تشخيص الدكتور فندي! أثارني وصف الدكتور مأمون فندي لحالة مصر الآن حين قال وجدت وطنا بكامله قد جمدته الديكتاتورية في عمر المراهقة آلمني الوصف وجرحني وزاد من مخاوفي علي حاضرنا ومستقبلنا. لكنه للأسف وصف دقيق, يلخص المشهد الذي نعيشه, والطريقة التي نفكر بها, والحلول التي نطرحها, والتصرفات التي نسلكها, لا فرق بين الشباب بحماسه وقلة خبرته وبراءته وأحلامه وانطباعاته البسيطة عن الثورة والسلطة والتغيير والثورة, وبين الحكماء الذين اعتلوا المنصة, فغلب عندهم الحماس علي العقل, والاندفاع علي التفكير العلمي المنظم, والشعارات العاجلة علي الرؤية الشاملة, والنفاق الشعبي علي مصلحة الوطن, وبين فئات وطوائف من الشعب عانت من الظلم كثيرا, فانفجرت انفعالاتها وسيطرت عليها المطالب لاسترداد حقها المهضوم فداست علي حق الوطن في الخروج أولا من محنته, فاعتصمت وأضربت عن العمل في وقت هو الأسوأ في تاريخ مصر, وبين تيارات سياسية خلطت بين الوطن والغنائم, فتعمل علي انتهاز الفرصة لنيل أكبر قدر من الغنائم قبل أن يفيق الوطن من غيبوبته ويجد طريقه إلي دولة حديثة متقدمة تستند دعائمها إلي الحق والعدل والديمقراطية والمساواة وتكافؤ الفرص.. أليست هذه تصرفات المراهقين المشجعين في مدرجات الدرجة الثالثة في مباراة لكرة القدم؟! زعيق وصخب وضوضاء وصراخ وإلقاء طوب وزجاجات فارغة وإشعال شماريخ واشتباكات مع رجال الأمن من قلة مندسة ناهيك عن كلام فارغ عن اللعب والخطة والتمريرة والتشكيل والمدرب ولا أحسن خبير كروي في العالم., لا يهم أن الملعب يهدم أو يخرب..المهم أن تنطلق شحنة الغضب المكتومة من الصدور إلي الخارج ويرتاح أصحابها وهم يرقصون فرحا بالانتصار الوهمي علي الأعداء المنافسين.. منتهي الدقة من مأمون فندي في وصفه.. وأتصور أن حالة المراهقة العامة ليست من نتاج الديكتاتورية فقط, وإنما هي ثمرة عطنة من شجرة الانحطاط والتخلف التي زرعت في أرضنا, ونمت وترعرعت وهرست الأفكار الإنسانية العظيمة التي أنتجتها هذه الأمة لأكثر من قرنين..وقد عاش مصريون كثيرون في ظلالها تشجعهم الديكتاتورية عليها, وتحثهم علي التمسك بها, خاصة وقد عمدت بكل قسوة إلي إفساد التعليم والإعلام, لتؤسس عقلا شكله من العصر وتكوينه الفعلي من الماضي. فهل يمكن أن نتصالح مع أنفسنا من أجل مصر وتجبرنا اللحظة العصيبة علي تجاوز المراهقة السياسية والفكرية حتي ننقذ وطننا؟! [email protected] المزيد من أعمدة نبيل عمر