لست أنكر حق الناس في التعبير عن أفكارهم وإذاعة ذلك عبر المظاهرات والاحتجاجات حسبما قررها الدستور وإلا حكم علي البعض بأنني ضد الديمقراطية.. لكن مبلغ علمي أن نهضة الأمم لا تصنعها المظاهرات والمليونيات وإنما يصنعها العمل.. والنظام الذي تحول في مصر المحروسة إلي فوضي وعبث تقوم به عناصر خارجية. والحق أن ثورة25 يناير كانت طبيعية بكل شعاراتها التي تنادي بالإصلاح والعدالة الاجتماعية لكن هذه المليونيات جعلت الدول الخارجية تفيق وتحاول التدخل خصوصا مع انتظامها بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع.. ولأنني أري أن الدول الخارجية ليست ملائكة وتركها دائما مصالحها الخاصة وأن مصر المحروسة مستهدفة قديما وحديثا, فإن التخريب فيها قد تراه بعض الدول وكأنه في مصلحتها.. لذلك لست أري أن المليونيات في صالح مصر التي نريدها جميعا أكثر أمانا واستقرارا من أي قبل.. ولا ننسي أن كلمة مليونيات قد استعرناها من الغرب نفسه عندما سمعنا ربما لأول مرة أن هناك أكثر من مليونية في نحو 70 مدينة غربية تطالب بوقف العنف في العراق ورحيل القوات الأمريكية الغازية منها.. ونسينا أن جورج دبليو بوش الرئيس الأمريكي السابق لم يستمع إلي هذه المليونيات واعتبرها أنها لم تكن واستمر في سياسته الرامية إلي احتلال العراق.. المهم أن كلمة المليونيات قد تسربت إلينا من المدن الغربية!. صحيح أن مليونية الجمعة الماضية لم تتحقق عددا إلا أن المجلس العسكري المصري قد استمع الي المتظاهرين وشرع حسبما علمنا في تعديل قانون الانتخابات.. لكن لا ننسي أن الفوضي التي تضرب اطناب المجتمع المصري وعدم الأمان والأمن هي التي دفعت المجلس العسكري الي اتخاذ قرارات منها قانون الإرهاب.. أو قانون الطواريء.. لكن بلا شك سيزول هذا القانون بعد أن تستتب الأوضاع, المهم أن نتعاون من أجل ذلك, لا أن نعترض فقط عليه.. وطريقنا إلي ذلك معروف وهو أن نثق في المجلس العسكري كما يجب أن نثق في القضاء المصري.. ونعلم يقينا أن كل شيء يمر من خلالها وأنهما سيصلان إلي بر الأمان بإذن الله. أما التمرد والتظاهر بهذه الطريقة المليونية فلن يقدم ولن يؤخر وقد يفتح الطريق أمام حرب أهلية لن تبقي ولن تذر.. والمثال الصارخ علي ذلك يأتينا من دول الربيع العربي الأخري مثل ليبيا التي يتأهل شعبها من أجل حياة حرة كريمة كذلك اليمن التي توشك أن تدخل أطرافها المختلفة في حرب أهلية!! لا لشيء إلا لأنها لا تثق في قادتها الجدد, بالإضافة الي تمسك قادتها القدامي بمقاعدهم, وهو أمر لم تعرفه مصر في البداية.. إن الثورة المصرية قد أعادت الاعتبار الي مصر والشعب المصري ومن يكن في شك من ذلك فليرجع إلي الصحف الأجنبية ليري قدر الاحترام والتقدير الذي أحاطه الكاتبون حولها.. لسنا من حقنا أن نلوث هذه الثورة العظيمة, إذ لابد أن تبقي ناصعة.. وتلوثها لا يأتي إلا من خلال هذه المليونيات التي تمتليء بمطالب فئوية.. كلنا يعلم أن هذا الميدان أو ذاك ليس مكانها, فهناك مطالب للمعلمين وأخري لأساتذة الجامعات وثالثة لسائقي النقل.. وهلم جرا.. قديما أذكر كلمة للدكتور غسان سلامة وزير الثقافة اللبناني السابق ومستشار الاتحاد الأوروبي لشئون الشرق الأوسط عندما التقيته في مكتبه بالحي السابع عشر في باريس عندما قال معلقا علي تزوير الانتخابات البرلمانية فقال.. يبدو انكم يا شعب مصر لا تعرفون قدر مصر, إن ما تفعلونه يقتدي به الآخرون, ثم أضاف يقول حزينا: اتركوا لنا مصر نحن اللبنانيين لنديرها كما ينبغي أن تكون الإدارة!! هذا الكلام معناه أننا ندير مصر بطريقة عشوائية لأننا لا نعرف حجم مصر عند الدول الأخري وفي منطقتنا العربية مصر يا قوم كبيرة بتصرفاتها لا بتصرفات الآخرين.. وإذا كنا نجحنا في أن نعيد من خلال هذه الثورة السلطة للشعب وندشن عودة عصر الشعوب لا الحكومات أو النظم فليس اقل من ان نحافظ علي هذه الثورة.. التي يري البعض أنه قد آن أوان استردادها فنظموا شعارات تقول جمعة استرداد الثورة!! وهذا خطأ كبير لأن الثورة المصرية لم تسرق كي نستردها من سارقها وإنما هي موجودة بين أيدي الشعب الذي صنعها.. فقط علينا ان نكف عن ذلك, وان نؤمن ان ثورتنا باقية وانها امتداد لثورة عرابي في القرن قبل الماضي وثورة 1919 وثورة الضباط الأحرار في القرن الماضي.. وهذا حري بنا أن ندافع عنها ونحميها من عبث العابثين! ولا يجب أن ننسي أن هذه الثورة قد أعادت الاعتبار الي الديمقراطية بشكل عام بمعني حكم الشعب بالشعب وللشعب فقديما كانوا يسخرون من الديمقراطية العربية ويرون انها صورة اخري من الممالك التي كانت موجودة الي أبد الآبدين.. يصل القائد عن طريقها لكنه سرعان ما تلتصق به المقاعد فلا يغادر السلطة ويري في نفسه الزعيم الذي لا زعيم قبله أو بعده فيمكث فيها الي ما شاء الله, ثم يورثها أقصد السلطة الي أبنائه.. وكأن شيئا لم يكن! نعم لقد أعادت ثورة مصر وقبلها ثورة تونس الاعتبار الي هذه الديمقراطية العربية وجعلت الشعب هو المصدر الحقيقي للسلطات.. الي حد ان وضعت الدول الصناعية الثماني الكبري بأن ثورة مصر هي أم الثورات, كانت كذلك قديما, وستبقي كذلك حديثا, وإلي ما شاء الله لأنها ستكون أشبه بكرة الثلج التي تكبر وتكبر حتي تؤتي أكلها بإذن الله.. هذه كلها أسباب تجعلنا نحافظ علي ثورتنا ونبقي عليها دون ملوثات في عصر اختلط فيه الحابل بالنابل..! الساكت عن الحق: يقولون إن الصديق لا يعرف إلا وقت الشدة, ونحن اليوم عربيا نمر بشدة وقد اعلن محمود عباس انه سيطلب رسميا الانضمام الي الاممالمتحدة لكن الصديق المزيف الأمريكي يقف ضد ذلك وقد تحدث أوباما ان امريكا لا تتورع عن اتخاذ حق النقض الفيتو لإحباط وافشال المحاولة الفلسطينية, فهل عرفنا صديقنا من عدونا؟ وقديما قالت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ان اسرائيل وحدها هي الصديق الاستراتيجي الوحيد في المنطقة, لكن ما الحيلة في أننا لا نفهم واذا اتهمنا لا نعقل!! أما إسرائيل فقد ردت علي الطلب الفلسطيني بأن أقرت بناء أكثر من ألف مستوطنة مستعمرة جديدة في الضفة الغربية ورغم ذلك لا تكف عن النباح بأنها علي استعداد للدخول في مفاوضات من اجل السلام.. فقط قناعتنا في ذلك ان اسرائيل تتحدث بل تدمن الحديث عن السلام لكن لم تمارسه في يوم من الأيام.. مرة اخري ماذا فعل العرب.. الاجابة هي لا شيء.. يبدو اننا أدمنا نحن أيضا الإدانة والشجب كما الدول الاخري, فدولة صغيرة في حجم إسرائيل اعتادت علي تخويف اكثر من 100 مليون عربي تستحق اكثر من الشجب والادانة الهزيلة! المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي