د. خالد سعيد يكتب: ماذا وراء تحمّل إسرائيل تكلفة إزالة أنقاض غزة؟!    التفاصيل الكاملة للقبض على إبراهيم سعيد وطليقته بعد مشاجرة الفندق    الأرصاد توجه تحذير شديد اللهجة من «شبورة كثيفة» على الطرق السريعة    سوريا تصدر أول رد رسمي على الهجمات الأمريكية الأخيرة على أراضيها    وزير الدفاع الأمريكى: بدء عملية للقضاء على مقاتلى داعش فى سوريا    مقتل عروس المنوفية.. الضحية عاشت 120 يومًا من العذاب    ستار بوست| أحمد العوضي يعلن ارتباطه رسميًا.. وحالة نجلاء بدر بعد التسمم    ماذا يحدث لأعراض نزلات البرد عند شرب عصير البرتقال؟    المسلسل الأسباني "The Crystal Cuckoo".. قرية صغيرة ذات أسرار كبيرة!    في ذكراها| خضرة محمد خضر.. سيرة صوت شعبي خالد    إرث اجتماعي يمتد لأجيال| مجالس الصلح العرفية.. العدالة خارج أسوار المحكمة    التحالف الدولي يطلق صواريخ على مواقع داعش في بادية حمص ودير الزور والرقة    محمد عبدالله: عبدالرؤوف مُطالب بالتعامل بواقعية في مباريات الزمالك    كيف تُمثل الدول العربية في صندوق النقد الدولي؟.. محمد معيط يوضح    مصرع شاب على يد خاله بسبب نزاع على أرض زراعية بالدقهلية    موهبة الأهلي الجديدة: أشعر وكأنني أعيش حلما    الأنبا فيلوباتير يتفقد الاستعدادات النهائية لملتقى التوظيف بمقر جمعية الشبان    مصر للطيران تعتذر عن تأخر بعض الرحلات بسبب سوء الأحوال الجوية    مواقيت الصلاه اليوم السبت 20ديسمبر 2025 فى المنيا    إصابة 4 أشخاص في انقلاب موتوسيكل بطريق السلام بالدقهلية    محمد معيط: لم أتوقع منصب صندوق النقد.. وأترك للتاريخ والناس الحكم على فترتي بوزارة المالية    محمد معيط: أتمنى ألا تطول المعاناة من آثار اشتراطات صندوق النقد السلبية    بحضور رئيس الأوبرا وقنصل تركيا بالإسكندرية.. رحلة لفرقة الأوبرا في أغاني الكريسماس العالمية    القبض على إبراهيم سعيد لاعب كرة القدم السابق وطليقته داليا بدر بالقاهرة الجديدة    شهداء فلسطينيون في قصف الاحتلال مركز تدريب يؤوي عائلات نازحة شرق غزة    الغرفة الألمانية العربية للصناعة والتجارة تطالب بإنهاء مشكلات الضرائب وفتح استيراد الليموزين    وزير العمل يلتقي أعضاء الجالية المصرية بشمال إيطاليا    بريطانيا واليونان تؤكدان دعم وقف إطلاق النار في غزة    مصر تتقدم بثلاث تعهدات جديدة ضمن التزامها بدعم قضايا اللجوء واللاجئين    روبيو: أمريكا تواصلت مع عدد من الدول لبحث تشكيل قوة استقرار دولية في غزة    السفارة المصرية في جيبوتي تنظم لقاء مع أعضاء الجالية    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: برنامجنا مع صندوق النقد وطنى خالص    أرقام فينشينزو إيتاليانو مدرب بولونيا في آخر 4 مواسم    منتخب مصر يواصل تدريباته استعدادًا لضربة البداية أمام زيمبابوي في كأس الأمم الأفريقية    ضربتان موجعتان للاتحاد قبل مواجهة ناساف آسيويًا    حارس الكاميرون ل في الجول: لا يجب تغيير المدرب قبل البطولة.. وهذه حظوظنا    زينب العسال ل«العاشرة»: محمد جبريل لم يسع وراء الجوائز والكتابة كانت دواءه    محمد سمير ندا ل«العاشرة»: الإبداع المصرى يواصل ريادته عربيًا في جائزة البوكر    كل عام ولغتنا العربية حاضرة.. فاعلة.. تقود    إقبال جماهيري على عرض «حفلة الكاتشب» في ليلة افتتاحه بمسرح الغد بالعجوزة.. صور    مدرب جنوب إفريقيا السابق ل في الجول: مصر منافس صعب دائما.. وبروس متوازن    فوز تاريخي.. الأهلي يحقق الانتصار الأول في تاريخه بكأس عاصمة مصر ضد سيراميكا كليوباترا بهدف نظيف    الجبن القريش.. حارس العظام بعد الخمسين    التغذية بالحديد سر قوة الأطفال.. حملة توعوية لحماية الصغار من فقر الدم    جرعة تحمي موسمًا كاملًا من الانفلونزا الشرسة.. «فاكسيرا» تحسم الجدل حول التطعيم    عمرو عبد الحافظ: المسار السلمي في الإسلام السياسي يخفي العنف ولا يلغيه    أخبار كفر الشيخ اليوم.. انقطاع المياه عن مركز ومدينة مطوبس لمدة 12 ساعة اليوم    كيفية التخلص من الوزن الزائد بشكل صحيح وآمن    أول "نعش مستور" في الإسلام.. كريمة يكشف عن وصية السيدة فاطمة الزهراء قبل موتها    الداخلية تنظم ندوة حول الدور التكاملي لمؤسسات الدولة في مواجهة الأزمات والكوارث    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر رجب.. في هذا الموعد    10 يناير موعد الإعلان عن نتيجة انتخابات مجلس النواب 2025    المهندس أشرف الجزايرلي: 12 مليار دولار صادرات أغذية متوقعة بنهاية 2025    النتائج المبدئية للحصر العددي لأصوات الناخبين في جولة الإعادة بدوائر كفر الشيخ الأربعة    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابه    للقبض على 20 شخصًا عقب مشاجرة بين أنصار مرشحين بالقنطرة غرب بالإسماعيلية بعد إعلان نتائج الفرز    داليا عثمان تكتب: كيف تتفوق المرأة في «المال والاعمال» ؟    هل يجوز للمرأة صلاة الجمعة في المسجد.. توضيح الفقهاء اليوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د‏.‏سعد الدين إبراهيم‏:‏
دفاعي عن الأقليات لا يستهدف التحريض أو الانفصال رضا هلال اختفي بسبب أحاديثه عن مبارك وأسرته
نشر في الأهرام اليومي يوم 07 - 10 - 2011

الدكتور سعد الدين إبراهيم اسم كبير في علم الاجتماع, يوصف بأنه ابن خلدون آخر أو طهطاوي العصر, لدوره التنويري, يسعد باللقبين ويشرفه أن يحذو حذوهما, ناضل طوال عمره ضد الاستبداد, وحلم بنشر الديمقراطية في مصر والعالم العربي, اقترب من عبدالناصر والسادات ومبارك في بداية ولاياتهم متفقا مع سياساتهم, وانقلبوا عليه في نهاية ولاياتهم لأنه اختلف عن سياساتهم. أحد المبشرين بالتغيير في الوطن العربي, والمتأكدين بأن موجة الديمقراطية لابد يوما سترسو علي شواطيء العرب, ولكن برغم ذلك هناك فجوة ثقة بينه وبين العالم العربي بسبب بعض توجهاته وكثرة سفرياته لدول الغرب.. وإلي نص الحوار:
في طفولتك كان لك موقف وتجربة في كتاب القرية( بدين) بالمنصورة, حدثنا عنهما وتأثيرهما عليك بعد ذلك ؟
التحقت كعادة الأطفال وقتها بكتاب القرية, وحفظت بضعة أجزاء من القرآن الكريم, وتمثلت التجربة في معلم رئيسي في تشكيل وعيي بالنسبة للتعليم وهو الاستظهار أوالحفظ, وكانت هذه الطريقة تشعرك بالملل من أسلوب التعليم, فترفع صوتك مع الأطفال في ترديد آيات من القرآن الكريم بطريقة رتيبة مع هز الرأس بطريقة آلية, وكل طفل يتلو ما هو مطلوب منه, وهو في الغالب مختلف عما يقرأه كل طفل, ومن يسهو عن القراءة تصله مقرعة الشيخ( بدر) أينما كان, وبالطبع وصلت الجميع وأنا منهم, حتي إن سيدنا حين أصابني يوما بجرح في رأسي أخبرني أن أقول لأبي حين يسألني أن المقصود كان طفلا آخر ثم عدل الرواية بأن أقول اني سقطت من السلم أثناء نزولي, والغريب أني ذهبت إلي والدي ورويت له الروايتين فضحك علي كلامي هو وأصدقاؤه, وخرجت من هذا الموقف بتجربة مهمة هي أن الاستظهار والحفظ له آثار وخيمة علي الإنسان.
نأتي إلي الوضع الحالي, قلت إن شعبنا ثائر ولكن ليس محترف ثورة, فهل معني ذلك أن الثورة المصرية مهددة بالانتكاسة ؟
أنا لا أحبذ كلمة انتكاسة, ولكن أفضل تعبير اختطاف الثورة, والجاهزون للاختطاف ثلاثة: المجلس العسكري والإخوان والشريحة الثانية أو ما يسميهم البعض فلول النظام, وأن أفضل التسمية الأولي, لأن هناك دراسة أجريت علي هذه الشريحة في الستينيات والسبعينيات وصدرت في الثمانينيات تقول: إن هناك شؤيحة اجتماعية تشغل مواقع مهمة في السلطة منذ انتخابات23 وهم ما يسمون الأعيان في الريف والوجهاء في المدن, وهذه الشريحة تطفو مع كل نظام, فتجدهم في الأحزاب والاتحادات وغيرهما, وهم ليسوا أسماء كبيرة بالضرورة, لكنهم موجودون بالريف والمدن وينجحون في أي انتخابات يدخلونها سواء رشحهم الحزب أم لم يرشحهم.
ولكنني اتمني أن أري في مصر الديمقراطيون الإسلاميون وهو ما تطبقه تركيا الآن, واتمني علي الإخوان أن يكونوا ندا لا يحتكر ولكن ينافس, وأتمني تقنين دور الجيش ليكون مؤسسة تحمي الدولة المدنية.
يتهمك البعض بأن هناك فجوة بينك وبين الشعب المصر بسبب بعض توجهاتك وعدم الثقة فيها ومنها تأييدك لعبدالناصر والسادات ومبارك ثم انقلابك عليهم, وكذلك موقفك من إسرائيل مقاوما ثم مؤيدا ؟
هذا صحيح, ولكن من يقول ذلك كمن يقول: ولا تقربوا الصلاة, فهو لم يقرأ كتاباتي متي اتفقت ومتي اختلفت سواء مع عبدالناصر أو السادات أومبارك, وقد تحدثت عن عبدالناصر والسادات, أما مبارك فقد قال لي في آخر99: انت كثير الحديث عن الديمقراطية, فكيف نقوم بها دون إحداث ضجيج أو خلخلة في الأوضاع, وعند الدراسة وجدت أن المكسيك هي الأقرب لنا حيث بدأوا التغيير بالتدريج, فعرضت عليه الدراسة وأعجب بها, وكانت بعنوان' المشاركة التدريجية في السلطة' وقد استخدمها في حملته الانتخابية وقتها, وبعد انتخابه نسي هذا الموضوع, وبعدها بشهور كنت في السجن, ويبدو أن زكريا عزمي أو احد مستشاري السوء قد قال له: ألم يقل لك سعد الدين إبراهيم إن من قام بهذه الإصلاحات قد سقط في الانتخابات, فيبدو أنه ظن أنه فخ, وقد يكون صفوت الشريف, حيث حدث موقف معه يبدو انه لم ينسه, وذلك في مؤتمر في99 أيضا دعت له سوزان مبارك ليعرض فيه كل وزير انجازات وزارته, وحين جاء دور صفوت الشريف ظل يتحدث عن الريادة الإعلامية ومدينة الانتاج الإعلامي المقامة علي ثلاثمائة فدان, واستغرق نحو الساعة برغم أن المخصص ثلاثون دقيقة فقط, وكان رئيس الجلسة الدكتور أحمد كمال أبو المجد فأشار لي بأن اتحدث بعد انتهائه, فقال أبو المجد إن إنجازات صفوت الشريف عديدة ولهذا أطال, ولأن التقليد يقضي بوجود مناقشة فسوف أعطي المداخلة لواحد فقط وهو الدكتور سعد الدين إبراهيم, فقلت أنا أيضا أحيي إنجازات الإعلام الضخمة التي أعطته كل الوقت, ولكن عندي ملاحظة واحدة وهي برغم كل هذا يعتبر إعلامنا إعلاما من الدرجة الثالثة, فلماذا قناة مغمورة وعلي فدان واحد وليس ثلاثمائة وفي دولة صغيرة وتحظي بريادة إعلامية حقيقية, ورأيي أن السبب هو الحرية, وحينها ضحت القاعة بالتصفيق, ثم تناول أبو المجد الحديث وقال شكرا وانتهت الجلسة وإلي الاستراحة, وصفوت الشريف كأنه مسه شيطان وأخذ يتكلم ويقول أريد الرد ولم يهتم به إلا مجموعة قليلة, فقال الدكتور سعد وهو عالم كبير لم يقل لنا كيف بني حكمه, ويقال إنه لم ينس هذا الموقف.
كانت لك محطات ثلاث مع الرئيس الراحل عبد الناصر: محطتان للتكريم, والثالثة للتنكيل بك والانقلاب عليك ما تفاصيلها ؟
التقيت بالرئيس عبدالناصر أول مرة وسني كانت17 سنة عام1955, حيث أقيمت مسابقة وقتها عن كتاب عبدالناصر اسمه( فلسفة الثورة), وكان وزير التعليم وقتها هو كمال الدين حسين, ولأنه أحد الضباط الأحرار, فأراد الاحتفاء بالكتاب, فأقام مسابقة لطلاب المدارس الثانوية حول الكتاب, وجرت التصفيات بين الطلاب لنصل إلي عشرة فائزين يحق لهم التكريم من الرئيس ولقاؤه, وكان لقاء مهما, وكان أول مرة أواجه فيها السلطة, بمعني المواجهة وليس اللقاء, لأن الفترة التي سبقت اللقاء كانت قد شهدت حادث المنشية, وتم اعتقال العديد من الإخوان المسلمين, وعلي طريقة الأمن المصري الشهيرة كانوا يقبضون علي مجموعة من أشخاص ليظهر لهم المطلوب, وكانت المصادفة أن أحد المقبوض عليهم زميلي بالمدرسة, ولم تكن له أي علاقة بالإخوان المسلمين, فهو شاب وحيد أمه وكان كثير اللعب ولا يعبأ بالدراسة كثيرا ويعيش حياة مترفة, ولا علاقة له بالفكر أو السياسة, وعذب تعذيبا شديدا, كان نتيجته أن أصيب بلوثة عقلية نقل علي إثرها إلي مستشفي الأمراض النفسية, وكانت أمه تأتي باكية كل يوم أمام المدرسة, و التقيت الرئيس عبدالناصر, وبدأت المناقشة حول الكتاب, وحين سأل عن الفارق بين الثورة المصرية والثورات الأخري نظر الطلاب لي للإجابة حيث كنت الأول في المسابقة, وبدأت الإجابة بتردد شديد وقلت: كانت الثورة المصرية تتميز, ولم أكمل حتي فاجأني عبدالناصر بالقول: كانت ؟! وأسقط في يدي, وسألني عن اسمي, وتطوعت المجموعة بالرد في قول واحد: سعد الدين إبراهيم, فسألني ما المقصود ب كانت, فقلت: إن الثورات تواجه مشكلات وثورات مضادةوتضطر أحيانا إلي استخدام العنف وهذا العنف قد يطال أحيانا أبرياء, ومن رهبة الموقف كنت أحاول أن أخفف من إجابتي قدر المستطاع, فسألني: هل تتحدث بناء علي معلومات أم بناء علي ما تسمعه من الآخرين, فقلت: بل حالات أعرفها, فقال: حالات, قلت: نعم, وذكرت له حالة زميلي عبدالحميد حسنين, ورويت له كل ما أعرفه, وهو يدون كل ما يسمعه, ولف القاعة صمت رهيب, والحقيقة أن الرئيس عبدالناصر( رحمه الله) كان يشجعني بالاسم بأن أكمل وكان يستمع بإنصات شديد, ونظرا لحالة الوجوم الشديد وتغير لون كمال الدين حسين من شدة الخجل أمام الرئيس, أراد عبدالناصر أن يكسر حالة الصمت, ويضفي حالة من المرح, فقال سمعتم آخر نكتة: فقال لي إن هذا القلم الذي أدون به من نوع باركر وقد أهداني إياه الرئيس إيزنهاور, وأنا اعتز بهذا القلم ليس لأنه باركر ولكن لأنه من قائد عسكري احترمه, وقد فوجئت باختفاء القلم, فاتصلت بزكريا محيي الدين وزير الداخلية لأخبره باختفاء القلم, ثم حدث أنه بعد وقت قصير وفي نفس اليوم وجدت القلم, فاتصلت به وأبلغته بوجود القلم, فقال لي: كيف لقد قبضنا علي السارق واعترف بسرقته, فعمت القاعة بالضحك وكسر جليد الصمت والوجوم من أثر النكتة, ثم قال: تعلمون أن الثورات يحدث فيها ذلك أحيانا, وقد ورثنا جهاز الأمن عن النظام البائد, ولم نستطع تغيير كل شيء, وبعد اللقاء وصلت إلي بلدتي لأفاجأ بمدير المديرية يصطحب عبدالحميد حسنين في سيارته, ومعه شيك من عبدالناصر بمائة جنيه لأسرته, والحق أن هذا الموقف الإنساني لعبدالناصر زاد من إكباري له, وكان وقع اللقاء علي عظيما, فقد نشر بالصفحة الأولي بالأهرام وقتها, وأصبح أهل بلدتي يلقبونني بالشاب الشجاع.
ومتي كان اللقاء الثاني ؟
كان في عام1960, حين تخرجت في الجامعة وقتها, وكان هناك تكريم للأوائل من الرئيس عبدالناصر بالقاعة الكبري بجامعة القاهرة في احتفال يسمي عيد العلم, وكانت مفاجأة أنه تذكرني وقتها, وهذا ما أثر في جدا, وحين نادوا علي اسمي, قال لي: أزي عبدالحميد حسنين, واستغربت جدا, كيف يتذكر هذا الموقف برغم ما مر بمصر من أحداث طيلة هذه السنوات الخمس علي آخر لقاء, ولكن يبدو أن الموقف نفسه أثر في عبدالناصر أيضا وهو ما جعله يذكر ذلك, وهذا الموقف أحدث تحولا من إعجاب به إلي عشق له.
عشق! ولكنك بعد ابتعاثك للخارج هاجمت عبدالناصر بضراوة ؟
حين ابتعثت لأمريكا عام1962 كنت مؤمنا بالمباديء الناصرية وعاشقا فعلا لشخصية عبدالناصر, وتم انتخابي رئيسا لمنظمة الطلبة العرب عام1966 بناء علي هذه المباديء, برغم وجود منافسين من تيارات مختلفة: بعثية وشيوعية وقومية.
إذن ماذا أغضب عبدالناصر منك, ويمنع دخولك مصر ويلغي بعثتك ؟
قبل حرب67 كنا ندافع عن سياسات عبدالناصر, وندخل في نقاش مع الطلبة العرب والأمريكان, وكانوا دائما يسألوننا عن الهدف السادس للثورة, وإقامة حياة ديمقراطية سليمة وكان عندهم حق في ذلك برغم الإصلاح الزراعي والاجتماعي والخطط الخمسية وما إلي ذلك.
وما أغضب عبدالناصر مني خمسة أسباب أو مواقف وهم:
الأول: بعثت برسالة له بهذا المعني أسأله عن الهدف السادس للثورة, والثاني: دعوتنا للمرحوم عزيز صدقي إلي أمريكا بعد إقالة عبدالناصر له, فأغضبه ذلك أو أغضب الأجهزة واعتبره تحديا له, والثالث: بيان أصدرناه عن المنظمة بسبب العدوان علي مواقع العمل في تحويل نهر الأردن, ومنابع هذا النهر كانت في سوريا, وقد حاول تحويل المجري قبل دخوله فلسطين, فدعا لقمة عربية لمشروع مناهض وقد أوكله إلي المقاولون العرب, فدخلت إسرائيل بطائراتها ودمرت كل المعدات ولم يرد العرب بطلقة واحدة, وحين سمعنا هذا الأمر وكنا في اجتماع للمنظمة جن جنوننا وتأثرنا كثيرا, وأصدرنا بيانا غاضبا استخدمنا فيه عبارة كان دائما ما يستخدمها عبدالناصر وهي: اننا نحن من سيحدد زمن المعركة مع إسرائيل, وقد أوردناها علي سبيل السخرية والنقد, وقلنا إن إسرائيل لن تترك لنا الفرصة.
والسبب الرابع: لقاؤنا مع الملك فيصل, حيث كان من المتفق عليه أن تقوم المنظمة بتنظيم مظاهرة ضده بسبب حرب اليمن والعبودية بالسعودية والأحلاف, وكان في زيارة رسمية لأمريكا, وقد حاول المسئولون السعوديون في السفارة إثناءنا عن هذه المظاهرة, وكنا مصرين عليها, وحدث أن حضر الملك فيصل مؤتمرا صحفيا بنادي الصحافة, وسأله صحفي أمريكي- يبدو أنه من أصول يهودية عن إسرائيل, فقال الملك: عدوتنا, فرد عليه الصحفي ولكنها صديقة لأمريكا, فرد الملك: هناك مثل عربي يقول: صديق الصديق صديقي, وصديق العدو عدوي, فخرجت الصحف المسائية بهذا العنوان, وانتفض اليهود بأمريكا للتظاهر ضده, وفوجئت بأن الشرطة تبلغني بوجود مظاهرة لليهود أما الفندق المقيم به الملك وعلينا أن نختار أحد جانبي الطريق حيث لنا الأسبقية لأننا من بادر بإبلاغهم بالتظاهر, واجتمعت مع أعضاء المنظمة لإثنائهم عن التظاهر والبحث في حلول بديلة وحتي لا يحتسب أننا وإسرائيل ضده وأن الأمر مدبر, واستمرت المناقشات طويلا, حتي خرج أحد الطلبة بفكرة مقابلة الملك بديلا عن التظاهر, وهنا نحقق لهم رغبتهم بعدم التظاهر, وببراءة ثورية أصر المؤيدون للتظاهر بأن أتحدث مع مسئول السفارة حالا, وكان الوقت متأخرا, وفعلا اتصلت به, وقلت له إن الشباب منقسمون بين التظاهر وعدمه بسبب مظاهرة اليهود, ونحن نقترح أن يلتقي وفد منا الملك لمدة ساعة, وبعد دقائق فوجئت باتصال بأن الملك حدد ساعتين للقاء وليس ساعة واحدة, وكتب المؤيدون للتظاهر البيان, واستقبلنا الملك بنفسه, وقلنا له إن هناك بيانا سوف نلقيه وسوف نسجل اللقاء معك, فلم يمانع, وبدأت تلاوة البيان وما إن قلت: ياجزار اليمن, ياملك العبيد, حتي قفز اثنان من حراسته ذوا بنيان ضخم وأشهرا خناجرهما, وقد تملكني الرعب وتوقفت تماماعن الكلام, وأشار لهما الملك, وقال لي: أكمل, واستمع الملك للبيان وكان مكونا من صفحتين, ومن الذاكرة بدأ الرد عن كل كلمة فيه, وحين جاء ذكر اليمن, قال: إن فخامة الأخ عبدالناصر حين دعا إلي مؤتمر استجبنا له, ونحن لم نقتل مصريين, ومن قتل المصريين متمرودن باليمن, وكلما يأتي ذكر الرئيس عبدالناصر يقول, فخامة الأخ عبدالناصر, واستمر الحوار بشكل راق جدا وحضاري, وكنا قررنا نشر الحوار بمجلة المنظمة, ولكن سبقتنا جريدة الحياة ببيروت ونشرت الحوار, والصحافة ببيروت وقتها إما مع مصر أو السعودية, وهذا اللقاء جاء مخالفا التوقعات, لأن المصريين توقعوا أن تقضي المظاهرة علي الملك فيصل, ولكن نشر الحوار رفع من رصيده, فأغضب المصريين والأجهزة في ذلك الوقت.
السبب الخامس: أن المشير عبدالحكيم عامر قرر لقاء المبعوثين المصريين بفرنسا, ونقل للرئيس عبدالناصر أننا في واد وهم في واد آخر, ولا علاقة لهم بما يحدث من إنجازات بمصر, فقرر عبدالناصر أن يعقد مؤتمرا للمبعوثين في الخارج حتي يتعرفوا بأنفسهم علي الإنجازات, ولكننا في أمريكا اعترضنا علي مبدأ إقامة مؤتمر في هذا التوقيت وبهذه السرعة, ولم أذهب لهذا المؤتمر, وهذا أيضا اخذ علي, فأنا رئيس منظمة الطلبة العرب والمصريين من قبلهم, فكيف لا أحضر مؤتمرا دعا له عبدالناصر ؟!
هل كنت تتخيل رد الفعل وقتها من عبدالناصر ؟
في ذلك الوقت كنت شابا في ال28 من عمري, وكانت لدي طاقة ثورية, ولم أخش شيئا وكنت أعلم أن ذلك سيغضبهم في مصر.
وحين صدر القرار ماذا حدث؟
القرار بالفعل كان صادما, حيث تم فرض الحراسة علي ممتلكاتي بمصر وعزلي سياسيا وبأني شخص غير مرغوب فيه وقطع ابتعاثي وقد تألم لذك الدكتور أحمد كمال أبو المجد المستشار الثقافي وقتها.
كم استمرت إقامتك في أمريكا بعد ذلك ؟
حتي عام1974 وعدت بعدها إلي مصر, بعد إلغاء القرارات الصادرة ضدي, حيث شعر السادات بأن شرعيته ليست مستمدة من عبدالناصر ولكن من انتصار اكتوبر.
وماذا عن علاقتك بالسادات ؟
حين عدت إلي مصر وبدأت العمل مع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام وأيضا بالجامعة الأمريكية تفرغت للعمل والدراسة, وفي عام77 كانت هناك دعوة من اليسا الإسرائيلي جماعة السلام الآن موجهة لي أنا ولطفي الخولي ومحمد سيد أحمد وشخص رابع وذلك لنصرة القضية الفلسطينية, وطلبوا مني أن أعرف عن طريق سوزان زوجة مبارك نائب الرئيس وقتها مزاج الرئيس السادات في السفر إلي إسرائيل وحضور المؤتمر, وجاء الرد بأن ننتظر مفاجأة من الرئيس السادات, فاعتذرنا عن عدم حضور المؤتمر, وبعد أيام قليلة أعلن في مجلس الشعب عن استعداده لزيارة إسرائيل, ثم طلب السفر معنا ولكننا رفضنا السفر, لأن الدعوة كانت من اليسار ونحن نصف السادات بأنه يميني منفتح.
هل التقيت بالسادات بعدها ؟
نعم, في28 أغسطس81 جاءتني مكالمة من الرئاسة بأن الرئيس يريد مقابلتي باستراحة الإسكندرية, وكان اللقاء يوم30 أغسطس, وفي هذا اليوم صباحا وأثناء سفري إلي الإسكندرية, وجدت خبرا في الصحف بأن الرئيس معتكف ولن يقابل أحدا لأنه يعد خطابا تاريخيا في5 سبتمبر وأسقط في يدي, هل أذهب أم لا, وذهبت إلي الاستراحة ووجدت الحرس يستقبلني ثم دخلت والتقيت أولا بالسيدة جيهان, وقالت لي: إن البلد تضيع, ومن حول الرئيس يوغرون صدره تجاه أي إنسان مخلص, وقد فعلوا ذلك مع منصور حسن, وليس لدينا الآن من يقول كلمة حق للرئيس, فأرجو منك أن تنصح الرئيس مخلصا وتقول له كلمة حق, وقبل هذا اللقاء كنت قد كتبت مقالا في مجلة الكونجرس عن علاقة مصر بالدول الكبري, وقلت إنها تمر بخمس مراحل: الغزل ثم الخطوبة فالزواج فالخلافات وأخيرا الطلاق, وهذا ما حدث مع روسيا, وحذار أن تقع أمريكا في هذه العلاقة, وكان الرئيس السادات وقتها هناك للقاء ريجان, فكانوا دائما يسألون السادات: نحن في أي مرحلة الآن, وقد سأل مستشاريه عني, فتطوعوا بسيل من المعلومات كانت كفيلة بأن توغر صدره ضدي, ولكن السيدة جيهان طلبت من السادات أن يدعوني ويتحدث معي أفضل, وحين التقيته قالت له: ياريس الدكتور سعد, فالتفت إلي وقال: انت بتكرهنا ليه, ثم قالت ياريس: الدكتور سعد ضيفك, فقال بتأفف: اتفضل, ثم دار حديث طويل بيننا, وفجأة قال لي: التقارير عنك بتقول إنك كل يوم في بلد, فقلت له: نعم, قال عاوز تقدم خدمة لبلدك, قلت: نعم, قال: الناس اللي بتهاجمنا عشان كامب ديفيد اجمع منهم مائة مفكر عربي وتتم مناظرة بيننا إما أن يقنعوني أو أقنعهم, وسافرت بعدها بيومين إلي اليونان, وبدأت اعتقالات سبتمبر, وحين عرضت الأمر علي بعض المثقفين العرب هناك قالوا فليبدأ اولا مع المثقفين المصريين بدلا من اعتقالهم.
اعتبر البعض دفاعك عن حقوق الأقليات بأنه تحريض علي إقامة دويلات منفصلة ؟
لأنهم لا يفهمون, فإهمال الحقوق هو الذي يؤدي إلي الانفصال كما حدث في العراق( الأكراد) وكما حدث في السودان( جنوب السودان), فعالم الاجتماع هو طبيب مجتمعه, ولكن الجهل أطبق عليهم, فلم يستمع السادات ومبارك لهذه التنبيهات التي قلت عنها مرارا وتكرارا وكذلك حكام السودان والعراق.
بصراحة, هل تم الإفراج عنك لأن قضاءنا شامخ, أم للضغط الدولي ؟
قضاؤنا شامخ بكل تأكيد, فقد تمت محاكمتي ثلاث مرات وتمت تبرئتي.
بعد خروجك من السجن بأشهر قليلة اختفي الصحفي رضا هلال, وإحدي روايات اختفائه تقول: إن مبارك قال عنه: لا أريد سعد الدين إبراهيم آخر, هل سمعت هذه الرواية, وكيف تفسر اختفاءه ؟
نعم سمعت, ولكن لا أكاد أجزم بها, ولكن سأروي لك واقعة: في إحدي المرات كنت في النادي اليوناني, وكان معي د. عبدالمنعم سعيد, وكان رضا هلال موجودا ولم أكن أعرفه جيدا, وكان يتحدث عن جمال مبارك كثيرا بشكل شخصي.
إذن من يتهم مبارك والعادلي بالتسبب في اختفاء رضا صحيح ؟
قيل لي من رجال كبار في الداخلية إن أمورا كهذه لا نجرأ أن نأخذ قرارا فيها إلا بأوامر شخصية, لأن هؤلاء شخصيات عامة ومعروفة, وأظن أن أحاديث رضا هذه كانت السبب في اختفائه, وبعض الناس تقول إن رضا كان يعرف جمال جيدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.