ما لم نخرج من ثورة52 يناير1102 بنظام حزبي مصري جديد فإن التحول الديمقراطي في بلادنا سيتعرض لخسارة فادحة . ولست أبالغ إذا قلت إن أي مكاسب أخري قد تنجم عن هذه الثورة مثل العدالة الاجتماعية أو إنهاء زمن التأبيد السياسي: زمن الرئيس المؤبد والوزير المؤبد.. إلخ, ستكون هي الأخري دائما في مهب الريح. وعلينا أن نعترف بصدق بأن أي نظرة متعمقة لتطور الحياة الحزبية في مصر منذ صدور دستور3291 تكشف أننا وقعنا في مصيدة الحزب المسيطر مع إجراء أول انتخابات نيابية أجريت في بلادنا علي أساسه, وكان هذا الحزب المسيطر هو حزب الوفد. وبغض النظر عن أي شعبية حقيقية كان يتمتع بها هذا الحزب باعتباره حزب ثورة9191 والحركة الوطنية المصرية في ذلك الحين, فإن وصف النظام الحزبي المصري في ظل وجوده بنظام الحزب المسيطر يظل وصفا صحيحا من الناحية العلمية, ثم جاءت ثورة يوليو فألغت الأحزاب في يناير3591 وأقامت مكانها نظام الحزب أو التنظيم السياسي الواحد( هيئة التحرير الاتحاد القومي الاتحاد الاشتراكي) من دون وجود أحزاب صغيرة تدور في فلكه. ولكن ما إن أعلن الرئيس الراحل أنور السادات عن العودة إلي نظام الأحزاب المتعددة عام6791 حتي وجدنا أنفسنا مرة ثانية أسري لنظام الحزب المسيطر بكل عيوبه( حزب مصر العربي الاشتراكي الحزب الوطني الديمقراطي). وبعد رحيل السادات وتولي مبارك الحكم استبشرنا خيرا بأن يقودنا مبارك إلي الخروج من مصيدة الحزب المسيطر, وخصوصا بعدما تقرر في أوائل الثمانينيات تجربة إدماج جماعة الإخوان المسلمين في الحياة الحزبية عبر أحزاب وسيطة( حزب العمل حزب الوفد) ولكن مبارك سرعان ما نكص عن التجربة مفضلا استخدام الإخوان المسلمين كفزاعة للغرب وإسرائيل لتوطيد أركان حكمه, وكان جزاؤه العادل أن جنحت به السفينة المصرية في مياه آسنة عطنة أجهزت علي أمل التحول الديمقراطي والخروج من مصيدة الحزب المسيطر وأنتجت لنا المشروع الإجرامي المسمي بمشروع التوريث الذي يعد وحده في تقديري خيانة عظمي لكل تراث الوطنية المصرية واستخفافا مشينا بقيمة مصر الدولية والإقليمية. وانتفض المصريون جميعا في52 يناير ضد كل انحرافات نظام مبارك التي صار الناس يحفظونها عن ظهر قلب.. وقرروا استنئاف مسيرة التحول الديمقراطي. وبسبب أخطاء وقعت فيها الدولة المصرية العميقة, رغم يقيني كمراقب بولائها الكامل لثورة يناير أسفرت الانتخابات المبكرة لمجلس الشعب والشوري عن نتائج أعادتنا إلي المربع صفر.. فقد أتت بحزب الحرية والعدالة( الإخوان المسلمين) وحزب النور( السلفيين) ليكونا معا بديلا للحزب الوطني كحزب مسيطر.. صحيح أنهما حزبان ولكنهما من تيار واحد هو تيار الإسلام السياسي.. وفي هذا ظلم وافتئات كبيران علي الواقع السياسي المصري.. والمدهش حقا إن تيار الإسلام السياسي والإخوان في القلب منه قد فرحوا بهذه النتيجة, ولم يتوجسوا منها برغم انها تضعهم أمام اختبار تاريخي قاتل, وبرغم أنهم يعلمون أن كوادرهم التي دربت علي تحمل الاعتقال والسجن ولو لعشر سنوات لم تتدرب قط علي إدارة دولة, ناهيك عن أن تكون هذه الدولة بحجم مصر وأهميتها الدولية والإقليمية.. لقد قرأ الإخوان والسلفيون الواقع السياسي المصري قراءة خاطئة وقرروا الاستفراد بكل ما يمكن الاستفراد به.. ونسوا أن أزمة نظام مبارك المميتة تكمن في فشله في نقل مصر من نظام الحزب المسيطر إلي نظام تعددي حقيقي.. وأن كل الكوارث أو الموبقات الأخري التي ارتكبها ذلك النظام هي الثمرة المرة لهذا الفشل.. لقد كان نظام الحزب المسيطر مقبولا نسبيا في زمن التحرر الوطني ومعضلاته التي كانت تتطلب التفاف الشعب حول زعيم كاريزمي أو حزب قوي في مواجهة المستعمر وأذنابه, أما في زمن التحول الديمقراطي والبناء الاقتصادي والسعي للعدالة الاجتماعية فإن نظام الحزب المسيطر سيكون عبئا علي الشعب وعبئا علي أصحابه في آن واحد.. ولن يستطيع مثل هذا النظام أن يصنع استقرارا تحتاجه أعباء تلبية احتياجات الجماهير.. وإذا قرأنا الواقع المصري خلال الشهور الماضية قراءة أمينة فسنجد أن رفض الناس لنظام الحزب المسيطر هو سبب ما نحن فيه من بلايا وضياع وعدم استقرار. وأن إصرار حزب الرئيس علي فرض هذا النظام علي باقي القوي السياسية هو سر ما وقعت فيه مؤسسة الرئاسة من أخطاء مخجلة. وليس المطلوب بالقطع تسمين الأحزاب الهزيلة لكي تكبر, وإنما المطلوب إجمالا أن تحكمنا قوانين انتخابية عادلة تسمح بقيام نظام حزبي تعددي واضح.. فهذا هو المدخل الحقيقي للتحول الديمقراطي والضمانة الوحيدة لتحقيق الاستقرار, والعاصم لثورة يناير وأهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية من الانتكاس.. فإياكم ومستنقع الحزب المسيطر؟!