لم يكن إنتهاك الإسرائيليين لصفقة شاليط وفاء الأحرار التي أبرمتها حكومة نيتانياهو مع حركة حماس برعاية مصرية, في أكتوبر2011, بالأمر المفاجئ أو المستجد لأن هذا الخرق لا يعد الأول التي تنتهك فيه إسرائيل قوانين أو اتفاقيات, وترفض بغطرسة التعاطي مع المواثيق والاتفاقيات الدولية, حيث إن تاريخها حافل بتلك التجاوزات, ولكن أهمية الأمر تتعلق بدلالات توقيته وأهدافه, وخاصة أنه بمثابة صفعة قوية للأطراف التي توسطت في ذلك الاتفاق ورعته وفي مقدمتها مصر والولايات المتحدة. وقد كشفت صحيفة هاآرتس علي موقعها الإلكتروني يوم الأحد17 فبراير2013 عن ملابسات خرق تلك الصفقة, وقيام إسرائيل بإعادة اعتقال14 من المحررين, وذلك منذ مستهل العام الماضي, وإعادتهم لقضاء ما تبقي من عقوبة, وفي مقدمتهم المناضلان أيمن الشراونة وسامر العيساوي المضربان عن الطعام منذ ما يقرب من سبعة أشهر, علاوة علي جعفر عزالدين وطارق قعدان, حيث أكدت الصحيفة أن إسرائيل أخفت خلال المفاوضات الخاصة بالصفقة تعديلات سبق أن أجرتها السلطات الإسرائيلية علي القانون العسكري بالتزامن مع مفاوضات تبادل الأسري منذ عام2009 وذلك قبل إبرام الصفقة في أكتوبر2011, وهو الأمر العسكري رقم1677 المستند إلي المادتين184 و186 من التشريع العسكري, وبمقتضاه يخول لكل من الجيش والشاباك الحق في إعادة اعتقال المحررين ضمن صفقات التبادل وخاصة صفقة التبادل الأخيرة شاليط, أجل استكمال مدد سجنهم الأصلية, وذلك بدعوي ارتكابهم مخالفات تستند إلي شهادات سرية. ولم تكن المحاكم الإسرائيلية بمنأي عن العنصرية التي تتصف بها الدولة( الديمقراطية!), حيث رفضت محكمة الصلح الإسرائيلية في القدس يوم الثلاثاء الموافق19 من فبراير الجاري, الإفراج عن الأسير سامر العيساوي, علي الرغم من صحته المتدهورة, حيث أعلن مؤخرا عن وصيته, والتي تعد رسالة لمواصلة النضال ضد الاحتلال, وربما سيكون استشهاده بداية لانطلاق ربيع فلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي. وفي السياق ذاته رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية يوم الأربعاء الموافق20 فبراير الجاري التماسا قدم إليها من اجل إلغاء ذلك الأمر العسكري(1677), بذريعة ضرورة أن يستنفد الملتمسون المحاكم واللجان العسكرية قبل اللجوء إليها. ولأن لغة الاحتمالات هي الأقرب في تحليل ما يموج في عقول الساسة في إسرائيل, فإنه يمكن تفسير دلالات توقيت ذلك الخرق لصفقة الأسري, والإعلان عن ملابساته من قبل صحيفة هاآرتس في سياق الوضع المتأزم الذي تعيشه مصر داخليا, والتي تريد أن توظفه إسرائيل لمصالحها, وذلك من خلال تعمد إحراجها باعتبارها الوسيط الرئيسي الذي رعي تلك الصفقة والضغط عليها في الوقت نفسه ومساومتها من أجل تحقيق أقصي التزام بمضمون الهدنة التي راعتها إثر عمود السحاب, وإحكام الرقابة علي منع تهريب الأسلحة إلي غزة باعتبارها تلحق أضرارا بالأمن المصري( وتلك محاولة لربط الأمن المصري بالأمن الإسرائيلي) وذلك في مقابل حل مشكلة الأسري وتخفيف الحصار علي غزة, وخاصة مع هدم مصر للأنفاق. وحتي لا تقع مصر فريسة للابتزازات الإسرائيلية علي حساب القضية الفلسطينية, فإن الضرورة تقتضي توضيح ملابسات تلك الأمور من جانب القيادة في مصر حتي تنأي مصر(ما بعد الثورة) بنفسها عن مسئولية تلك الخروقات الإسرائيلية سواء كانت متعلقة بهدنة عامود السحاب أو صفقة شاليط, والتي يمكن أن تتسبب في احتقان الشعب الفلسطيني تجاه مصر. ومن ناحية أخري فإنه ربما تريد إسرائيل من وراء التصعيد ضد الأسري, اتباع سياسة خلط الأوراق, وخاصة مع اقتراب زيارة الرئيس الأمريكي أوباما قريبا إلي المنطقة والتي يفترض أن تسفر عن دفع عملية المفاوضات( وإن كانت شكلية). أي هي محاولة للتحايل علي استئناف المفاوضات, التي يجب أن تكون مشروطة بوقف الاستيطان, وما يؤكد ذلك محاولة نيتانياهو تجميل سياسته اليمينة المتطرفة من خلال منحه ملف المفاوضات ل تسيبي ليفني رئيسة حزب الحركة التي ستقوم فقط بتنفيذ سياسات نيتانياهو, دون إحداث تقدم ملموس في جوهر المفاوضات, فسياسة خلط الأوراق لا تعد جديدة علي دولة الاحتلال التي تبتكر العديد من الوسائل من اجل اغتصاب ما تبقي من أراض فلسطينية وانتهاك المزيد من الحقوق الفلسطينية.