كان مبارك اذن علي علم تام ببواطن الفساد في هذا النظام الذي نما وترعرع علي يديه.. وكانت لديه هو فقط الشفرة اللازمة للتعامل مع مثل هذا الفساد.. كان علي علم تام بكل هذه التناقضات بين قوي المجتمع.. وكيف لا وهو الذي كان يشرف بنفسه علي بناء الفساد بالشكل الذي يضمن له الاستمرار في الحكم دون منافسة حقيقية ودون اعتراض فعال علي مشروع توريث الحكم. هذه التناقضات هي التي تهدد اليوم باجهاض الثورة المصرية وتحويلها الي نقمة علي الشعب وعلي الوطن.. نقمة تشعل البلاد وتقسمها وتنهي الي الابد القاعدة الاساسية لمقاومة قوي الشر العالمية التي كانت دوما تري ان مصر هي السد المنيع ضد مطامعها المستمرة في شرق اوسط يدين بالولاء والطاعة. المطلوب الان ان ينهار الوطن حتي تبدأ عمليات تقسيم الارث علي الطامعين في السيادة علي المنطقة بأسرها.. الانهيار لن يكون الا بأيادي المصريين انفسهم, وقد نجحت التناقضات في الركوب علي الثورة وهاهي تريد ان توجهها نحو الفوضي الكاملة بالتصادم مع المجلس الاعلي للقوات المسلحة ومع قوات الجيش بعد ان نجحت في تكسيح قوات الامن الداخلي واجهزته المعاونة فأصبحت مصر سداحا مداحا مفتوحة لكل من هب ودب.. وبدلا من الانتباه الي هذه الكارثة التي ادت الي فراغ امني رهيب وانفلات اجرامي ليس له سابقة ولا مثيل, نجد ان الدماغ الذي يخطط يتجه الان وبسرعة الي انهاك القوات المسلحة في تصادمات هي ليست مؤهلة لها علي الاطلاق.. تصادمات مع الشعب الذي اوكل اليها مهمة الحفاظ علي الثورة وحمايتها. لقد حاولوا من قبل وفشلوا.. حاولوا الهجوم علي مركز قيادة المجلس الاعلي, وبالأمس كرروا محاولاتهم وعيونهم علي الموعد الذي اتفقوا عليه وارجو ان اكون مخطئا يوم السادس من اكتوبر الخميس المقبل.. يوم النصر الكبير.. يوم العزة والكرامة للأمة المصرية.. يوم الكبرياء للقوات المسلحة.. لقد اختاروا هذا اليوم لتنفيذ مخطط شيطاني لكسر همة وارادة الجيش المصري وليكن بعد ذلك ما يكون من فوضي عارمة وتقطيع لكل اواصر اللحمة بين ابناء الوطن. والغريب انهم لا يخفون اهدافهم.. لقد بلغوا من البجاحة والاستقواء مبلغا لم يكن يحلم بها اعدي اعداء الوطن.. انهم يتحدثون الان بكل الحرية عن ضرورة الاصطدام بالجيش.. يتحدثون عن كسر ارادة الجيش في يوم عيده كما كسروا الشرطة في يوم عيدها.. يتحدثون عن النموذج الليبي والسوري في الاشتباك بين الجيش والشعب, وكأن النموذج الرائع في حماية الجيش المصري لثورة الشعب لم يكن هو النموذج المطلوب.. كأن هذا النموذج الذي ابهر العالم كان خارج توقعاتهم ومخططاتهم.. انهم يريدون اليوم ان يحققوا ما عجزوا عن تحقيقه ايام الثورة الاولي. الموقف لا يحتاج الي مزيد من الشرح للتعرف علي ابعاد المخطط الشيطاني الذي يجري تنفيذه الآن.. لقد أرادوا ان تكون الثورة المصرية مجرد جسر الي الفوضي التي لا تقوم لمصر بعدها قائمة ليبدأ شرق اوسط جديد يكون جزءا من المنظومة الشيطانية العالمية.. لقد وقف الجيش المصري العظيم ضد هذه المخططات عندما قرر الانحياز الي الثورة الشعبية لحماية الوطن من الوقوع في شراك الفتنة.. اتخذ الجيش قراره بالوقوف الي جانب الشعب منذ اللحظة الاولي التي نزل فيها الي الشارع ولكن دون ان يكون لديه خطط جاهزة للعبور بالأمة من هذه الأزمة.. وضع قادة الجيش ارواحهم علي اكفهم يوم ان قرروا الانحياز الي الشعب دون ان يكون لديهم المشروع الجاهز, ودون ان يكون ايضا هناك مشروع من اية قوي سياسية مصرية.. فالجميع فوجئ بالثورة التي لم تعرف خباياها بعد.. واخطر ما في الامر هو الايام القادمة بما تحمله من اخطار يمكن ان تؤدي الي فوضي لا نهاية لها. لا نستطيع ان نطلب من المجلس الاعلي للقوات المسلحة ان يصبر علي اي اهانة قد توجه اليه.. لا نستطيع ان ندعي الحكمة ونطالبه بأن يستوعب الثوار وحماس الشباب خاصة وقد رأينا ان الثورة قد بدأت في السير علي الطريق الخطأ, وان ما يحدث الان في ميدان التحرير ليس الا جزءا من مخطط شامل لتدمير مصر تدميرا كاملا شاملا لا تقوم بعده أبدا ولتخلو الساحة للطامعين في السيادة علي المنطقة. هذه ليست هي الثورة البريئة التي اطاحت بالنظام السابق.. ما يحدث هو مخطط بعناية فائقة سوف يكشف عن تفاصيله فيما بعد عندما يتم الاعلان الصريح عن التمويل الاجنبي لأدعياء الثورة كي يتجرأوا علي ثوابت الوحدة الوطنية ورواسخ التقاليد المصرية. وكلمة اخيرة الي المجلس الاعلي.. لقد وضعتم الثورة ضد طغيان الحكم السابق امانة في اعناقكم.. كنتم تراقبون الاوضاع ايام الرئيس السابق وتكابدون من اجل عدم الرجوع بالوطن الي حكم العسكر, وفي الوقت نفسه كنتم ترون ان الكارثة تقترب بعد ان اكمل مبارك خطته الي التوريث.. لقد جاءت الثورة الشعبية لتكون الفرصة الوحيدة للتعبير عن رفضكم للنظام الفاسد.. فلا تضيعوا الثورة بالتردد في القرارات المصيرية.. اعلموا انكم مفوضون من جموع الشعب المصري في الحفاظ علي ثورته المعجزة, وان التاريخ سوف يكتب عما تفعلون اليوم.. انجزوا عملكم واعلموا ان الشعب وراءكم.. نفذوا الجدول الزمني لتسليم السلطة الي المدنيين من ابناء مصر المخلصين. المزيد من مقالات محمد السعدنى