أذكر أننى كنت دائماً شغوفاً بعلم الجيولوجيا وكنت أسعى لقراءة كل ما يتعلق بطبقات الأرض والعوامل التكتونية، وكان مدرس الجغرافيا بمدرسة الإبراهيمية الثانوية الأستاذ عادل زيدان تصيبه الدهشة دوماً من أسئلتى حول تكوين صفائح القشرة الأرضية وحركتها ومسئوليتها عن الزلازل بحركتها الدائمة واصطدامها بعضها ببعض، وكيف أنه لم يتوقع أبداً أن تصدر تلك الأسئلة من طالب فى السنة الثانية من المرحلة الثانوية... ثم بعد أن التحقت بالجامعة وأثناء دراستى للفلسفة اطلعت بالصدفة على نظرية "الكوانتم" وكان أكثر ما شغفنى فى تلك النظرية هى فكرة الغرفة السحابية ومشاهدة أثر الإلكترون فى حركته العشوائية على جدران تلك الغرفة والتى لولاها لما تمكن العلم من ملاحظة تلك الحركة لصغر حجم الإلكترون المتناهية واستحالة رؤيته على الإطلاق . كان أكثر ما شغل بال العلماء فى هذه النظرية هى فكرة الطاقة والموجة والعلاقة بين الفوتونات والإلكترونات وأن ماكس بلانك استنتج ان انتقال الطاقة لا يتم إلا على شكل اجسام صغيرة جدا سماها كوانتم اي كميات محددة لا تقبل التجزئة... ثم في سنة 1905 وضع العالم الكبير البرت اينشتاين نظرية النسبية، والتى اسقط فيها اينشتاين الصفة المطلقة للقوانين الكونية والثبوتية حسب المفاهيم التقليدية، فلم يعد هناك لزمان او لمكان او أي كتلة قيمة مطلقة سوى سرعة الضوء بعد ان ادخل متغير اخر جديد هو الزمن الى معادلاته الرياضية وأطلق عليه البعد الرابع... اي أنه طبقاً لتلك النظرية لم تعد هناك قيمة ثابتة للكون تماماً كما تحدث الفيلسوف الاغريقي هيرقليدس حينما قال إنك لا تستطيع ان تضع قدمك في مياه النهر مرتين. وتأكد طبقاً لذلك أيضاً أنه لا توجد لدينا معرفة مطلقة لأي موضوع ، فكل شيء نسبي وأننا نعيش في عالم كل معرفتنا عنه نسبية وفي حالة تطور مستمرة مثلما قال الفيلسوف الالماني كانط أننا لا نستطيع فهم كل الاحاسيس الواردة الى حواسنا، فما نفهمه يعتمد على قابلية حواسنا لتفسيره من خلال امكانية عقلنا نفسه... قد يبدو الحديث عن نظريتى الكوانتم والنسبية من قبيل الحذلقة العلمية التى لا شأن لها بما يدور فى مجتمعاتنا العربية لكننى حين تأملت الأمر قليلاً وجدت أن تلك النظريات تنطبق تماماً على المجتمعات البشرية، فلو افترضنا جدلاً أن كل فرد فى المجتمع هو بمثابة إلكترون يتحرك حول النواة التى هى الدولة سنجد أن هذه الحركة تكون حتماً بلا فائدة ما دامت عشوائية وأننا لو أردنا الاستفادة من تلك الحركة لوجب توجيهها لتكون حركة منتظمة هادفة... الأمر الثانى هو أنه إذا كانت المعرفة نسبية وترتبط بقدرات العقل نفسه على تفسير ما يرد إلى الحواس فإن حاصل جمع العقول هو الحل الأمثل لفهم ظواهر الكون وبالتالى تحقيق قدر أفضل من التقدم للمجتمعات البشرية... سقط نظام مبارك الفردى الذى أقصى كل التيارات السياسية المعارضة أو هكذا بدت الصورة ليأتى نظام جديد لم تتغير فلسفته، نفس طريقة التفكير ومحاولات السيطرة والإقصاء أو هكذا أظن، والمعارضة ليست أفضل حالا فى صراعها مع السلطة الجديدة من أجل الحصول على مكاسب سياسية بدلا من التعاون والتكامل ودمج العقول للوصول إلى إدراك أفضل ومعارف أفضل وحلول جيدة لمشاكل البلاد... نحن نعيش فى زمن لا يمكن التعامل معه بشكل مطلق أو فردي والعالم كله يعانى من مشكلات تهدد البشرية بسبب محاولات الإقصاء والسيطرة من جانب القوى العظمى على منابع الثروات بدلاً من محاولة مدها بالتكنولوجيا لضمان حياة أفضل للجنس البشرى قاطبة... قد نستطيع أن نفهم هذا السلوك الإستعمارى من جانب تلك الدول مع أننا نرفضه تماما، لكن المصيبة الكبرى حين تسلك مجتمعاتنا نفس السلوك ولكن ضد نفسها هذه المرة فتتصارع وتتضاد عقولها بدلاً من أن تتجمع معاً لضمان إدراك واستيعاب أفضل لمشكلاتها من أجل تحقيق مستقبل أفضل متطور لأجيالها فهل من مستجيب؟!...