الأماني التي تريدها امة أو يسعي لها وطن أو تتوق إليها جماعة من البشر تحتاج إلي جهود متضافرة وطرق متعددة وإمكانات متنوعة تتطلب جميعها وحدة الصف والهدف, والتي نادت بها الرسالات السماوية جمعاء. ويوضح الدكتور رمضان يوسف الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر, أن دعوات الإصلاح في العالم سواء التي جاءت عن طريق الرسالات السماوية او الصيحات المباشرة, يتوقف انجاز مهمتها علي وحدة الغرض والهدف ووحدة الصف والجهد الذي يبذله أصحابها. ويشير الي أن دعوة الإسلام اصدق دليل علي صدق هذه الحقيقة, ويتضح ذلك في مهمة الرسالة التي اضطلع بها النبي محمد صلي الله عليه وسلم, فلم يكن غرضها نفعا ماديا أو مجدا شخصيا يكمل به نقصا أو يدرك به سلطانا, بل كان الغرض الأساسي مهمة إنسانية عامة تقوم علي غرس العقيدة الصحيحة وتطهير المجتمع من الفساد الذي استشري فيه وعقائده الزائفة وعاداته وتقاليده الباطلة وإعلاء لكلمة التوحيد لله, وإقامة سلطان الحق والعدل في الأرض فقال سبحانه وتعالي: هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله. ويضيف أن نشر كلمة الحق ورفع الأعباء الثقيلة عن كاهل أفراد المجتمع مهمة ضخمة ومسئولية واسعة, كما أن عملية الهدم والتغيير لا يقدر علي القيام بها جهد فرد او مجموعة قليلة, كما أن غرس العقائد الجديدة الصحيحة والمبادئ الإنسانية العادلة والرشيدة داخل وجدان الأمة والاتجاه بها إلي الطريق السوي إنما هي بناء شامخ لا يستطيع إقامته ساعد أو فكر أو جهد واحد, ولكن لابد من تضامن وتوحيد كل القوي والجهود لإتمام الرسالة وتطوير المجتمع وهذا ما اشعر الله سبحانه جميع الذين يدينون بالإسلام بأنهم أمة جمعت بينها العقيدة وربط بينها الهدف فقال عز وجل:( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون). وذكر الله المسلمين بأن تفرقهم واختلافهم كان السبب في ضعف شأنهم في الجاهلية فقال تعالي: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم وهذه الحقيقة شهد بها أهل الجاهلية أنفسهم فقد ذكر احد الوفود التي جاءت النبي عليه الصلاة والسلام سنه تسع من الهجرة أن السبب في عدم وقوعهم فيما تورط فيه القبائل من الاضطهاد والظلم والتناحر ومن الذل والعبودية للغير يرجع الي اتحادهم الذي جعل منهم قوة حفظت لهم مكانتهم, وقد سأل رسول الله وفد بني الحرث بن كعب فقال لهم: بم كنتم تنتصرون في الجاهلية؟ فقالوا كنا نجتمع ولا نتفرق ولا نبدأ أحدا بظلم فقال صلي الله عليه وسلم( صدقتم). ولقد نبه القرآن الكريم علي أن المهام الكبري لا تتم بغير وحدة الصف وعدم الخلاف والتنازع علي أغراض الدنيا فقال تعالي: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وكان النبي صلي الله عليه وسلم يتعهد هذا المعني في أمته ويوصيهم بالترابط وتقوية الوحدة بينهم,كما نهاهم عن الفرقة وكل ما يؤدي الي التنازع, ويقول صلي الله عليه وسلم:( لا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا) وقال( من أراد ان يفرق أمر هذه الأمة وهي جمع فاضربوه بالسيف كائنا من كان) وذلك تأكيدا علي مبادئ الإسلام في خدمه الإنسانية.