شغلت مناسك الحج الشعراء علي مر العصور, واحتلت من شعرهم مكانة كبيرة, وقد تنوعت أساليب تناولهم لهذا الركن العظيم من أركان الإسلام..ويحمل تاريخ الأدب أبياتا عن الحج تعود إلي العصر الجاهلي قبل بعثة النبي صلي الله عليه وسلم . , فمن المعروف أن حج بيت الله الحرام كان يحتل مكانة عظيمة لدي الجاهليين قبل نزول الإسلام حتي من عبدة الأوثان, وكانت رعاية البيت وإطعام الحجيج والسقاية والسدانة شرفا تتسابق عليه القبائل, ومن أشهر الأبيات التي نقلت عن هذا العصر تلك الأبيات التي قالها مضاض بن عمرو بن الحارث حينما فقدت قبيلته جرهم مكانتها في خدمة الحجيج.. وقائلة والدمع سكب مبادر وقد شرقت بالدمع منها المحاجر كأن لم يكن بين الحجون إلي الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر بلي نحن كنا أهلها فأزالنا صروف الليالي والجدود العواثر وكنا ولاة البيت من بعد نابت نطوف بذاك البيت والخير ظاهر فسحت دموع العين تبكي لبلدة بها حرم آمن وفيها المشاعر وتبكي لبيت ليس يوذي حمامه يظل به أمنا وفيه العصافر أما في العصور الإسلامية فقد أخذت أغراض الشعر من الحج منحي مختلفا, فلم يعد شرف خدمة الحجيج هو المهم بعد أن عرفت المناسك التي لم يكن يعرفها الشاعر الجاهلي, فكثرت الأشعار عن مني وعرفات والهدي والرجم وما إلي ذلك, ومن أشهر ما قيل في المناسك, الميمية المشهورة للإمام ابن القيم التي تبلغ المائتي بيت, ويقول فيها: فلله ذاك الموقف الأعظم الذي كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم ويدنو به الجبار جل جلاله يباهي بهم أملاكه فهو أكرم يقول عبادي قد أتوني محبة وإني بهم بر أجود وأكرم فأشهدكم أني غفرت ذنوبهم وأعطيهم ما أملوه وأنعم ومن القصائد التي اشتهرت في وصف رحلة الحج, قصيدة عمر بن أبي ربيعة التي يستغل فيها المناسك في التغزل بمحبوبته, لكنه هنا يتفرغ لوصف الرحلة في قصيدة يقول في مطلعها: إني ومن أحرم الحجيج له وموقف الهدي بعد والبدن والبيت ذي الأبطح العتيق وما جلل من حر عصب ذي اليمن والأشعث الطائف المهل وما بين الصفا والمقام والركن وزمزم والجمار إذ رميت والجمرتين اللتين بالبطن وما أقر الظباء بالبيت والورق إذا ما دعت علي فنن أما النابغة الذبياني فقصيدته الشهيرة بانت سعاد تحمل وصفا دقيقا لرحلة الحج التي قام بها: قالت: أراك أخا رحل و راحلة تغشي متالف لن ينظرنك الهرما حياك ود: فانا لا يحل لنا لهو النساء و إن الدين قد عزما مشمرين علي خوص مزممة نرجو الإله ونرجو البر والطعما وفي عصر آخر وهو القرن السابع الهجري, وفي مصر يهيم بن دقيق العيد شوقا بمناسك الحج, فيصف لحظة وصول رحلته إلي مكة لتلبية نداء الرحمن يقوله: تهيم نفسي طربا عندما أستلمح البرق الحجازيا ويستخف الوجد عقلي وقد أصبح لي حسن الحجي زيا يا هل أقضي حاجتي من مني وأنحر البزل المهاريا فأرتوي من زمزم فهي لي ألذ من ريق المها ريا ولم يقل الاهتمام برحلة الحج ومناسكه عند الشعراء في العصر الحديث... فتسابقوا إلي الحديث عنها بأشكال مختلفة, وها هو أحمد شوقي يقول في رائعته إلي عرفات الله واصفا رحلة المناسك من عرفات إلي رمي الجمرات: إلي عرفات الله يا خير زائر عليك سلام الله في عرفات ويوم تولي وجهة البيت ناضرا وسيم مجالي البشر والقسمات علي كل أفق بالحجاز ملائك تزف تحايا الله والبركات إذا حديت عيس الملوك فإنهم لعيسك في البيداء خير حداة لدي الباب جبريل الأمين براحه رسائل رحمانية النفحات وفي الكعبة الغراء ركن مرحب بكعبة قصاد وركن عفاة وما سكب الميزاب ماء وإنما أفاض عليك الأجر والرحمات وزمزم تجري بين عينيك أعينا من الكوثر المعسول منفجرات ويرمون إبليس الرجيم فيصطلي وشانيك نيرانا من الجمرات ومن المشاهد التي تخلب لب شوقي, ذلك المشهد المهيب لأصناف الحجيج من مختلف البقاع والأسقاع, وهم علي اختلاف ملامحهم ومشاربهم متساوون أمام رب البرية في هذا المكان العظيم: لك الدين يا رب الحجيج جمعتهم لبيت طهور الساح والعرصات أري الناس أصنافا ومن كل بقعة إليك انتهوا من غربة وشتات تساووا فلا الأنساب فيها تفاوت لديك ولا الأقدار مختلفات عنت لك في الترب المقدس جبهة يدين لها العاتي من الجبهات منورة كالبدر شماء كالسها وتخفض في حق وعند صلاة أما محمود حسن إسماعيل فقد حاول استخلاص العبر والمواعظ من رحلة الحج والوصول إلي الأسرار الروحية للمناسك وأثرها علي الحجيج, فحينما ينزل الشاعر فحينما ينزل الشاعر إلي الأراضي المقدسة يتبادل السلام مع حمام الحمي ويقول: ولما نزلنا بأرض الهدي ورد السلام حمام الحرم وطفنا مع الشوق حول الستور ورحنا بأرواحنا نستلم دعونا وماذا تقول الشفاه إذا الروح غنت بسحر النغم وعندما يدخل إلي البيت الحرام يقول: هنا النور يشرق في كل عين هنا العطر يسبح في الروضتين هنا الروح في عتبات الضياء وفوق الصفا وعلي المروتين صفاء يعطر كل الدروب وطهر يفيض علي الجانبين هنا مهبط الوحي من سار فيه سري هائم الروح في جنتين ويستهوي الشاعر وصف لحظات الوصول, فبعد الفراغ من مناسك الحج يصل الحجيج إلي المدينةالمنورة, ويصور محمود حسن إسماعيل هذا المشهد في أبياته التالية: نبي الهدي ورسول السلام وحادي الشفاعة يوم الزحام حملت الهداية للحائرين وفجرت بالنور قلب الظلام وكنت المنارة للعالمين وكنت الكرامة تحدو الأنام فطوبي لمن زار هذا الضياء عليه الصلاة- عليه السلام- أما د. عبد المعطي الدالاتي فله قصيدة طويلة يصف فيها بشوق ولهفة رحلة الحج, ويزيد من شوقه رؤيته للحجيج وهم ينطلقون إلي البيت, فيقوم هو بالرحلة بروحه وقلبه وجسده في موطنه- ويصفها للقارئ: الراحلون إلي ديار أحبتي عتبي عليكم.. قد أخذتم مهجتي وتركتم جسدي غريبا هاهنا عجبي له! يحيا هنا في غربة! كم قلتم ما من فصام أو نوي بين الفؤاد وجسمه.. يا إخوتي! وإذا بجسمي في هجير بعاده وإذا بروحي في ظلال الروضة! قلبي..وأعلم أنه في رحلكم كصواع يوسف في رحال الإخوة قلبي.. ويحرم بالسجود ملبيا لبيك ربي.. يا مجيب الدعوة قلبي.. ويسعي بين مروة والصفا ويطوف سبعا في مدار الكعبة قلبي ارتوي من زمزم بعد النوي وأتي إلي عرفات أرض التوبة هو مذنب متنصل من ذنبه هو محرم يرنو لباب الرحمة قلبي.. و يهفو للمدينة طائرا للمسجد النبوي عند الروضة