فقط للذين يحترمون أصول استخدام الحق يكون حق التظاهر, ذلك أن حق التظاهر هو احترام لشرعية التعبير عن الرأي مهما اختلفنا حول هذا الحق الممنوح, ذلك أنه ليس من حق أحد أن يحجر علي رأي أحد يريد أن يجاهر الجميع بما يعتقد حتي لو كان يريد أن يقول ما قاله مالك في الخمر, إلا أن حق التظاهر المطلق الممنوح الآن لكل من هب ودب لايزيد عن كونه دعوة للفوضي, خصوصا إذا اقترن ذلك الحق باشعال الحرائق, وقتل الأفراد, والاعتداء علي رجال الأمن, وتدمير ما تيسر من مؤسسات الدولة ومرافقها, أو اقترن بالدعوة للعصيان المدني في وقت ينزف فيه الوطن المصري دما اقتصاديا بسبب الخراب الذي ورثناه عن مبارك وعصابته, وكلها في ظروف الوطن الحالية تصل إلي مرحلة الخيانة العظمي, ورغم وضوح ما يرتكب من جرائم من أهل النظام المنحل, فإن أحدا من السلطة لم يتحرك للعقاب, أو أوقف الفوضي التي تدمر أجزاء أكثر من الوطن مع كل صباح, رغم التلويح باستخدام مواد قانون الطوارئ لفرض النظام, وهو ما لم يحدث, وإن كان يتم التلويح بذلك كل يوم, وهو ما يمثل إغراء للبلاطة علي رأي السوريين! ولعل ما يثير الشك مع الغرابة هو تصدي أصحاب الأصوات العالية الذين لايعلم أحد من أين جاءوا لأي اقتراب من حق التظاهر, وكذلك أي تلويح باستخدام قانون الطوارئ, مع أن هؤلاء يدركون أن ما يدافعون عنه في هذه الأيام هو تكريس للفوضي, وحماية للمزيد منها تنفيذا لما يدور في ضمائرهم دون إعلان من رغبة في إشعال الحرائق في كل مكان من الوطن. بما يحوله إلي أنقاض لا يبقي فيه غير أنصار مبارك لإعادة نظامه من جديد معاقبة لشعب قال له يوما ما في يناير كفي! والذي لا أفهمه. ولا يفهمه غيري كثيرون: ماذا يضير المواطنين الشرفاء من تفعيل مواد قانون الطوارئ, أو ماذا يضيرهم من تقييد حق التظاهر بتصريح من الدولة بناء علي مسوغات معقولة لطلب التظاهر, ذلك أن كل القيود التي تطل الآن علي حياء دون تنفيذ لا تضر أحدا غير المخربين, وقطاع الطرق, والهاربين بالسلاح من سجون الدولة برضا ومساعدة بقايا أمن الدولة, وبقايا الحزب الوطني, مع المستأجرين من بلطجية رجال الأعمال اللصوص الذين لم يقلم أظافرهم أحد, أو يصادر ثرواتهم الحرام أحد بعد, مع أن مصادر ثرواتهم معروفة للجميع بغير حاجة لتقارير الكسب غير المشروع, حتي ليبدو الأمر وكأن هذه النوعية من لصوص الأعمال جاري شيلها لوقت عوزة, أرجو ألا يأتي أبدا, ذلك أن مجرد عودتهم لنشاطهم القديم هو عودة كاملة لنظام مبارك, وان كان برأس آخر غير رأس مبارك المصبوغ, أو خليفته الوريث, هو ما يثير لدينا الكثير من الريبة, المصحوبة بالكثير من القلق, رغم إيمان عميق بأن ذلك لن يحدث أبدا, وأن ما بناه ثوار التحرير لن تعصف به زوابع مبارك الجاري النفخ فيها الآن بشكل مؤقت للنظر بما قد يشير إلي أن وجود مبارك والورثة خلف القضبان هو مجرد استراحة يعودون بعدها لكراسي العرش, وهو ما سوف يقاومه شعب مصر بأكمله, ذلك أن المكان الوحيد الذي قرره لهم هذا الشعب هو ليمان طره, مع ما تيسر من المشانق, وان كنا جميعا نفضل المشانق علي اللومان! وليس أمامنا في هذه الأيام غير شعار سعد زغلول: الحق فوق القوة, والأمة فوق الحكومة, بغير ذلك سوف يضيع وطن لانملك غيره لنعيش.. بعد أن حررناه!! المزيد من مقالات محمود كامل