عندما نتحدث عن الفنان الكبير مصطفي حسين فإننا نجد صعوبة كبيرة.. فلا يوجد قارئ لا يعرفه..فكلنا ندين له بالابتسامة التي يرسمها علي شفاه كل من يطالع رسومه الكاريكاتورية التي تكشف لنا عن فنان كبير صاحب رأي ورؤية. وعندما يتواصل الحوار مع الفنان الكبير مصطفي حسين فإننا نجد صعوبة أكبر.. فالموضوعات التي يدور حولها الحوار معه لا تنتهي.. وعندما يبدأ في الكلام, فإنك تتمني ألا يتوقف كما تتمني أن تطالع رسوماته.. وعندما يتحدث عن ذكرياته فإنك تشعر كأنك أمام منجم أو نهر يتدفق, وعندما يحدثك عن فن الكاريكاتير فإنه يبدو كموسوعة, وعندما يتحدث عن آماله فكأنه يحلق في سماء بلا حدود. وبرغم الصعوبة الشديدة في الحوار معه وبرغم ضرورة الالتزام بالوقت المحدد للقائه في الحديث معه.. فقد جمعنا من كل بستان في ذكرياته وطموحاته وآرائه زهرة لنقدم هذه الباقة من الزهور للقارئ. في البداية سألته: كيف تري رحلتك مع الرسم الصحفي والكاريكاتير والتي امتدت لنحو ستين عاما؟ عندما التحقت عام1953 بكلية الفنون الجميلة حضر في الاسبوع الأول للدراسة الأستاذ أسعد مظهر, والذي كان مستشارا فنيا لدار الهلال, أراد أن يدعم العمل في الدار بالرسامين فاختار خمسة من طلبة الكلية, وكنت واحدا ممن اختارهم ورأي فيهم أنهم واعدون, لهذا منحنا فرصة للعمل في إصدارات دار الهلال ومنها مجلات المصور والدنيا والكواكب.. وهكذا بدأت أولي خطواتي في بلاط صاحبة الجلالة, وكان من حسن حظي انني تعاملت مباشرة وجها لوجه مع قامتين من عمالقة الصحافة هما أميل زيدان وشكري زيدان, وبرغم صغر سني آنذاك فقط أعطوني فرصة ذهبية لعمل أغلفة مجلة الدنيا.. والحقيقة أنني أحمد الله كثيرا علي أنني لم يصبني الغرور بعد هذه الفرصة الذهبية والبداية القوية التي يتمناها كل الصحفيين.. وأعتقد أنني حققت أكثر مما كنت أتمني في بداية حياتي الفنية بفضل هذه الفرصة العظيمة. أول صفحة كان لك رسم يومي بجريدة المساء منذ بداية صدورها عام1956 ثم انتقلت إلي أخبار اليوم1959 فما ذكرياتك عن تلك المرحلتين؟ جريدة المساء كانت أول صحيفة تنشر الكاريكاتير في صدر صفحتها الأولي, وهذا بفضل رئيس تحريرها زكريا محيي الدين الذي كان متفهما وواعيا لأهمية الكاريكاتير, وكان مجددا في الفن الصحفي, وقد استمررت في العمل ب المساء من1954 حتي3691, عندما طلب مني أستاذي الكبير الفنان بيكار العمل معه في مجلة( هي) التي كان يخرجها في طابع فني رائع, وذلك بالاتفاق مع الأستاذين علي ومصطفي أمين, وبعد ذلك تولي خالد محيي الدين الإشراف علي أخبار اليوم فعرض علي التعيين رسميا فانتقلت للعمل بأخبار اليوم منذ ذلك الحين. اشتهرت برسم الكاريكاتير بل إن أغلفة الكتب التي تحمل رسوماتك ذات طابع كاريكاتيري..فلماذا فضلت الكاريكاتير؟ في بداياتي بدار الهلال كنت أرسم رسوما مصاحبة للقصص المنشورة في إصدارات الدار, وتدريجيا وجدت نفسي اتجه إلي فن الكاريكاتير دون تعمد, ووجدت أنه يصل إلي القارئ مباشرة ويؤثر فيه بعمق, كما أنه يحمل رأيا ورؤية للرسام, وبهذا يختلف تماما عن الرسم المصاحب لقصة أو قصيدة, علاوة علي أن ردود الفعل عليه مباشرة وسريعة, فاتجهت إلي فن الكاريكاتير, كما أن العمل في الكاريكاتير بالصحافة يوميا يلزم الفنان علي مواكبة الأحداث ويجبره علي أن يكون سريع الانتاج ليلاحق المطبعة التي تدور في مواعيد لايمكن تأخيرها, ومع الخبرة التي اكتسبتها طوال عملي لسنوات طويلة فقد استطعت مواكبة العمل بالصحافة اليومية. رسوم متحركة حدثنا عن تجربتك الوحيدة في عمل فيلم رسوم متحركة مع الرسامين حسن حاكم وعبدالحليم البرجيني.. ولماذا لم تكرر التجربة برغم نجاحها؟ كان حسن حاكم من أهم أبرز الفنانين المصريين, وكان لدينا أنا وحسن حاكم وعبدالحليم البرجيني اهتمام بالعمل في مجال الرسوم المتحركة, وكنا نتساءل: لماذا لا نخوض في غمار هذا الفن؟, فقد كنا نعتبر الرسوم المتحركة امتدادا للكاريكاتير.. واتفقنا مع الأديب الكبير نجيب محفوظ والمخرج الراحل صلاح أبوسيف علي تنفيذ الفكرة, وكان ذلك عام1962 , وبالفعل بدأنا العمل لإنتاج فيلم صغير باسم( تيتي ورشوان) وكانت الشخصية الرئيسية في الفيلم هي رشوان وهو خفير يرتدي الطربوش ليحرس معبدا فرعونيا للملك تيتي وينام الخفير في غفوة طويلة فيظهر له تيتي في حلمه وتتوالي الأحداث.. ولكن الخامات التي توافرت لنا في هذا الفيلم لم تكن كافية لإنتاج فيلم جيد من ناحية النوعية, فالكاميرا التي استخدمناها كانت كاميرا الملك فاروق, وهي كاميرا خشبية عتيقة تلتقط الفيلم صورة صورة, فاضطررنا لاستكمال تصوير الفيلم بكاميرات استديو مصر, وكانت أكبر في إمكاناتها, لكن إنتاج الفيلم استغرق وقتها وقتا طويلا, وهذه الصعوبات جعلتنا لا نكرر التجربة, كما أننا كنا قد تعودنا علي فن الكاريكاتير الذي كان بمثابة معرض يومي يزوره الرواد ويقولون رأيهم أولا بأول, ونحن تعودنا علي رد فعل القارئ اليومي, وهذا يختلف عن الفيلم والرسوم المتحركة التي تعرض علي المشاهد ولا تتغير يوميا, وبالتالي لا يختلف رد الفعل عليها كثيرا.. وهذا ما جعلنا نقرر الابتعاد عن الرسوم المتحركة ونفضل الرسوم الكاريكاتورية. وما تقييمك الآن لفن الكاريكاتير في الصحف والمجلات المصرية؟ يوجد اهتمام عام في هذه الفترة التي نعيشها بوجود الكاريكاتير في الصحف والمجلات, فالاستعانة برسام الكاريكاتير أصبحت مثل الاستعانة بسكرتير التحرير, فكل مطبوعة جديدة تهتم بوجود مجموعة من فناني الكاريكاتير بها, وهذا تقليد جميل لأنه في الماضي كان الاهتمام بفن الكاريكاتير أقل من هذا. صوت المواطنين وماهي في رأيك حدود العلاقة بين فنان الكاريكاتير والسلطة؟! أعتقد أن هناك علاقة مباشرة, فالفنان يتصدي من خلال الكاريكاتير لمشاكل المجتمع, وهو صوت المواطنين الذي يصل برسومه إلي المسئولين في السلطة. وبعض المسئولين كان يحمل في داخله بذور الديمقراطية فيتقبل النقد ويرحب به, وإن كان البعض الآخر من المسئولين يتذمر من النقد.. لكن النقد في الصحف من خلال الكاريكاتير أو غيره من فنون الصحافة يجب ألا يفسد للود قضية, لأننا في النهاية لا نتعرض للمسئولين كأشخاص, ولكن بوظائفهم العامة. حجازي البسيط في إطار حديثنا عن الكاريكاتير.. ماذا تقول عن الفنان الراحل حجازي الذي فقدناه أخيرا؟ حجازي فنان بسيط وعميق جدا في وقت واحد وعمله كان كشخصيته تماما, فهو إنسان رقيق الحال في وضوح وصراحة وصدق, وقد عملت معه عام1954 في مجلة( التحرير) وكان لديه تواضع شديد ودقة في العمل, وصراحة ومباشرة في الرأي والتعبير, وهذا يظهر في أعماله, وكان له أسلوب مميز, كما كان إنسانا حساسا لدرجة أنه عندما كان يواجه أوضاعا كثيرة لا تعجبه في البلد, ولم يكن يستطيع التعبير عنها فنيا, كان يلجأ إلي الرسم للأطفال حتي لا يصطدم بالسلطة. النقابة سبق انتخابك نقيبا للفنانين التشكيليين.. فما تقييمك لتلك الفترة؟ في بداية عملي كنقيب استطعت خلال اسبوع واحد حل مشكلة كانت شبه مستعصية دامت9 سنوات بين نقابة التشكيليين والنقابة الفرعية بالاسكندرية, وكانت المشكلة محتدمة جدا بين الطرفين, وتمكنت من تهدئة الفنانين في القاهرة والاسكندرية, وعادت العلاقات, وتمت مصالحة كبيرة بين الأطراف, وذلك بعد أن وصلت المشكلة إلي تبادل القضايا في المحاكم.. أيضا كانت النقابة تحصل علي دعم20 ألف جنيه سنويا من وزارة الثقافة وقد استطعت زيادة هذا الدعم إلي04 ألف جنيه سنويا, وهذا المبلغ ساعد إلي جانب الاشتراكات في تحسين حالة النقابة وزيادة موارد المعاشات والرعاية الطبية, ولا يمكنني الادعاء بأنني لو كنت بقيت لمدة أطول كنت سأحقق المزيد من الانجازات, فأنا علي يقين بأن البقاء في الموقع لمدة طويلة يجعل هناك نوعا من التراخي, وأعترف بأن الأمور كانت تتم بشكل روتيني فيما عدا النشاطات الثقافية والرحلات والنشاط الاجتماعي. وماذا تتمني تحقيقه في النقابة في عهد نقيبها الحالي الدكتور حمدي أبوالمعاطي؟ معروف أن النقابة ترعي المهنة والفنانين وآمل أن يكون لديها الامكانات اللازمة لخدمة الفنانين في كل المجالات الاجتماعية والصحية والاقتصادية, ولابد من توفير موارد مالية لها.. وآمل أن يحصل النقيب علي خدمات أكبر لصالح الأعضاء. حدثنا عن تجربتك في رسوم كتب الأطفال؟ خضت التجربة من خلال كتب كثيرة وحصلت علي جائزة الدولة التشجيعية عن رسوم كتب الأطفال, وكانت أفضل تجاربي هي رسومي لكتاب( ألف ليلة وليلة) للأطفال, وكان بحجم أضعاف الكتب التي كانت سائدة. بمناسبة حديثك عن الجوائز.. هل تتنازل عن جائزة مبارك للفنون؟ لقد حصلت علي الجائزة التشجيعية ثم جائزة الدولة التقديرية ثم جائزة مبارك في الفنون, ومازلت أعتز بهذه الجوائز جميعها لأن الذين منحوني إياها نخبة من مثقفي مصر في المجلس الأعلي للثقافة, ولا تدخل لوزير الثقافة في منح هذه الجوائز, وهذه شهادتي بصفتي عضوا سابقا في المجلس الأعلي للثقافة.