جلس بجواري وأنا أتناول الغداء علي المائدة الطويلة وقبل أن يضع طبقه سألني متي الانتخابات! نظرت إليه بابتسامة قائلة نعم.. لقد كانت المحاضرة جيدة! نظر لي الرجل باستغراب وكرر سؤاله وقتها استدركت وقلت له آه.. أنها في نوفمبر.. غالبا. كان الرجل الستيني يرقبني وينظر لاسم مصر المكتوب علي بطاقة اسمي في المؤتمر الدولي. وحالت سرعة سؤاله المفعم بالاهتمام المخلص دون تبيني للكلمات بدقة, بعد أن جلس وقبل أن يقرب طعامه قال لي الرجل باخلاص شديد أن الجميع قلق علي مصر وأن الجميع يخشي أن تسقط مصر في فخ التشدد وأن يتولاها جماعة متشددة تأخذ مصر في مسار بعيد!! وقال لي مصر هي الشرق الأوسط كان الرجل يقول ذلك بنبرة يشوبها الجزع. طمأنته وقلت له أن التحدي كبير, لكن الأمل كبير أيضا واعطيت له نموذجا بمجموعات الشباب التي تعمل ليس فقط بعد الثورة لكن قبلها بسنوات طويلة, قال لي الرجل أن موجة عودة العقول قد ترتد, وضرب لي مثلا بإحدي دول أوروبا الشرقية الذي حدثت اليها موجة عودة العقول, ما لبثت أن أرتدت وعادت العقول إلي الغرب عندما لم توجد أبدا الظروف الملائمة لعملها واستمرارها, بعد انتهاء حديثنا أعطاني الرجل الكارت الذي تبينت منه اسمهAlexanderDembitz وهو رجل أعمال سويسري, انتهي الغداء الذي كان في جامعة سانت جالين في جنوب سويسرا في نهاية مؤتمر لعلماء الاقتصاد الفائزين بجائزة نوبل. اللقاء الآخر كان مع الدكتورة أنجريد ماتسون, أستاذة الدراسات الاسلامية بجامعة هارتفورد سيمينري, التي التقيتها في جامعة ستنافورد في مايو الماضي, رحبت بالحديث معي وقالت لي أن الثورة المصرية هي أول أنباء طيبة تأتي من الشرق في عقود طويلة وقالت لي أيضا إن الأصعب من الثورة هو الحفاظ عليها والاستمرار في عمل الاصلاح المطلوب, لأن المجتمعات كالأفراد, ربما في البداية يكون الدفع سهلا والادرينالين يعطي الأفراد قوة, لكن الاستمرار يكون هو الأصعب, حملتني ماتسون رسالة إلي الشباب المصري وقالت عن القوي المناوئة لقوي الاصلاح بعض الناس يكونون كالاقفال لا يستطيعون الاسهام بشيء ايجابي كل ما يستطيعون عمله هو محاولتهم وقف أي تقدم, ومع هؤلاء الناس نحن نحتاج قمة الصبر, بينما يبقون هم في مكانهم سيبذلون كل جهدهم لإرهاق من يريد ان يتقدم حتي ييأس المصلحون ويعترفون باليأس ويقولون: مستحيل.. لا يوجد حل لذا يجب ان يكون المصلحون أكثر عنادا منهم, الصبر من خصائصه بعض العناد فإذا كانوا هم عنيدين فلابد ان يكون المصلحون أيضا أكثر عنادا وهي عملية مرهقة. أما اللقاء الثالث فكان في المؤتمر الاقتصادي الأول, وكان مع حمزة علي مالك, مدير البنك المركزي الباكستاني عمره63 عاما, الذي اختار أن يعود من كندا للعمل في باكستان لايمانه بدوره في خدمة بلده. ما الذي يربط بين رجل الأعمال المجري والأستاذة الأمريكية والمصرفي الباكستاني, خيط من الأمل في مصر منسوج مع خيط آخر من المسئولية؟, خيط مشع من النور علي طريق واضح تماما. النور يلزم للسير في الطريق لكنها مسئوليتنا نحن أن نسير!! وكثيرين ساروا قبلنا فنتعلم, السير مسئوليتنا, والعالم كله ينظر لنا ويدعو لنا فنحن في عيونه. المزيد من مقالات صباح حمامو