حين يرفض الصحفى المهنى وجود الرقيب على كتاباته فذلك لأنه يعلم تماماً أن ضميره المهنى هو الرقيب، وحين يقبل الصحفى المهنى تلك الرقابة فإن ذلك يعنى بلا شك إعتراف منه لجهة الرقيب بأن ضميره المهنى قد مات... والمفترض أن مهنة الصحافة بالأساس هى سلطة شعبية، مهمتها الأساسية هى البحث عن الحقائق التى تساعد الرقيب على ان يحكم رقابته لتمارس الهيئات الرقابية دورها فى كشف الفساد، وهو مانصت عليه المادة الثالثة من قانون تنظيم الصحافة لعام 1996بأنه "تؤدي الصحافة رسالتها بحرية وباستقلال، وتستهدف تهيئة المناخ الحر لنمو المجتمع وارتقائه بالمعرفة المستنيرة وبالإسهام في الاهتداء إلي الحلول الأفضل في كل ما يتعلق بمصالح الوطن وصالح المواطنين"، ولذلك فإنه حين يغيب دور الصحافة الحقيقى فى كشف المعلومات التى تتعلق بالفساد والخلل فى المجتمع فإن ذلك يعنى بالضرورة إنتشار الفساد وغياب الشفافية والتنمية والرقابة على تحقيق العدالة الإجتماعية. نحن هنا إذاً فى حاجة ماسة إلى فض الاشتباك فى هذه المسألة، ذلك أنه من مصلحة المجلس العسكرى وهو السلطة الحاكمة للبلاد الآن، أن تستطيع الصحافة ممارسة دورها بمنتهى الشفافية كى تتمكن من أن تقدم للدولة كل الحقائق والمعلومات التى تعين السلطة التنفيذية على اتخاذ القرار السليم بل وأيضاً استشعار وبمنتهى الدقة احتياجات المواطنين ومعرفة مدى معاناتهم والوقوف على الممارسات الإجرامية والخارجة على القانون لضمان استقرار البلد فى هذه المرحلة الدقيقة. ولأننى أفترض بالأساس أن السلطة ترغب من قرار وضع رقابة على الصحف ضمان عدم نشر أخبار قد تؤدى إلى نشر الفوضى والبلبلة وزعزعة الاستقرار والأمن القومى اجدنى وبمنتهى الأمانة حائراً فى فهم قرار المجلس العسكرى فى الإبقاء على قيادات الصحف دون تغيير ثم ينحى إلى وضع الرقيب فيما يبدو وكأنه قدر من عدم الثقة فى إدارة تلك القيادات للصحف، على الأقل من ناحية الممارسات المهنية المنضبطة، مع أنه كان من اليسير على قادته أن يطلبوا من مجلس الوزراء تغيير تلك القيادات ولو بشكل مؤقت حتى يتم الإنتهاء من انتخابات نقابة الصحفيين ليتم إعداد قانون جديد للصحافة يضمن التزام الصحف بالمعايير المهنية والتزام الصحفيين بميثاق الشرف الصحفى، وإذا كانت المادة الرابعة من قانون تنظيم الصحافة تنص على أن فرض الرقابة علي الصحف محظور، فإنه ومع ذلك يجوز الاستثناء في حالة إعلان الطوارئ أو زمن الحرب أن يُفرض علي الصحف رقابة محددة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي، فما الحاجة إذاً لوجود رقيب عسكرى؟ أليس من الأفضل أن يتم تطبيق القانون وتلك المادة بالذات على الصحف المخالفة؟ وأن يتحمل القائمون عليها أيضاً مسؤولياتهم بشجاعة تجاه هذا المجتمع؟ نعلم جميعاً ونحن وطنيون نحب هذا البلد أن مصر تمر بفترة إنتقالية صعبة وأن الكثير من الأحداث قد تكون مقلقة لكن المخرج الحقيقى لهذا البلد هو أن يتم ترسيخ دولة القانون.. فلنتفق جميعاً إذاً على أن نبتعد عن الإستثناءات وأن ننتصر لدولة القانون، فحضارة الأمم إنما تقاس بمدى احترام أفرادها للقانون ومدى التزامهم بمواده واحكامه وخضوعهم لسيادته، وهو أمر ليس بصعب المنال خصوصاً وأننا دولة حضارة تعلمت ويتعلم منها الشعوب منذ فجر التاريخ. المزيد من مقالات أحمد محمود