رب ضارة نافعة لأن من أعظم ما صنعته السنوات الست التي تفصل بين نكسة يونيو1967 والعبور العظيم في أكتوبر1973 أنها فجرت كل طاقات الإبداع لدي المصريين. وحشدت خبرات هذا الشعب في بوتقة واحدة صهرتها إرادة قوية استمدت حرارتها من حسن التخطيط وجدية التدريب ودقة التنفيذ. وأبرز دليل علي ذلك يتمثل في عبقرية تعامل العقل المصري مع الساتر الترابي الرملي الرهيب الذي أقامته إسرائيل علي طول الشاطئ الشرقي لقناة السويس,ليكون بمثابة سد منيع يعيق أي محاولة مصرية لعبور القناة حيث كان الساتر الترابي يمثل نموذجا حيا لما كان يواجه قواتنا المسلحة من تحديات قبل مجرد التفكير في اقتحام قناة السويس عنوة. كان هذا الساتر الترابي المدعم بحصون خط بارليف وحقول الألغام ومصاطب الدبابات ونطاقات من الأسلاك الشائكة عقدة استعصت علي الحل لدي كافة الخبراء العالميين الذين استشارتهم مصر وفي مقدمتهم الخبراء السوفيت الذين أجمعوا علي أن الوسيلة الوحيدة لإزالة الساتر الرملي هي استخدام قنبلة نووية ليست في حوزة مصر وحتي لو كانت تملكها فإنها لا تقدر علي استخدامها في ضوء الأحكام والموازين الدولية. كان لابد من استنباط حل مصري صميم يعتمد علي الجهود والإمكانات الذاتية ويسمح علي الأقل بفتح ثغرات في هذا الساتر عند مواقع منتقاة علي طول خط المواجهة... وهكذا ولدت فكرة استخدام مياه قناة السويس في تجريف الساتر الترابي في الأماكن المحددة باستخدام طلمبات عالية القدرة يتم تثبيتها علي زوارق خفيفة وضخها بواسطة مدافع المياه بقوة اندفاع هائلة علي الأماكن المحددة لفتح الثغرات. لقد نشأت الفكرة التي لم ترق للكثيرين- في البداية- باقتراح طرحه المقدم باقي زكي يوسف خلال اجتماع في مركز القيادة الرئيسي للجيش الثالث الميداني خلال شهر مايو1969 في أثناء مناقشة الاستعدادات اللازمة لعبور القناة, وكيفية التغلب علي عقبة الساتر الترابي, حيث أوضح المقدم باقي زكي أنه استلهم الفكرة من تجربة عمله في بناء السد العالي عندما كان يتم استخدام طلمبات المياه في تجريف الرمال إلي قاع السد حيث جري نقل ملايين الأطنان من الرمال بهذه الوسيلة. وغدا نواصل الحديث خير الكلام: عدل قائم خير من عطاء دائم! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله