تؤكد جميع الوقائع والشواهد وكما يشير المراقبون أن سيناريوهات السياسة والاقتصاد والقضايا الاجتماعية في ليبيا ما بعد التحرير لن تكون فقط هي الشغل الشاغل لجميع فئات وطوائف الشعب الليبي ومنهم المجلس الانتقالي الذي يدير شئون ليبيا حاليا ولكن ستصبح محددات أساسية في بلورة وتحديد شكل العلاقة بين ليبيا والعالم الخارجي وعلي رأسها الدول العربية ومنها مصر. علي المستوي السياسي وبعد الانتهاء من مخاض انتقال السلطة القانوني بمقتل القذافي تظهر في الأفق بوادر مشروعات الصراع السياسي بين المناطق والأشخاص والقبائل في ليبيا ويحد من هذا الصراع التوافق الوقتي بين القبائل حول شخصية رئيس المجلس الانتقالي الليبي, ففي دائرة السياسة تري المنطقة الشرقية والتي تتزعمها بنغازي أحقية لها في نصيب أكبر من السلطة السياسية مستندة في ذلك إلي مشاركتها الأساسية للقيام بالثورة بل انطلاق شرارتها من تلك المنطقة.. في حين تري المنطقة الغربية في ليبيا أنها أحق بالنصيب الوافر في السلطة السياسية للنظر لكثافتها السكانية وتكونها الديموغرافي. ولا يقتصر المشهد السياسي علي المنطقتين السالفتين فقط, لكنه يمتد لمكونات أخري ستشكل ذلك المشهد منها موقف القبائل خاصة الرئيسية منها بالإضافة إلي طبيعة النظام السياسي الذي سيتم التوافق حوله والذي بدأت إرهاصاته بالإعلان عن تعليه الهوية الإسلامية للنظام السياسي متمثلا في البدء في إنشاء البنوك الإسلامية وإلغاء الفوائد الربوية وإلغاء جميع القوانين المتعارضة مع الشريعة الإسلامية ومنها قانون تعدد الزوجات إلا بإذن الزوجة بالإضافة إلي البدء في ظهور الأصوات المنادية بتعدد الأحزاب وضرورة البدء في تكوينها في ليبيا وهو ما يؤكد بدء الصراع بين ما هو ليبرالي وإسلامي ولا يكتمل المشهد السياسي بذلك فقط حيث تظهر حاليا المطالب السياسية لرجال الأعمال الليبيين لكي تلقي تساؤلا من سيكون الأقوي في فرض إرادته السياسية, الدولة الغنية أم طبقة رجال الأعمال والتي تكونت معظمها في عهد القذافي وإن كان بعضهم وقف مع الثورة منذ بدايتها إلا أن ذلك لم يلغ شكوك السلطة في ليبيا متمثلة في المجلس الانتقالي حول النيات لتلك الطبقة من رجال الأعمال حيث تتمثل الإجراءات التنفيذية لتلك الشكوك في إصدار مذكرات توقيف خلال المرحلة المقبلة للعشرات من رجال الأعمال الليبيين المقيمين في الدول العربية والجوار الأفريقي والأوروبي والأمريكي أيضا. ويختلف المشهد الاقتصادي عن السيناريو السياسي المنفلت والمتصارع السابق حيث يتسم الملف الاقتصادي الليبي بقوة غير محدودة بالنظر إلي مؤشرين رئيسيين وهما حجم الاحتياطي من النفط الليبي والبالغ46 مليار برميل والذي يزيد علي احتياطيات لدول مجتمعة مثل الكويت وقطر والبحرين بالإضافة لذلك امتلاك ليبيا احتياطيا نقديا أجنبيا ومجمدا ضخما يزيد700% علي احتياطي النقد الأجنبي المصري وأيضا امتلاك ليبيا لشاطئ طوله2000 كيلومتر علي البحر المتوسط, من المنتظر استثمارها في ضوء الانفتاح الاقتصادي بعد زوال النظام السابق أمام دول العالم جميعا والبدء في إقامة المنتجعات والقري الفندقية العالمية بإدارات أجنبية وسواء كانت في صورة مشروعات مشتركة ليبية أجنبية أو أجنبية فقط, وتمتد عناصر القوي الاقتصادية إلي محدودية عدد السكان الذين يقدرون ب7 ملايين مواطن وهو ما سيؤدي إلي ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عشرات أضعاف الدول المحيطة كتونس والمغرب وأيضا مصر, ويكتسب الموقف الاقتصادي القوة أيضا من عدم وجود مديونيات خارجية كبيرة علي ليبيا وعدم وجود مديونيات داخلية تمثل عبئا سنويا علي الموازنة العامة للدولة في صورة ما يتم دفعه من أقساط وفوائد, بالإضافة إلي ذالك فإن جهود إعادة الإعمار وما يرتبط به من دخول الشركات متعددة الجنسيات لإعمار ليبيا سيؤدي إلي الاستقرار الاقتصادي وما سيرتبط بذلك من تزايد الأمل في المستقبل لجميع طوائف الشعب. وعلي مستوي المشهد الاجتماعي الحالي في ليبيا وسيناريوهاته, يظهر التناقض الكبير في مستوي دولة غنية مثل ليبيا ببترولها واحتياطياتها البترولية والنقدية وبين مستوي معيشة مواطنيها. ففي حين كان من المفترض أن تتسم حياة المواطن الليبي بالرفاهية الاقتصادية والتعليمية والصحية والخدمية والتي كان من المنتظر أن تزيد علي دول الخليج العربي إلا أن الواقع يظهر عكس ذلك حيث لا يجد المواطن الليبي سوي مطالب الكفاف من المأكل والملبس مع تدني مستويات الدخل, والمكونات السابقة حيث تشير الأرقام إلي محدودية المشروعات الصغيرة والتي يصل حدها الأعلي2 مليون دولار للمشروع بالنظر إلي ضخامة الموارد الليبية حيث اتسمت العلاقات الاقتصادية والاجتماعية في ليبيا وحتي الآن بسيادة النظام الاشتراكي علي عكس ما كان مأمولا في دولة بترولية غنية مثل ليبيا. ولا يقتصر المشهد الاجتماعي الحالي في ليبيا علي مستوي المعيشة والخدمات التي يفتقد المواطن الليبي الكثير منها ولكن يمتد إلي قضية الأمن والأمان الذي قد يصبح مفقودا بانتشار السلاح بصورة رهيبة في أيادي الليبيين وهي قضية ذات قاسم مشترك اجتماعي وسياسي. وإذا كانت السيناريوهات السياسية والاقتصادية والقضايا الاجتماعية هي التي ستحدد شكل العلاقة بين ليبيا والعالم الخارجي ومحيطها الجغرافي ومنها مصر بالأساس فإن مبادرات دول الجوار سوف تحدد إلي حد ملموس شكل تلك العلاقة خاصة المستويين السياسي والاقتصادي فوفقا إلي ما أكدته مصادر دبلوماسية مصرية مسئوله فإن نصيب مصر من حصة إعادة إعمار ليبيا سوف تكون محدودة وللأسف الشديد, وذلك للنظر إلي ديناميكية الأطراف المشاركة حاليا في ذلك الإعمار وضخامة رءوس الأموال اللازمة له وأسلوب ترسية هذه المشروعات علي تلك الشركات والتي من المنتظر أن يتم ترسية مشروعات بالمليارات من الدولارات علي شركات كبري وهو ما لا يمكن تنفيذه علي مستوي الشركات المصرية خاصة بعد أن قامت الشركات الأوروبية وأيضا التركية بالمبادرة بعمل تجمع فيما بينها وهو ما لم تفعله الشركات المصرية, ويزيد الأمر سوءا تعرض الصادرات المصرية إلي ليبيا للانخفاض نتيجة التشدد المتوقع فيما يتعلق بالاشتراطات البيئية والصحية, وهو ما يستلزم ضبط الجودة من الجانب المصري قبل تصديرها إلي ليبيا وإلا كان الرفض لتلك السلع.. ويقترح المصدر الدبلوماسي أن تبدأ الشركات المصرية في عمل تجمعات مشتركة تكسبها قوة اقتصادية تمكنها من الاشتراك في المناقصات المطروحة من قبل الحكومة الليبية, كذلك الأمر في التعاون مع الشركات الأوروبية التي ستحصل علي مشروعات تعمير في ليبيا من الباطن وتوريد ما تحتاجه من مواد خام وأغذية ومواد مكملة كالسيراميك والأسمنت اللذين تمتلك مصر فيهما ميزات نسبية. وفي هذا الإطار جاء اجتماع الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء مع رجال الأعمال المصريين منذ أيام لحثهم علي الدخول للسوق الليبية دون الإعلان عن استراتيجية أو خطط أو برامج لكيفية ذلك الدخول والاكتفاء بكلمات إنشائية مثل العلاقات التاريخية بين مصر وليبيا ودعم مصر للثورة الليبية!! .. ويتساءل المصدر الدبلوماسي في هذا الصدد عن أسباب القرار المصري الأخير وغير المسبب بضرورة حصول الليبيين الرجال من سن18 حتي45 عاما علي تأشيرة دخول مسبقة لزيارة مصر بعد أن كان الدخول إليها في النظام السابق لا يحتاج أي تأشيرات ولجميع الأعمار. ويبقي التساؤل عن آراء المواطن الليبي البسيط في مستقبل الملفات الثلاثة السابقة وتصوره لشكل الدولة الليبية الوليدة وآماله فيما ستكون عليه اقتصاديا واجتماعيا, والذين أجمعوا علي انتظار الرفاهية الاقتصادية بعد استثمار الموارد الليبية بشكل صحيح, آملين في التوافق السياسي بين المناطق والقبائل وبما يتيح توزيع منافع الدخل علي أبناء الشعب.