نقول في لغتنا السائدة: ما دائم إلا وجه الله.. فكل شيء يتغير.. فصول السنة متنوعة وجمال الألوان في تعدديتها.. وقد فضل الله في خلقه بين النهار والليل حتي أصواتنا متغيرة وبصماتنا بالأصبع والعين لا تتشابه وعينات الدمDNA مختلفة. والإنسان قابل للملل مهما كان نوع الحياة التي يحياها.. فالغني ينظر إلي صحة الفقير وأحيانا يتمني أن يستبدل كل ماله بصحة الفقير السليم. وكل المجتمعات تسعي إلي تغيير واقعها إلي الأفضل.. فتسهر الحكومات الرشيدة إلي تحقيق رفاهية شعوبها مستخدمة في ذلك كل الإمكانات مسخرة كل مواردها الطبيعية والبشرية لخير شعبها وتوفير كل احتياجات مواطنيها وحماية الأرض والموارد ودعم العلاقات مع دول الجوار ثم مع باقي شعوب العالم. كما وتختلف ثقافة الشعوب تبعا لأحوالها السياسية والاقتصادية.. فالدول التي تعيش حالة حروب لتحرير أرضها أو دفاعا ضد محاولات الاعتداء عليها تعيش حالات من الهيمنة التي يرضاها الحاكم علي شعبه تحت شعار لا صوت يعلو علي صوت المعركة.. وتتحمل شعوب الدول المحاربة التنازل عن الرفاهية والتطلع إلي مستويات أفضل في التعليم والمعيشة والصحة والسكن وغير ذلك من ضرورات الحياة حتي إن بعض الأنظمة التي تهيمن علي شعوبها وترغب في الاستمرار في السلطة تدفع مواطنيها إلي حالات القلق والفزع وتستقطع من مواطنيها أبسط حقوق الحياة الكريمة بدعوي الدفاع والتسليح وحماية الحدود. أما إذا انتهت المعارك انتصارا أو اتفاقا ولم يعد لدي الحكومات ما يشغل المواطن عن حاجاته ورقيه ومشاركته في الحكم فيكون البديل الثاني عن الحروب هو إثارة القلاقل الداخلية العرقية أو الطائفية أو الحزبية وعادة ما تستخدم الحكومات أجهزة متخصصة في خلق القلاقل ليبقي المواطنون علي صفيح ساخن. يحدث كل هذا من أجل قطاع صغير من شركاء اللعبة أو القريبين من السلطة فيستحوذ القلة علي معظم الموارد ويبقي غالبية الشعب تحت خط الفقر مع تدهور المرافق وتدني التعليم والصحة وسائر الخدمات فيختل الأمن عن قصد وتنهار المرافق بدعوي زيادة السكان وقلة الموارد وتكبل الدول بالديون التي يتحمل فقراؤها سداد هذا الدين.. أما الطبقة المهيمنة والقريبون منها فيبقي شاغلها زيادة الدين وتدني المرافق ولا مانع من رفع شعار معا من أجل مستقبل أفضل.. يصوغونه في أناشيد وطنية وبرامج إعلامية وحلقات نقاشية ودراسات تخصصية لا قصد منها إلا إطالة الوقت وإلهاء الناس بما هو آت دون مردود حقيقي إلا الشعر والنثر ولا مانع من النكات والقفشات التي توزع علي الشعب للتسلية ومد الوقت.. وعلي سبيل المثال لا الحصر قد عقدت وزارة التعليم مؤتمرات لتطوير التعليم استمرت لأكثر من عشر سنوات وما أنجز من تطوير للمناهج لا يتناسب مع الزمن والجهد والمال الذي إستنفد في تلك البرامج. وتمضي السنون ولا جديد تحت الشمس.. يتغير المسئولون وتدور الكراسي الموسيقية والحال كما هو عليه وعلي الشعوب أن تشرب من الماء المالح الذي لا يروي, ولكن لكل شيء نهاية.. فالظلمة وإن طالت يعقبها إشراقة شمس ورياح التغيير لابد لها من أن تهب في شباب ضاق بهم الانتظار ولم يعد الموت يخيفهم فالموت أفضل من حياة بلا كرامة أو مستقبل. هكذا رأينا شعوبا يهب شبابها وشيوخها يطلبون التغيير لا في الوجوه أو الشخوص بل تغيير إلي حياة أفضل يتحقق فيها العدل والكرامة والمساواة والحرية والرفاهية شأنهم شأن أبناء دول كثيرة حققت أحلام أبنائها. إن التاريخ وواقع الأحوال سوف يفرض حركات التغيير التي ستدفع الشعوب للتضحية بالروح لفرض إرادتها وعلي الأنظمة الحاكمة أن تعي الدرس وأن تبادر بالتغيير قبل هبوب الرياح التي لن تتأخر كثيرا. والدرس الذي اختبرناه مع غيرنا من دول الجوار ينبه الأنظمة الجديدة بضرورة التغيير إلي الأفضل.. فالعبرة ليست بتغيير الوجوه بل ليتغير الواقع المرير إلي مستقبل أفضل تستحقه الشعوب التي انتظرت كثيرا وضحت أكثر وحرمت من أبسط ضرورات الحياة من أجل فئة قليلة تنعم بكل شيء والغالبية تحرم من كل شيء. إنها حقا رياح التغيير إلي حياة أفضل.. أما إذا انحرف مسار الثورات وانقسم الثوار حول المطالب الفئوية أو المقاعد القيادية أو الأجندات الخفية.. فالنتيجة هي ضياع الأمل وفقدان الرؤيا والعودة إلي نقطة ما قبل الثورة وإن تغيرت الوجوه وتلونت المقاعد ولكن الحقيقة المرة سوف تطلب ثورة جديدة سيكون ثمنها أكثر خطرا من الماضي وأفدح خسارة ربما احتجنا إلي زمن طويل لإعادة تصحيح المسار والخوف كل الخوف أن يترحم الشعب كله أو جله علي الماضي الذي دفعنا فيه أغلي الأثمان دم الأبناء ولم يعد أمامنا إلا انتظار رياح أخري لتصحيح المسار وتوجيه السفينة إلي الاتجاه الصحيح الذي يجمع شمل الشعب كل الشعب. المزيد من مقالات د. القس صفوت البياضى