هل نتذكر الأحداث الكبيرة التي حدثت عام1999 في مدينة سياتل الواقعة علي ساحل المحيط الهادي في الشمال للولايات المتحدةالأمريكية؟ كانت هذه الأحداث هي الأولي التي نظمت وبدأت ونفذت بدون قيادة سياسية أو نقابية, وضمن مئات الآلاف من البشر وأسرهم, من الشباب ومن البالغين بأطفالهم ومن النساء ومن العمال ومن المهنيين يهتفون وينددون بالآثار السلبية للعولمة الواقعة علي الأجراء وعلي الفقراء في كل البلدان. يومها قيل لنا إن هؤلاء المتظاهرين نظموا أنفسهم من خلال أداة حديثة اسمها وسائل الاتصال الاجتماعي الجديدة. حتي ذلك التاريخ, وهو عام1999, لم تكن هذه الأداة قد وصلت بيوتنا بعد. وكما حدث وكما قيل ثم تأكد في التحقيقات أن مجموعات من الأفراد المدنيين تسللوا إلي قلب المظاهرات وفرقوا المشاركين بالهراوات وبالضرب المبرح وان الشرطة الأمريكية وقفت تراقب وتتفرج. ثم تكررت الأحداث والمظاهرات في كافة المدن التي كانت تنظم فيها اجتماعات منتدي دافوس. الفارق كان أحد أحداث سياتل عام1999 كانت أمريكية خالصة بينما كانت التجمعات الأخري متنوعة التركيب الوطني, جاء إليها المشاركون والمشاركات من بلدان الاتحاد الأوروبي والأمريكتين وبعض بلدان آسيا, تحديدا من اليابان وكوريا الجنوبية, وحتي من قارة أستراليا. وفي كل حدث من هذه الأحداث كنا نلاحظ ذات الشيء, أنها كانت بلا قيادة سياسية أو نقابية كما أنها كانت تتجمع من كل هذه القارات المتباعدة من خلال هذه الأداة الجديدة, أداة التواصل الاجتماعي التي كانت قد بدأت تزحف علي بيوتنا وإلي حياتنا يوما بعد يوم لتتحول بعد ذلك ليس فقط إلي أداة تواصل بل إلي تغيير مجتمعي كبير. وقفت كل هذه الحركات ضد العولمة كما تم ترجمتها اقتصاديا حتي الآن. وكان أنصار العولمة ومثقفوها يسعون, عند تقديمها نظريا, إلي إلغاء القيود أمام حركة المال والسلع والأفراد. بحيث تسهم في توسيع فرص الاستثمار والعمل في كل مكان. هذا ما قاله أنصارها. وبالتالي أكدوا أنها ستعم بخيرها علي الجميع. وهو لم يحدث. لذا, خلال الأسبوع الماضي ظهرت مرة أخري هذه المظاهرات ولكن في شكل وتكوين مختلفين. نظمت المظاهرات في951 مدينة من82 دولة, في الاتحاد الأوروبي والأمريكتين وفي عدة ولايات أمريكية وخاصة في نيويورك, عاصمة المال والأعمال في الولاياتالمتحدة. تجمعات صفوف مشاركيها بنفس الأداة, أداة التواصل الاجتماعي, وبدأت الأسلوب وهو كونها بلا قيادة حزبية أو نقابية محليتين فيما عدا في اليونان التي كانت سباقة إلي التظاهر بسبب تبلور أزمتها الاقتصادية مبكرا وقيادة النقابات والأحزاب الاشتراكية للحركة المناهضة لضغط الإنفاق الحكومي في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الأخري بالإضافة إلي زيادة الضرائب علي الأجراء دون أصحاب الأعمال. وأطلقوا الأسماء علي تلك المظاهرات في بلدان أسموها ب حركة الغاضبين وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية بدأت بشعار احتلوا.. وول ستريت شارع البورصة الأمريكية. وهو الشعار الذي تسانده الآن نسبة54% من الجمهور الأمريكي. وقد بدأت بجمهور قليل واتسعت وامتدت إلي عدد من الولايات لتستوعب في صفوفها ملايين البشر. أما شعاراتها فقد استمرت منذ عام1999 ضد الآثار السلبية للعولمة وتحديدا علي فقراء العالم. مع فارق بسيط وهو أنهم, أي المتظاهرين, باتوا أكثر وعيا بتفاصيل الآثار السلبية التي تصوروها أو أحسوا بمجيئها إبان مظاهرات سياتل عام.1999 فعندما يرفعون شعار نتشارك جميعا في ثمار الرخاء فإنهم يعون جيدا أن لحرية حركة المال والاستثمار في العالم نتائج ايجابية. تنقل هذه الحركة العمل وفنونه واحتياجاته المالية إلي حيث يكون الفقراء باحتياجاتهم الخاصة للحصول علي اتساع فرص وفنون عمل جديدة تعود علي البشر بالخير.. يستفيد صاحب العمل ويستفيد الطرف الآخر وهو العامل كما سيستفيد البلد المستقبل للاستثمار. ولكن ما حدث إلي الآن أن الفائدة الكبري لم تعد إلا إلي أصحاب الاستثمارات. فالشعار المرفوع في هذه المظاهرات يعي ويعترف ويقر أن لحرية حركة انتقال المال خيرها ولكنه لابد أن يعاد تأسيس علاقاتها علي أساس قيام شراكة حقيقية في مجال علاقات العمل وشروط الاستثمار بحيث لا تعود نسبة90% من الفائدة لأصحاب الاستثمارات في حين لا يحصل العمال مجتمعين إلا علي نسبة10% منها كذلك بحيث يحدث التطور الاجتماعي الاقتصادي الحقيقي في البلد المضيف. وهو ما لم يحدث. ونتيجة لهذه الشراكة غير الموازنة لنتائج الاستثمارات إن زاد عدد المليارديرات في العالم في الفترة من عام2000 إلي عام2010 من780 فردا إلي1011 فردا. في حين تضاعف عدد الفقراء في العالم سواء في الدول النامية أو المتقدمة صناعيا. حتي في الولاياتالمتحدةالأمريكية تضاعف عدد الفقراء خاصة منذ عام2008 مع بداية الأزمة المالية التي بدأت في نهاية ولاية جورج بوش الابن الذي تميزت بتخفيف الضرائب علي المستثمرين مع زيادتها علي الأجراء بجانب إغلاق العديد من وحدات العمل وتسريح عمالتها. ومن المفارقات التي أوضحتها البيانات أن أحد أصحاب الأعمال كان يدفع ضرائب علي مجمل أرباحه لا تزيد علي4.17% في حين تدفع سكرتيرة مكتبه نسبة30% علي أجرها الشهري. كما أوضحت البيانات أن الزيادة في الدخل تباينت بين دخول المنتمين لطبقة اجتماعية أخري أدني. زادت نسبة الزيادة للأغنياء بنسبة230% في حين كانت الزيادة للفقراء لا تزيد علي10% طوال العقد الفائت2000/.2010 فالنظام العالمي الجديد الذي تسانده بكل قوة الرأسمالية الجديدة والذي قاد ودفع بفكرة انسحاب الدولة من التدخل في السوق والاقتصاد لم يؤد إلي تحقيق الرخاء الموعود وإنما ترك الساحة كاملة لحرية حركة المؤسسات المالية بحيث انتشر فيها الفساد والتسيب وسوء الإدارة. وتعود مرة أخري الجماهير الغاضبة إلي التظاهر والاعتصام أمام مقرات الرموز المالية في بلدانها تطالب بإسقاط هذا النظام الرأسمالي الجديد كما تطالب بالمشاركة العادلة في توزيع ناتج العمل والاستثمار. أي تطالب بدرجة من درجات العدل الاجتماعي. هل نتذكر أحد مطالب ميدان التحرير في25 يناير؟ كان العدالة الاجتماعية. المزيد من مقالات أمينة شفيق