الأكاديمية الوطنية للتدريب: نؤمن بدور الشباب في توطين أهداف التنمية المستدامة    أسعار الدواجن بالإسكندرية تشهد ارتفاعا.. الفراخ البيضاء تسجل 80 جنيها للكيلو    بمناسبة اليوم العالمي.. الإحصاء: 21.3 مليون نسمة من إجمالي السكان من الشباب    مقتل جندي سوري في اشتباكات مع قسد شرق حلب    الخارجية الفرنسية: مستقبل غزة يجب أن يصاغ ضمن إطار دولة فلسطينية تديرها السلطة    أمريكا تضع 600 جندي في حالة تأهب دائم لمواجهة الاضطرابات الداخلية    "الأهلي موافق ولكن".. مصدر يوضح لمصراوي حقيقة رحيل أحمد عبدالقادر للدوري الليبي    المجلس الأعلى للإعلام يتلقى شكوى من نادي الزمالك ضد برنامج حارس الأهلى    "الجمهور حاضر".. طرح تذاكر مباراة الزمالك والمقاولون العرب في الدوري    ضبط 11 سائقا لتعاطيهم المخدرات خلال قيادتهم على الدائري الإقليمي    تعرف على طقس السعودية اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    أمين مجمع الفقه الإسلامي: التعاون الإسلامي تناشد العالم لوقف عاجل لمأساة فلسطين    28 أغسطس.. روبي ورامي صبري يجتمعان في حفل واحد بالساحل الشمالي    وكيل وزارة الصحة بالدقهلية يحيل المدير الإداري لمستشفى الجلدية والجذام للتحقيق    "أبو كبير" تنعى ابنها البار.. ماذا قال أهالي الشرقية عن الراحل علي المصيلحي؟ -صور    الجمعة.. فرقة واما تحيي حفلاً غنائياً في رأس الحكمة    هاني تمام: "القرآن يأمرنا بالمعاشرة بالمعروف حتى في حالات الكراهية بين الزوجين"    نتيجة المرحلة الثانية، تنسيق حاسبات ومعلومات 2025    طريقة عمل المكرونة بالصلصة، أكلة خفيفة وسريعة فى الطقس الحار    خاص| وسام أبوعلي يستخرج تأشيرة العمل في أمريكا تمهيدا للانضمام إلى كولومبوس كرو (صورة)    كامل الوزير: عمل على مدار الساعة لتحقيق مستوى نظافة متميز بالقطارات والمحطات    قطع مياه الشرب عن مدينة ديرمواس بالمنيا غدا لمدة 6 ساعات    بدء استئناف المتهم بقتل نجل مالك مقهى أسوان على حكم إعدامه    "بينهما صلة قرابة".. خالد مرتجي ينعى علي المصيلحي    كيف تحمى نفسك من ضربة الشمس فى موجات الحر.. خبير صحة عامة يجيب    لليوم ال12.. التموين تستكمل صرف مقررات أغسطس    حمادة صدقي: أحمد حسن زعل من انضمام حسام حسن لفراعنة 2006 بسبب شارة الكابتن    قبل رونالدو.. ما هي حكاية صديق جورجينا الأول؟    منتخب مصر الثانى يواجه البحرين مرتين وديا فى أكتوبر المقبل رسميا    رسميًا.. باريس سان جيرمان يتعاقد مع مدافع بورنموث    اليوم.. إعلان نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ 2025    معامل ومكتبة مركزية.. جامعة أسيوط الأهلية تستعد لاستقبال الطلاب الجدد - صور    «تعليم كفر الشيخ» تعلن النزول بسن القبول برياض الأطفال ل3 سنوات ونصف    مصدر يكشف لمصراوي أعداد السودانيين العائدين عبر قطارات السكة الحديد    حملات موسعة لهيئة البترول للتصدي لمخالفات تداول وتوزيع المنتجات البترولية    مصرع طفل غرقا في ترعة باروط ببني سويف    «العمل» تجري اختبارات للمرشحين لوظائف الأردن بمطاحن الدقيق    المكتب الإعلامي الحكومي في غزة يفند أكاذيب الاحتلال حول سياسة التجويع في القطاع    كوريا الجنوبية ترحب بتفكيك جارتها الشمالية لبعض مكبرات الصوت على طول الحدود    الجمعة.. قصور الثقافة تقيم فعاليات متنوعة للأطفال بنادي الري احتفالا بوفاء النيل    أمير كرارة على القمة.. فيلم الشاطر يقفز بإيراداته إلى 75.2 مليون جنيه في 26 ليلة    محافظ الجيزة يترأس اجتماع اللجنة التيسيرية لمشروع تطوير منطقة الكيت كات    افتتاح فعاليات الدورة السادسة من معرض رأس البر للكتاب    محمد نور: مقياس النجاح في الشارع أهم من لقب «نمبر وان» | خاص    الأمم المتحدة: أكثر من 100 طفل يموتون جوعا في غزة    12 أغسطس 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    بالفيديو.. التنمية المحلية: تعليمات بمراجعة معايير السلامة داخل منظومة النظافة    وزير الصحة يبحث مع المرشحة لمنصب سفيرة مصر لدى السويد ولاتفيا التعاون الصحى    تحرير 131 مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق    انتشال جثمان طفل غرق في بحر شبين الكوم بالمنوفية    هل يجب قضاء الصلوات الفائتة خلال الحيض؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أمين الفتوى: "المعاشرة بالمعروف" قيمة إسلامية جامعة تشمل كل العلاقات الإنسانية    "لوفيجارو": الصين في مواجهة ترامب "العين بالعين والسن بالسن"    لجان ميدانية لمتابعة منظومة العمل بالوحدات الصحية ورصد المعوقات بالإسكندرية (صور)    تنسيق المرحلة الثالثة، الأماكن الشاغرة للشعبة الأدبية (نظام حديث)    العظمي 38.. طقس شديد الحرارة ورطوبة مرتفعة في شمال سيناء    مواقيت الصلاة في أسوان اليوم الثلاثاء 12أغسطس 2025    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تانجو وموال مي خالد
نشر في الأهرام اليومي يوم 07 - 11 - 2011

تانجو وموال رواية بديعة‏,‏ لكاتبة مصرية متفردة هي الإعلامية مي خالد التي ما فتئت تجرب صوتها السردي‏,‏ للتعبير عن عالمها في ثلاث مجموعات قصصية‏, امتدت في نفس طويل روائي عبر ثلاث روايات, حتي عثرت في هذه الرواية الأخيرة علي بؤرة أسلوبها المشعة, وأيقونة تجربتها الخصبة; في المزح المتآلف بين أشجي تجليات الفن الشرقي في الموال, وأحفل تمثيلات الأداء الجسدي الراقص في إيقاعات التانجو الرشيقة, حيث تتجسد فلسفة اكتشاف الذات في ضوء التناغم مع الآخر. لتكشف عن ثراء الثقافة بالتخصيب, واتساع الرواية دائما بتقنيات الابتكار والتجريب.
تصاب الراوية التي تمسك بزمام السرد بخرس هيستيري يحملها إلي مصحة الأمراض النفسية بدلا من التماس العلاج العادي, فتتدفق علي مخيالها النشيط صور الأصوات والأشكال والأحداث بطريقة بالغة العفوية والتنوع, فيأخذ خطابها الداخلي أوضاعا متباينة مثيرة للاهتمام, تنقذ حياتها وتستعرض مفارقاتها ومغامراتها, تقول في تقديم نفسها: انظروا من تتكلم, نزيلة في مصحة نفسية تعاني من فقدان القدرة علي الكلام, وتسخر من تركيبات نحوي خاطئة أو لثغة بسيطة عند من يفترض أن يكونوا معالجيها. ثم تمضي في وصف خصوصيته هذه التجربة ومأساويتها قائلة لقد احتجزوني مع فاقدي العقل, مع أن الأمر الشائع هو أنه إذا تم العقل نقص الكلام, فلم كل تلك الحيل والألاعيب العلاجية والعقاقير الملونة التي تكهرب الجسد والدماغ, الأمر الوحيد الذي ربما يكونون محقين فيه هو النغمات والمواويل التي تلح علي رأسي ولا تهدأ حتي أثناء النوم, فيأتيني الزار والمولد, والسيفونية والطقطوقة والكونشرتو علي هيئة أحلام صاخبة تتداخل فيها القوالب الموسيقية بلا تناغم أو تآلف.. لو يعهدون بي إلي مايسترو متمرس, أو كوديه زار مثل سميحة السودانية لتصالحني علي الأسياد فيتكون الهارموني بين الروح والجسد لكن النقد الذي توجهه الراوية لا يتوقف عند حد اكتشاف هذا الانفصام الأليم في شخصيتها, بل يمتد ليجسد عالم الميديا التي تغمر مذيعة البرامج الموجهه. بخبرات إنسانية وجمالية فائقة, فهي تقوم بترجمة الأفلام الأجنبية إلي العربية, وهي تختزن كما هائلا من المعارف عن عوالم المصحات النفسية وتتذكر تجربة قام بها عشرة من الأصحاء نفسيا, أعطوا أنفسهم أسماء اضطربات وجدانية وهمية, وما هي إلا وصمات ألصقها بشر ببشر مثلهم, لتتكسب منها مافيا من السماسرة. عاش الأشخاص العشرة بداخل المصحات وتصرفوا وفقا لسلوكهم الطبيعي, لكن الأطباء صمموا علي إعطائهم العقاقير, ولم يسمحوا بإطلاق سراحهم إلا حينما بدأوا يدعون الجنون ثم تناولوا العقاقير وزعموا الاستشفاء. علي أن الرواية تتقن حبك قصتها وسبب إصابتها بهذا الخرس, فتتذكر طفولتها وكيف فقدت صوتها وهي تلقي كلمة الصباح في المدرسة ففوجئت بخبر موت أبيها, وعاودتها العلة ذاتها عندما دعيت لاستلام شهادة التقدير لأمها الأرجنتينية الأصل عقب موتها بالسرطان بعد عملها في الإذاعة الموجهه, وتمثلت جوهر حياتها في محاولة الجمع المتآلف بين هذين الأبوين, بين الموال والتانجو, بين الأب المغرق في مصريته, والأم العريقة في لاتينيتها, فتستغرق في الاستسلام للمنومات وهي تتذكر موال:
اللي معاه فكر ينام ويصحي به
الشمع يحرق في نفسه وينور علي صاحبه
نام يا خالي نام, وسيب الفكر لصاحبه
من العتبات إلي ماسبيرو:
منذ عتبة إهداء الرواية المدهش إلي الواقفة في شموخ, المتثنية في دلال, آلة الكونترباص المتشكلة علي هيئة تكوين فني لجسد امرأة في ساحة دار الأوبرا المصرية إلي التسمية التي تتخذها الراوية لنفسها فيولا والاستعارة التي تلف بها مروان رفيق طفولتها ومخاطبها علي مدار الرواية كلها, فإن التمثيلات الموسيقية هي التي تغمر مناخ العمل, تخاطب الرواية ذاتها في نوبة صحو بين الحقن فتقول فيولا الغرام, يا ملكة الآلات وسلطانة العواطف, يا من لك أمزجة البشر, تتكلمين بشعور العازف, وتكشفين أسرار عواطفه, يضعك علي صدره فتحملين علي أوتارك دقات قلبه, هاهم يعتقلونك بين جدران أربعة في مصحة نفسية, من سيخلصك سوي آلة تعرف مكانتك, بيانو مثلا, هو الوحيد الذي ينافسك في السيادة.. مر.. وا.. ن, هل يمكن أن تكون ذلك البيانو المخلص. منذ هذا التأسيس الماهر لإيقاع السرد المنهمر في قلب التجربة الموسيقية وفصول الرواية تتحري حاملة فلذات مفعمة بكشوف جمالية, منبعثة من صميم تجربة أنثوية, منقوعة في صلب الحياة المصرية الواقفة علي الحافة, بين البيئتين: الاستقراطية في الزمالك والشعبية في أبو النمرس, بين ردهات الأوبرا المصرية ودهاليز الموالد الشعبية حيث تقام حفلات الزار وينتشر عبق الأسياد في تلافيف البخار. لكن التمثيل العجيب لبرج ماسبيرو وتناقضاته الفادحة يظل من أطراف المشاهد التي تستعرضها ذاكرة فيولا المستلبة إذ تقول: قررت أن أري المكان بعيني آريا (أمها الأرجنتينية) أن أجد في تكدس موظفي المبني الأربعين ألفا حميمية ودفئا, وفي إعلانات المصايف والوفيات المتناثرة علي جميع الحوائط تآلفا وأخوة, وفي طوابير المصاعد الطويلة فرصة للتعارف, وفي ممازحة الموظفات مع زملائهن الرجال خلاصا من روتين منزلي ودفعة للاستمرار, وفي مجاميع الكومبارس المتجهه بملابس تاريخية نحو استوديو عشرة انتقال لا إرادي إلي زمن آخر; فرعوني أو أيوبي, وفي المئات من أصحاب التوك شو المتزاحمين خارج المبني وسيلة إلي شكر الله علي ما آتاني من نعم بطبيعة الحال لا بد أن تكون الرواية مكتوبة قبل ثورة يناير, مع أنها منشورة هذا العام 2011, لم تكن ساحة ماسبيرو قد شهدت خيام الاحتجاجات والاعتصامات ولا الاحتكاكات الدامية التي حولتها إلي رمز يوازي التحرير ويعاكس دلالته, ولو شهدت الرواية ذلك لأدمجته في نسيج روايتها لبرج ماسبيرو بكل تناقضاته, لكنها تمضي في استعراض تجاربها مع كل من رياض الذي التمست عنده دفء الأبوة, و حسين الذي حملها إلي قاع المجتمع وهو يخدرها بأغاني محمد منير, ومروان الذي يخاتلها بالجرة, فتقتفي وجوده علي صفحات التواصل الرقمية, وتجعل الرواية نشيدا عذبا مبتهلا إليه, قبل أن تعود برشاقة إلي نقطة البداية فيما يحلو لها أن تطلق عليه الروندو وهي تمزج خطوات السرد بمصطلحات النغم. لكن المشهد المحوري المحكي عن أمها في المقارنة بين التانجو والموال يظل بالغ الدلالة فقواعد التانجو تعتبر كتابا مقدسا للحياة اليومية اللاتينية, فالرجل ليس مجرد ذكر, إنه الإنسان النبيل الشهم الواثق من ذاته الراسم البارع لخطواته.. راقص التانجو يقود دفة الحياة بفرحة وعليه أن يضمن السعادة لشريكته, لا أن يتمدد علي فراشه الصباحي ويتركها تسعي من محطة إذاعية إلي جريدة أسبوعية إلي ترجمة فورية لتحقق لأسرتها حياة تشبه طفولتها في بلدها البعيد وبين الحياة المصرية واللاتينية يتمزق وجدان فيولا, وتنحبس أحبال صوتها فيكون مصيرها في مصحة نفسية. نقد قاس للحياة, والتقاط ناقد لأعمق إيقاعاتها, وتجربة مثيرة في الكتابة الروائية الشابة مفعمة بالرموز الدالة.
المزيد من مقالات د‏.‏ صلاح فضل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.