نحتفل هذه الأيام بالعيد الثاني لانتفاضة25 يناير2011 التي فجرها الشباب وحمتها القوات المسلحة وأعطتها جموع الشعب من مختلف الطبقات الاجتماعية زخما ثوريا عوض كثيرا من النقص الناجم عن عدم وجود قيادة معروفة وثابتة لهذه الانتفاضة. وتقديري كمراقب أن كل القوي السياسية المصرية تستطيع أن تقسم غير حانثة أنه كان لها دور في هذه الانتفاضة العظيمة التي فتحت أبواب التحول الديمقراطي الحقيقي في بلدنا علي مصراعيه وأعادت الاعتبار لفكرة العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد التي كان نظام مبارك قد قتلها ودفنها من دون كفن خلال سنواته العشر الأخيرة. ويخطيء من يقول إن انتفاضة25 يناير لم تأت لنا إلا بحكم الإخوان والسلفيين وباقي أحزاب التيار المسمي الإسلام السياسي كما يخطيء هذا التيار إذا تصور أن وصول أحد رموزه إلي قصر الرئاسة في مصر فرصة للعمل علي تأبيد حكمه البلاد عن طريق دستور معيب وممارسات تكرس لنظام الحزب الكبير الذي تدور في فلكه كوكبة من الأحزاب الصغيرة كما كان الحال منذ عودة نظام تعدد الأحزاب إلي حياتنا عام.1976 إن هذه الانتفاضة أو الثورة إذا شئتم قد أنهت ومنذ أسابيعها الأولي زمن التأبيدات السياسية الرئيس المؤبد, والوزير المؤبد, ورئيس مجلس الشعب المؤيد, وحتي الرؤساء المؤبدين لمؤسساتنا الصحفية والإعلامية الذين مكنهم التأبيد من أن يدوسوا علي قيم مهنية وأخلاقية وسياسية كثيرة من أجل البقاء لأطول فترة ممكنة علي كراسيهم الوثيرة, ينهبون ويمكنون حوارييهم من النهب المنظم أحيانا والعشوائي في أحيان أخري, غير عابئين برسالاتهم المفترضة كصحفيين وإعلاميين تجاه الوطن والشعب وجمهور القراء والمشاهدين والمستمعين حتي أصبحوا رموزا فاسدة ومفسدة في آن معا بدلا من أن يكونوا رموزا للتنوير كما كنا نحب أن نراهم عليه. ولمن لا يذكر أقول له إن التعديلات الدستورية التي جري الاستفتاء عليها يوم19 مارس2011 أي بعد36 يوما فقط من تخلي مبارك عن الحكم هي برغم أي تحفظات التي نصت علي أن مدة الرئيس4 سنوات ولا يجوز التجديد له سوي مرة ثانية يترك بعدها الحكم مشكورا أو مذموما مدحورا للرئيس الجديد الذي يختاره الشعب ثم جاء دستور ديسمبر2012 لينسج علي ذات النهج. ويتعين علي جميع القوي السياسية بالطبع أن تحمي هذه النصوص من العبث وأن تكسر رأس من يحاول التعدي عليها وتزيحه كأي طاغية إلي مزبلة التاريخ. وإذا كانت ثورة25 يناير قد أعادت الاعتبار أيضا لفكرة العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد فهي قد فعلت ذلك من منظور حقوقي في المقام الأول فهي لم تكن ثورة اشتراكية ولا رأسمالية اجتماعية ولا ثورة شيوعية بالطبع ولا حتي ناصرية رغم أن جمال عبد الناصر كان الزعيم المصري الوحيد التي رفعت جماهير ميادين التحرير صورته خلال الفترة ما بين اندلاع الانتفاضة وسقوط حكم مبارك. كما أنها بالقطع لم تكن ثورة الإسلاميين.. لقد كانت ثورة أرقي من هذا كله.. كانت ثورة ديمقراطية حقوقية تدرك أن فكرة العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد صارت ذائبة الآن في كل مواثيق حقوق الإنسان وفكر التنمية البشرية.. وصارت عهدا دوليا تقاس عدالة الحكومات والدول علي مدي التزامها به.. فثورة25 يناير يمكن أن تكون اشتراكية أو رأسمالية اجتماعية أو شيوعية أو ناصرية أو إسلامية بقدر ما في كل مدرسة من هذه المدارس الفكرية من حرص علي حقوق الإنسان القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية مجتمعة. لقد تركزت مطالب ثوار25 يناير بعد المطالبة بإسقاط النظام علي العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية مدركين بوضوح قاطع أنه لا كرامة ولا حرية لجائع أو مشرد أو عاطل عن العمل المجزي أو محروم من حق العلاج أو حق التعليم أو الحق في نصيب عادل من ثروة وطنه ودخل بلاده القومي.. لا كرامة ولا حرية لمن لا يأمن علي نفسه وماله وذويه.. لا كرامة ولا حرية لمن يحرم من حرية الاعتقاد والحق في ممارسة شعائره الدينية بطمأنينة لا يشوبها خوف ولا فزع. لا كرامة ولا حرية لمن لا يحميه مجتمعه ودولته من غول الفقر أو لا يحصل علي الرعاية الواجبة والكافية إذا ما تعرض للإعاقة.. لا كرامة ولا حرية لمن يحرمه الفساد من الفرصة المتكافئة مع أقرانه.. لا كرامة ولا حرية لمن يمارس التمييز ضده عيانا بيانا بسبب الدين أو النوع أو اللون أو الأصل العرقي.. لا كرامة ولا حرية لمن يحرم من تحقيق ذاته أو استثمار مواهبه في الإبداع بكل صوره أو الابتكار الذي يضيف إلي إنسانيته مزيدا من الإنسانية وإلي وطنه مزيدا من الثراء الفكري والمادي. تحية لثورة25 يناير في عيدها الثاني ولنتذكر جميعا في الحكم والمعارضة أن خطايا نظام مبارك الذي أسقطته خطايا حقوقية كلها ودون استثناء. المزيد من مقالات عبداللطيف الحنفى