أصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان تقريرا مهما عن تقصي حقيقة ما وقع في منطقة ماسبيرو يوم الأحد الدامي9 أكتوبر الماضي, وأكد التقرير ضرورة إعتبار شهداء ماسبيرو من شهداء ثورة يناير. . ويبقي أن نسأل عما اذا كان سيتم العمل بتوصياته أم أنه سيوضع علي الرف مثل عشرات التقارير السابقة, فيصبح بذلك مجرد قنبلة صوت فشنك لا أثر لها. (1) هذا التقرير يجب أن ينبه السلطات المسئولة عن إدارة هذا البلد, فهو يقول إن عدد ضحايا أحداث المجزرة هو26 شهيدا من المسيحيين وواحد من العسكريين وواحد مسلم مدني, ويكشف أيضا أن المظاهرة التي قام بها مسيحيون ومسلمون بدءا من دوران شبرا كانت سلمية وأنهم كانوا يحملوا صلبانا خشبية وبلاستيكية, وأنها تعرضت خلال سيرها حتي ماسبيرو لإطلاق الرصاص الحي عليها مرتين ممن وصفهم التقرير بالمندسين عند نفق شبرا وأسفل كوبري مايو بمنطقة بولاق أبوالعلا. يطالب التقرير بإحالة المسئولين عن استوديو الهواء في التليفزيون الرسمي وقت تغطية الأحداث الدامية إلي المحاكمة الجنائية بتهمة التحريض بإعتباره جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات, بسبب قيام الاستوديو بالتنويه كتابة علي الشاشة بأن هناك فئة تهاجم قوات الجيش أمام مبني الإذاعة والتلفزيون وقتلت3 شهداء من الشرطة العسكرية وحثت المواطنين علي الدفاع عن القوات المسلحة, وذكر التقرير أنه لولا الذخيرة الحضارية لدي الشعب المصري لكانت قد حدثت كارثة قومية بين المسلمين والمسيحيين المصريين بسبب هذا التنويه. يدعو التقرير أيضا إلي تشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة عن الحكومة وعن القضاء العسكري لأن التحقيقات تتضمن بالضرورة اتهامات لبعض القادة بالقوات المسلحة عن جرائم قتل مواطنين دهسا بعربات مدرعة ذات عجلات كاوتش عندما كانت تطارد المتظاهرين بسرعة مبالغ فيها. يذكر التقرير أن الدهس الوحشي قتل12 شهيدا, ويؤكد أن ذلك لا يمكن أن يكون سياسة تتبناها القوات المسلحة أو أنه كانت هناك تعليمات مسبقة بذلك; لكن هذا لا يمنع أن تكون القوة العسكرية الموجودة في منطقة ماسبيرو وكل قياداتها قد إرتكبت أخطاء جسيمة ترقي لأن تكون عملا إجراميا وأضاف التقرير أن إعلان القضاء العسكري نتيجة التحقيقات علي الملأ مع تحديد المسئوليات بالإسم ومحاسبة المخطئين قد يكون بديلا عن تشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة. (2) يلفت تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان النظر إلي أن القوات المسلحة لم تكن مزودة برصاص حي بل كان الرصاص فشنك ولكنه يثير قضية مهمة فقد لاحظ التقرير وجود مدنيين مندسين مسلحين ببنادق وأسلحة بيضاء وسيوف كانوا بتجمعون إلي جانب قوات الأمن المركزي والشرطة العسكرية وكانوا يتحركون بموتوسيكلات, ويتساءل من هؤلاء؟ ومن أين جاءوا؟ خاصة وهم الذين أطلقوا الرصاص الحي علي المتظاهرين المسالمين فقتلوا7 منهم علي الأقل. يشير التقرير إلي أن ظاهرة المدنيين المندسين المسلحين تكررت في حوادث مسرح البالون ومسيرة العباسية وأحداث السفارة الإسرائيلية, وأن هذه العناصر هي التي تتولي مهمة تحويل المسيرات السلمية إلي أعمال عنف وقتل وتخريب وحرق, فمن هم هؤلاء المندسون؟ وما هي وظيفتهم ودورهم؟ ومن الذي يوجههم ويتولي أمرهم؟. (3) لا ندري لماذا لم يتنبه أحد حتي الآن إلي خطورة هذا التقرير وأهميته؟ ولماذا لم يتشكل رأي عام قوي يطالب بالتعامل مع محتوياته بكل جدية وإحترام؟. أسوأ ما في الأمر أننا مازلنا نتعامل مع هذه التقارير بعقلية العهود السابقة التي تقول دع أصحاب التقارير يكتبون ما يريدون ويذيعون ما يحلو لهم أما نحن فسوف نفعل ما نريد, فإذا صح هذا الأسلوب فإن مصير هذا التقرير سيكون الركن علي الرف لتتراكم عليه الأتربة. من الصحيح أن هذا التقرير إستشاري وليس ملزما, إلا أنه في بلاد العالم المحترمة يكون لمثل هذه التقارير رد فعل آدمي هائل بحيث لا يستطيع أحد مهما علا ألا يخضع لنتائجه. لنتذكر فقط إن إسرائيل مثلا عندما شكلت لجنة اجرانات للتحقيق( وهي لجنة مدنية) في أسباب قصور قواتها في حرب أكتوبر73 إلتزمت بما جاء فيه. فالسيدة جولدا مائير رئيسة الوزراء خرجت من الحكومة ولم تتول أي منصب وزاري بعد ذلك قط, أما موشي ديان فلم يعد إلي وزارة الدفاع أبدا. بإختصار إن تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان يجب عدم تجاهله, وأن القضية أهم من تترك لتضيع في زوايا النسيان لأن هذه الطريقة تؤدي إلي تراكم الآثار السلبية الناتجة عن ذلك, مما يؤدي لعودتها للإنفجار مرة ثانية وبصورة أسوأ من السابق ويزيد من عدم ثقة المواطن خاصة المسيحي في أجهزة الدولة وفي قضائها بكل أنواعه. [email protected] المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن