يبدو ان شهر مارس الحالي سيكون علامة مهمة في التاريخ العربي.. ففي بدايته كان اجتماع وزراء الخارجية العرب 3 مارس الذي وافق وأيد المبادرة الأمريكية.. باجراء مفاوضات غير مباشرة بين الحكومة الاسرائيلية والسلطة الفلسطينية.. وفي نهايته 27 و28 مارس ستنعقد القمة العربية في مدينة سرت بليبيا. وما بين هذا وذاك تتلاطم في النهر العربي أمواج هادرة متصلة بما قبلها.. غاضبةلمجهول يطمس مستقبلها.. وفي ثنايا هذا التلاطم يستشعر العربي انه يكاد يكون' المواطن' الوحيد في العالم الذي يتعرض لهذه الحالة من الهوان والتلاعب الدولي. واذا حاولنا الابتعاد عن الانفعال وهذا فوق طاقة البشر وحاولنا ترتيب الأوراق ولضم القصاصات حتي تتضح الصورة فإننا حتما سنجدها قاتمة تتطلب معجزة تعيد العقول إلي الرءوس وتضع المصالح القومية في مكانها الطبيعي قبل الحزبية والخاصة. ونبدأ بالقمة العربية ومع انها في السياق ستأتي أخر الشهر الا أن موعدها كان معروفا سلفا منذ شهور ومحددا انعقادها في ليبيا بل وهذا هو المهم فان المهتمين بالمنطقة الذين يتربصون بها لتفريغها من المحتوي' القومي' و' الثقافي' لاستنزافها وتقسيمها وسجنها في مناطق النفوذ وقيوده.. أدركوا ان هذه القمة ستكون واحدة من القمم الحاسمة لأنها تجئ في وقت نفد فيه الصبر إزاء تحقيق السلام الذي هو ركيزة الاستقرار وبناء علاقات سوية.. فهاهي اسرائيل مستمرة في مراوغاتها مع الفلسطينيين.. وكذلك مع السوريين وتتلاعب مع الوسطاء الأمريكيين والأتراك وغيرهم.. وهاهي أيضا تضرب عرض الحائط بأية قرارات دولية.. وتبدي استهانتها بأية قوانين.. ومع جمود عملية السلام فان القمة مطالبة باتخاذ قرار حاسم وخاصة بالنسبة للمبادرة العربية التي تضمنت تحقيق كل الآمال الاسرائيلية في تطبيع كامل مع كل العرب بشرط تحقبق السلام.. والي جانب هذه القضية المحورية.. فان القمة مطالبة كذلك بالنظر فيما حدث ويحدث في اليمن والسودان ودول أخري.. كما انها ستركز كما قال لي الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي علي المصالحة العربية واستكمالها وتفعيلها.. ووضع خطة العمل العربي المشترك في المرحلة القادمة.. أي انها ستكون قمة هامة لذلك فقد بدأ تحرك القوي المناوئة المتربصة.. وكما تعودنا منذ ان بدأت اجتماعات القمة في الستينات وحتي الآن فان هذه القوي تلقي بطعم يصنع أملا بحدوث انفراجة حتي تهدئ من حماس القمة فتجيء قراراتها هادئة ناعمة! ومن هنا طرحت الولاياتالمتحدةالأمريكية ما وصفته بأنه مبادرة جديدة.. وهو اجراء مفاوضات غير مباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين مقترح ان تكون في واشنطون أو في العاصمة الأردنية عمان بحيث يقيم الطرفان في فندق واحد وينتقل بينهما المبعوث المريكي جورج ميتشيل لحل المشكلات واذابة العقبات.. وقد قبلت اسرائيل هذا ثم قبلت السلطة الفلسطينية وبارك وزراء الخارجية العرب.. وان كانوا قد حددوا مهلة اربعة أشهر.. حتي لا تكون المفاوضات بلا نهاية! ومع اتفاقنا علي تحديد هذا السقف الزمني الا أننا أساسا نبدي دهشتنا من اسلوب التفاوض غير المباشر! فانه يمكن فهم هذا عندما لا يكون هناك لقاء بين الطرفين مثلما في الحالة السورية مثلا.. أو.. كما كان الحال عليه في الزمن القديم منذ محادثات رودس للهدنة سنة1948 وحتي السبعينات.. أما بعد ذلك فلقد التقي الفلسطينيون بالاسرائيليين أكثر من مرة معا هنا وهناك.. فلماذا هذا الاسلوب ؟ وألم يكن من الأوفق الاجتماع حول طاولة واحدة بحضور المبعوث الأمريكي.. لتكون المحادثات أسرع والمواجهة أوضح ؟ ولماذا لا يكون ذلك بحضور مبعوثين مصري واردني مثلا لتمثيل العرب ؟ ثم من الذي يضمن هذا السقف الزمني وماذا يحدث.. اذا طلب الجانب الأمريكي بثقله ان تمتد الفترة.. ثم تمتد.. حتي يحين أقرب الأجلين!! ولماذا لم يدعم الوزراء التفسيرات التي طلبها الرئيس الفلسطيني ابو مازن من واشنطون ولم ترد عليه حتي الآن وهي كما قيل لي من أحد معاونيه ضمان جدية اسرائيل.. وما هي مرجعية المفاوضات.. هل هي خريطة الطريق.. أم قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة.. وهل الهدف هو مناقشة قيام دولة فلسطينية علي حدود يونيو1967 ثم ما هو موقف واشنطن اذا لم تستجب اسرائيل.. هل ستعلن هذا؟.. هل ستبلغ مجلس الأمن ولا تستخدم الفيتو ضد قراراته! ؟ وفي يقيني مع كل الأمل في ان اكون خاطئا ان هذه المفاوضات لن تسفر عن الحل.. ومن ثم فانه لابد للقمة العربية ان تحدد موقفها.. بمعني انه اذا كانت ستدعم المبادرة الأمريكية استطرادا لقرار مجلس الوزراء العرب فانها لابد ان تعلن انه اذا مضت فترة الأشهر الأربعة دون نتيجة ايجابية يرضي عنها العرب.. فان القمة تعلن تجميد المبادرة العربية. ويتحتم علي القمة ألا تتخطي الألغام الموضوعة في طريقها- بالالتفاف حولها- لتنجو من الانفجار وانما ان تبطل مفعولها تماما.. وهذا يستوجب اتمام المصالحة بين الدول.. فان مصر مثلا هي الأكثر حرصا علي سوريا.. وسوريا لا يمكن ان تخلع مصر من قلبها أو تجد لها بديلا.. فالبلدان أكثر من شقيقين وعلاقاتهما تاريخية منذ آلاف السنين.. وكذلك فان العلاقات عضوية بين سوريا ولبنان.. ولا يمكن ان تعيش قطر في معزل عن العرب.. ولا يوجد بلد عربي ضد قطر.. وهكذا فان المنظومة العربية يتحتم ان تتكامل ويعرف كل طرف فيها ان خلاصه ومستقبله هو في داخل المنظومة وليس ابدا خارجها.. وأخيرا.. فان القمة ينبغي ان تعتمد أساليب عديدة للتحرك الي جانب التحرك التقليدي.. واذا كان الأمين العام للجامعة قد تحرك الي السودان في ضوء قرارات رسمية سابقة فقد كان تحركه مثمرا.. وينبغي اعطاء الفرصة لتحركات اكثر في مجالات أخري حتي نستثمر كل امكانياتنا.. ولا نترك الساحة للأخرين!