جاءت عملية اغتيال المبحوح في دبي, في سياق النهج الإسرائيلي المعروف, حيث كانت التصفيات ومازالت تشكل أسلوبا إسرائيليا شائعا وحرفة مهنية مميزة لجهاز الموساد بخارج إسرائيل والشاباك بداخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وسجلهما المليء بعمليات الاغتيال. فقد نفذ جهاز الموساد وحده المئات من عمليات التصفية التي طالت كوادر وقيادات وعلماء فلسطينيين وعربا, وحتي أجانب في أكثر من مكان في العالم, وفي أكثر من عاصمة عربية من بيروت إلي تونس إلي دمشق إلي دبي. وتتبع إسرائيل سياسة تقتضي الصمت, وليس الإنكار في شأن أية عملية اغتيال تقوم بها في أي مكان إذا لم تكن هناك أدلة واضحة علي دورها, بما في ذلك الاغتيالات في الضفة الغربية وقطاع غزة. كل ذلك يبدو معلوما وواضحا للكافة, ولكن تبقي هناك عدة تساؤلات تطرح نفسها, منها أنه من الغريب أن يقع جهاز مخابرات كالموساد في مثل تلك الأخطاء الساذجة, والتي يصعب علي مثله الوقوع فيها, فالكل يعرف أن لدي شرطة دبي أجهزة تصوير عامة منتشرة في كل الأماكن والمزارات, خاصة الفنادق السياحية, ومع ذلك لم يهتم منفذو العملية كثيرا بمحاولة إخفاء وجوههم, كما أن لديها نظاما معلوماتيا خاصا بالجوازات ومراقبة حركة الأجانب القادمين والمغادرين لها, وكما كشفت التحقيقات عن أن المتورطين, الذين غادروا جميعا في يوم الاغتيال نفسه, استخدموا الاسلوب التقليدي للموساد في تنفيذ عمليات الاغتيالات حتي تصديق رئيس الوزراء ذاته علي تنفيذ العملية, فضلا عن أنهم استعانوا ببطاقات ائتمان صادرة من مصرف واحد هو ميتا بنك ومقره الولاياتالمتحدة, فكيف سمح الموساد لرجاله بارتكاب مثل تلك الغلطات التي أدت للتعرف علي هوية الجناة كاملة, ومن ناحية أخري فإن حجم وعدد الفريق الإسرائيلي الذي كلف بتنفيذ العملية, وهو حتي الآن نحو26 فردا, يدل بما لا يدع مجالا للشك إما علي أهمية وحجم الخطورة التي يمثلها المبحوح لإسرائيل, وإما يدل أيضا وهو الأرجح علي أن العملية أريد لها بشكل ما أن تكشف, ولا يهم ما سيؤدي إليه عملية الكشف تلك من حرق لهؤلاء العملاء, وعدم قابليتهم للاستخدام مرة أخري, وذلك لتكون استعراضا للعضلات لإرهاب الجميع, ولتكمل حلقة الاستعدادات اللوجستية والنفسية بالمنطقة لضرب إيران, والتي بدأت بتهديدات أذرع إيران وقواها بالمنطقة... بدءا بسوريا من مستويات عسكرية إسرائيلية عدة انتهاء بتهديدات ليبرمان نفسه لها وللأسد وحكم أسرته ذاتها, وتهديد لبنان المستمرة عن طريق المناورات العسكرية الكثيفة والعالية المستوي علي حدود إسرائيل الشمالية, وعمليات الاستطلاع الدائمة وعمليات التوغل لقطاع غزة للقبض علي عناصر من ناشطي حركة حماس, ذراع إيران بجنوب إسرائيل القوي, والذي يعد المبحوح أحد أبرز رجالاتها, بل أيضا عمليات طالت إيران ذاتها, حيث نجحت منذ أسابيع في تصفية أحد أبرز علماء الذرة الإيرانيين واختطاف آخر, كما نجحت بمساعدة المخابرات الامريكية في اختطاف قائد بارز بحرس الثورة الإيراني والمساعدة علي تهريب آخر وطلبه اللجوء السياسي لإحدي دول الغرب. لذلك لم تكن عملية اغتيال عضو قيادة حركة حماس في الخارج محمود عبد الرءوف المبحوح في دبي, الشهير بأبو الحسن اللاجيء الفلسطيني القادم من مخيم جباليا في قطاع غزة إلي سوريا, والذي يعيش داخل نطاق من السرية الكاملة والمحكمة التي تشمل التحركات والاتصالات والمعارف والاصدقاء المحيطين به وبصورة يصعب كثيرا اختراقها, والتي تدل بلا شك بالتزامن من الكشف عن تجنيد ابن احد قادة حماس, وهو الشيخ حسن يوسف علي مدي حجم التغلغل الإسرائيلي والاختراق الصهيوني في صفوف المقاومة الفلسطينية, لم تكن سوي رسالة إسرائيلية واضحة وبالغة الدلالة, ضمن رسائل إسرائيلية أخري, موجهة لأذرع إيران في المنطقة ولإيران ذاتها بأن عصاها مستعدة وقادرة علي أن تطول الجميع...