الفن التشكيلي كان في الماضي البعيد فنا ارستقراطيا ارتبط بالقصور والأغنياء والملوك والأمراء, ثم اقترب من الحياة الثقافية وأصبح للمثقفين معرفة كبيرة به حتي ارتبط بالحياة الثقافية وأسهم في ذلك لغة الألوان والخطوط والتركيبات في العملية الابداعية, وكاد يبقي أسيرا علي الدائرة الثقافية والمثقفين لولا ما قام به النقد الفني والصحافة فخرجت به إلي الشارع, إلي البيوت, إلي الناس. وهنا في مصر بوجه خاص جرت معارك وحوارات حول هدف الفن وكان ذلك في فترة الستينيات هل هو من أجل الفن أم من أجل المجتمع؟, وانقسمت مجموعة الفنانين بين هذا وذاك مما كان في النهاية في صالح الفن وفي صالح الجمهور بل أسهم في نشره بين دوائر متعددة من المتلقين, وظهرت مدارس للنقد, وكان أهم عامل ساعد النقاد هو ذلك الانتشار في وسائل الاعلام خصوصا الاعلام المكتوب حيث كان الاعلام المرئي في بدايته الأولي, وكان للنقد في الصحف والمجلات عامل أساسي في كشف أسرار لغة الفن التشكيلي أمام المتلقي مما وسع من دائرة الزوار والمهتمين المترددين علي المعارض والمتذوقين للفن التشكيلي. ولكنه في دائرة الجماهير له دور رئيسي ليس فقط في التذوق ولكن أيضا في تعميق الادراك الوطني والانتماء السياسي, ولم يعد الفن التشكيلي فن صالونات بل تحولت بفضل الإعلام الفرشاة إلي سيف يبارز ومدفع ينطلق وهكذا لعب النقد والصحافة دورا أساسيا بعد الفنان طبعا, فلابد أن نتذكر أن هناك عددا من الفنانين استطاع أن يحول ابداعه إلي أدوات رخيصة الثمن بحيث يصبح اقتناء العمل سواء كان لوحة أو تمثالا في تناول الطبقات الكادحة بالمعني الحرفي ودراسة ما جري في الستينيات وأسعار تلك النسخ تحتاج إلي أبحاث ودراسات تبتعد عن الغوغائية في المعالجة والموضوعية في كشف الحقائق, وأظن اننا قد وصلنا إلي مرحلة انقلبت فيها الأمور حيث يحاول البعض الآن اعادة الفن إلي ركن المثقفين والحد من الانتشار. ربما لا يكون دور الناقد تقديم مذكرة تفسيرية للعمل الفني, لأن فهم هذا العمل يختلف وفقا للمتلقي في كثير من الأحيان, كما أن الغموض أحيانا قد يكون عنصر النجاح الرئيسي, لكن ليس إلي درجة عدم الفهم والادعاء بأن هذا الفنان سابق لعصره.