تتم إلي ما هو ثورة بفضلهم وفضل الحفاظ علي الإيجابيات دون السلبيات مثل أي ثورة تتكون, هم غير أولئك القناصة والقراصنة الذين انقضوا علي جهد هؤلاء الشباب, وهم أيضا غير هؤلاء الذين ركزوا علي مطالبهم الفئوية المشروعة غالبا دون النظر إلي عموم المشاكل, وحقوق مصر اقتصادا وتعليما وإنتاجا التي سوف تسمح بأن تفي لهم بهذه المطالب, وبالتالي لا يصح أن نتكلم علي السلوكيات في حزمة واحدة ونقول إن المصريين أيام الثورة كانوا كذا, ثم إنهم الآن الكيت, وبرغم أنهم كلهم مصريون, إلا أن تعميم الحكم عليهم معا خطأ منهجي
هل صحيح أن ما نرا ه اليوم من ثقافة النفاق واللامبالاة والهمجية في التصرفات والانتهازية هي سمات أصيلة ومتوارثة في الشخصية المصرية ؟ من المسئول عن هذه السلبيات في الشخصية المصرية.. هل هي وليدة الأعوام الثلاثين الأخيرة أم أنها وليدة عصور وعصور شهدنا خلالها كل أنواع الاستعمار والاستعباد؟ وكيف تكون فينا كل تلك السلبيات ونحن أبناء حضارة عريقة ؟
كل هذه المزاعم عن السلبية المتأصلة فينا غير صحيحة, ومن لا يصدق فليقرأ عبقرية المكان لجمال حمدان, أو ينظر حوله ليلتقط عراقة هذا الشعب, وطولة باله, وقدرته علي التكيف وعلي إبداع الحلول الذاتية, هذه قدرة آنية عبقرية, وليست مجرد تمحك في تاريخ أو تبرير لما ظن أنه استسلام, وهو ليس إلا صبر طويل قادر كما أثبت أخيرا.
ما الآليات المفروض تنفيذها حتي نري شخصية مصرية متحضرة تعرف حقوقها وواجباتها ؟
التغيير الحضاري بالذات يحتاج وقتا طويلا جدا, نحن في سبيلنا أن نبني دولة حقيقية, وهذا أمر يحتاج سنين, بل وعقودا, وربما قرونا, ونحن قادرون علي ذلك, والآليات هي: العمل, والوقت, والجدية, والإبداع, من كل واحد دون انتظار أو استئذان
أعرف أن هناك صفات نفسية متوارثة بين الشعوب ونحن في مصر نعاني من أزمة ثقة في الحاكم ايا كان. هل تعتقد أن هذا ما يفسر التشكيك المستمر في المجلس العسكري وفي الحكومة ؟
بعد ثورة التوصيل والاتصالات الحالية أصبحت الفروق بين الشعوب أقل فأقل, والعالم كله الآن يتضافر لمواجهة كارثة الانقراض التي تقودها القوي المالية العالمية, وتسير بها قادة الدول العظمي لتستولي علي عرق وموارد العالم النامي, لا توجد في مصر صفات نفسية تسمح بالتشكيك في من وقفوا بجانب الناس في عز محنتهم مهما ترددوا أو أخطأوا, فالمسألة ليست سهلة, وعلينا حكومة وشعبا أن نتعلم معني الزمن, ومعني الخطأ, ومعني المسئولية طول الوقت.
هل تعتقد أن هذا الشعب المتدين بالفطرة والذي استمع لصوت شيوخ المساجد في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية أكثر ما استمع إلي صوت العقل والمصلحة الوطنية سينتصر لفكرة الدولة المدنية في الانتخابات البرلمانية الوشيكة ؟
كررت مرارا رفضي لهذا الاستقطاب إلي دولة دينية ودولة مدنية, الدولة دولة تمثل الناس, وترعي مصالحهم ويقاس أداؤها بقدرتها علي تحقيق العدل والاقتصاد المستقل والأمان والتربية والتعليم والإبداع, أما أيديولوجية هذه الدولة بما في ذلك دينها فليس لها علاقة مباشرة بتحقيق هذه الأهداف, وقد كررت ألف مرة رفضي لشعار الدين لله والوطن للجميع كما رفضت اعتبار أن الدين ممارسة تسكينية شخصية سرية بعض الوقت, الدين ليس إثما نخفيه, فالإثم ما حاك في الصدر وخشيت أن يطلع عليه الناس, كذلك رفضت الإلحاح علي حذف الدين من البطاقة, لا أحد سيطلب منك أن تريه بطاقتك حتي يطلق عليك نيران تعصبه.
إن خوف العلمانيين من سوء استعمال السلطة الدينية جعلهم يخافون من الدين كله, بل من المتدينين, بل من الإيمان الذي يجمع كل الأديان.
الدولة دولة, وليعلن كل من يتولي المسئولية موقفه, وعلينا نحن أن نقيس أداءه بما سبق أن ذكرته من محكات أدائها, وهي مرة ثانية:
العدل والاقتصاد المستقل والأمان والتربية والتعليم والإبداع
رغم اهتمامك بالشأن العام كمواطن مصري إيجابي إلا أنك كنت ترفض الانضمام الي اي حزب سياسي.. هذا لأنك لم تكن مقتنعا بأي منها.. فماذا عن موقفك الحالي من مختلف الأحزاب المطروحة في ساحة العمل السياسي؟
لا توجد أحزاب حاليا يمكن الزعم بأنها مطروحة في ساحة العمل السياسي, ولم توجد أحزاب سابقا منذ ستين عاما, المطروح حاليا هو عملية تنشيط مشروع حياة سياسية, من أهم تجلياتها وجود تجمعات تمثل مصالح مشتركة, وأخري تمثل آراء ومناهج مشتركة, وهذا يحتاج لنتعلم السياسة سنوات طويلة جدا حتي نكتسب ما يسمي الوعي السياسي, المصاحب حتما بالمسئولية السياسية, بما في ذلك ممارسة الحرية الحقيقية, والنقد المتبادل والنقد الذاتي باستمرار, وقد نضطر أثناء ذلك إلي استعمال الديمقراطية التي هي ليست إلا أحسن الأسوأ, لكن عيوبها لن تسمح لها بأن تكون الحل الدائم وهي بكل هذه السطحية, وأنا آمل, أو أحلم أن تحل لنا التكنولوجيا الأحدث إشكالة قياس مستويات الوعي المتعددة وليس فقط ظاهر الرأي الغالب الخاضع غالبا للإعلام الملتبس, وإلي أن يتم ذلك سوف أظل أمارس السياسة فردا يقول ويشارك من كل المنافذ المتاحة, أنا أتعامل مع السياسة باعتبارها بدهية تميز الإنسان الذي أعتبره سياسيا بطبعه, أما حكاية الانتماء للأحزاب الحالية فهي مؤجلة عندي تماما, مع كل شكري واحترامي لأي مصري يضحي بوقته وفكره بشكل أكثر فاعلية وتأثيرا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.